إذا بقي لبنان!
نشر أنطوان قربان في موقع “ميديل إيست ترانسبارنت” مقالاً بعنوان “الموكل بتطبيق العدل خارج على القانون!”.
واستهلَّه بقوله: حين استمعت لبيان وزيرة العدل ماري كلود نجم حول الاقتحام المفاجئ للمدعيَّة العامة لجبل لبنان غادة عون لمكاتب شركة “مكتّف” ، تذكَّرت ما قاله الفيلسوف النمساوي لودفيغ فتغنشتاين: “ما لا يمكن قوله.. يجب أن تكون أنت “.
والقصد هنا ليس الدفاع عن شركة “مكتّف” بوجه النيابة العامَّة، فليَنَل كل المفسدين عقابهم. لكن كان من الأجدى على الوزيرة ماري كلود نجم وهي أستاذة القانون أن لا تختزل قضية غادة عون وكأنها نزاع بين الأخيرة ورئيسها الهرمي غسَّان عويدات النائب العام لدى محكمة التمييز. فبصفتها وزيرة للعدل كان يجب عليها ضمان تماسك الهيكل الهرمي الصارم الذي يشكل مكتب المدعي العام وما يسمى بالقضاة “الدائمين” . فإذا كانت الوزيرة ولسبب قاهر غير قادرة على ضمان التماسك الداخلي للقضاء كان الأَوْلى بها الامتناع عن الإدلاء بأي تصريح مع بذل كل الجهود الممكنة لمنع العدالة من أن تُستَخدم في خدمة الجريمة. هنا يشير مصطلح “جريمة” إلى عدم احترام استقلالية القضاء من قبل السلطة التنفيذية نفسها والقوى السياسية التي استولت على الدولة وموارد البلاد، من خلال تواطؤ ميليشيا مسلَّحة بحماية جريمة منظَّمة لشبكة داخل المؤسسة السياسية. وبالتالي ما رأيناه وسمعناه في القضية المعنيَّة لا يمكن اختزاله بعراك بين الطالبة المتمردة غادة وزميلها غسَّان. كان على وزيرة العدل أستاذة القانون أن تحمي صورة نظام العدالة التي تمثِّل علامتها التجاريَّة وصلب موضوع تعليمها الأكاديمي.
اليوم حكم القانون لم يعد موجوداً في لبنان، لقد تم اغتياله من قبل المسؤولين عن ضمان الامتثال للقانون، الوضع بات أكثر خطورة وميؤوساً منه، بات كل مواطن في خطر، فحقوقه الأساسية يمكن أن تُنتهك في أي وقت من قبل القضاء نفسه، الذي جرفه الهوس بالشعبويَّة المبتذلة.
“بيروت أم الشرائع” تم اختزالها اليوم لتصبح نسخة باهتة من العدالة المضادة، عدالة خارجة عن القانون مثل تلك التي تمارس في الصين في ظل ديكتاتورية “عصابة الأربعة”. فلم ينسَ التاريخ القصة الملحمية للإمبراطورة الحمراء “جيانغ كينغ” زوجة ماو تسي تونغ ، والتي لا تحسد عليها المدعية العامة غادة عون.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ هل يمكن أن تؤدي مثل هذه الفضيحة الإجرائية لبداية سليمة تسمح بظهور قيادة قادرة على التنظيف؟ لأنه من الواضح اليوم أن جميع السبل الدستورية مسدودة. فتشكيل حكومة باتت مهمة من ضرب الخيال. والرئيس المكلَّف سعد الحريري يبدو ليس الرجل المناسب للمنصب. وكذلك رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون يجب أن يستقيل دون أي تأخير كما حدث في عام 1990 ، والأمر ينطبق نفسه على رئيس مجلس النوَّاب نبيه بري. فلقد كلَّفت الحرب بين هؤلاء القادة أثماناً باهظة، لم يحصدها فعلياً إلا “حزب الله” الذي يقف متفرجاً من بعيد ويتابع أنشطته الإجرامية بهدوء.
لا بد من مرحلة انتقالية ضرورية: لبنان بحاجة إلى فترة انتعاش بعيداً عن أي صراع سياسي، بغية تنظيف كل الأوساخ المتراكمة. يجب وضع سلطة مؤقتة محدودة تحت مظلة دولية. وبمجرد الانتهاء من التنظيف الكبير يمكننا حينها التفكير في استئناف الحياة العامة العادية. يجب أن تكون المرحلة الانتقالية قادرة على ترسيخ الحكم الذاتي للسيادة على التراب الوطني، وذلك بفضل قرارات الأمم المتحدة (1559-1680-1701) ، وكذلك إصلاح المؤسسات ، لإقامة عدالة مستقلة حقيقية وخاصة لوضع حد للإقطاعية القبليَّة والبربرية للحياة السياسية. ولحين تنفيذ هذه القائمة ستستمر محنة اللبنانيين. وسيكون لدى أطفالنا وأحفادنا متسع من الوقت لشتمنا ، إذا بقي لبنان.
مواضيع ذات صلة :
القاضي جمال الحجار يخلف عويدات في النيابة العامة التمييزية | هل يخلف الفراغ غسان عويدات؟ | جديد خطف المواطن السعودي.. هذا ما أخَر التحقيق الأوّل! |