القضاء على “القضاء”
نشر ميشال توما على موقع Mondafrique الإلكتروني مقالاً بعنوان ” تصدُّع القضاء في لبنان “. فنتيجة للتحركات غير المحسوبة للقاضية “غادة عون” وما أثارته من بلبلة، متلطيةً بغطاء رئيس الجمهورية ميشال عون، دعا نائب رئيس مجلس النواب الجيش اللبناني لتولِّي زمام الأمور.
نشهد هذه الأيام في لبنان مشاهد غير مسبوقة تشوِّه الوجه الديقراطي لهذه البقعة، في وسط الشرق الأوسط الصاخب. فبالرغم من الإجراء الذي اتخذه النائب العام التمييزي بإعفائها من مهامها، توجَّهت القاضية “غادة عون” _ مدعومةً بمجموعة من أنصار “التيار الوطني الحر” الذي أسسه رئيس الجمهورية نفسه ميشال عون _ إلى مقرِّ “شركة مكتَّف” لتحويل الأموال، واقتحمت المكاتب وكسرت الأبواب، وذلك على خلفيَّة اتهام عون للشركة المعنيَّة بخرق القانون فيما يتعلق بتحويل العملات الأجنبية إلى الخارج. الأمر الذي نفاه عدد من الخبراء في المجال والذين أشاروا إلى أن شركة “مكتف” كانت موكلة منذ 70 عامًا بعمليات تحويل العملات وفقًا للقوانين والأنظمة الدولية، وتحت رعاية مصرف لبنان وبالتعاون الوثيق مع كبرى البنوك العالمية والشركات المالية في الدول الغربية.
الاضطراب يصل للذروة والدولة تترنَّح، فبدعم من رئاسة الجمهورية أيضاً، كانت غادة عون قد شنَّت حملة ضد حاكم مصرف لبنان “رياض سلامة” والقطاع المصرفي اللبناني بذريعة “محاربة الفساد”. لكن بالواقع فإن عون بموقع اتهام من الفريق الآخر بأنها مجرد دمية في أيدي “حزب الله” الموالي لإيران والحليف لميشال عون، وذلك بغية تحقيق مخططات مخزية، مما يشعر اللبنانيبن بأنهم يشهدون عملاً واسعاً لتخريب أسس الجمهورية اللبنانية.
الجيش الملاذ الأخير
ضمن سياق مواجهة الوضع الخطير، أجرى نائب رئيس مجلس النواب “إيلي الفرزلي” مقابلة ناريَّة مع قناة محليَّة، حث خلالها قيادة الجيش اللبناني على الاستيلاء على السلطة وتعليق الدستور، وإزاحة الطبقة السياسية بأكملها و تنظيم الانتخابات التشريعيَّة. وقال “إذا كان الهدف حقاً هو محاربة الفساد فليكن..وفي هذه الحالة أدعو قيادة الجيش الى الاستيلاء على السلطة وتكليف مجموعة من القضاة الشرفاء بالتحقيق في جميع قضايا الفساد دون استثناء”. هذا التصريح الذي أدلى به نائب رئيس مجلس النواب فاجأ العديد من المراقبين في بيروت؛ لأن لبنان لم يشهد انقلابًا في تاريخه، لا سيما أن مثل هذا الخيار يبدو صعبًا بالوضع الراهن. بظل وجود حزب الله الذي لديه ترسانة عسكرية ضخمة غير شرعية، وتابعة لمشروع إيران العابر للحدود، الذي لن يرضى بوجود أي قوة عسكرية خارج عبائته، تهدف لإقامة دولة مركزية قوية وذات سيادة. ونتيجة لذلك، تم تفسير تصريحات السيد الفرزلي من قبل بعض الدوائر السياسيَّة المحليَّة على أنها مناورة تهدف إلى زيادة الضغط على التيَّار الذي يحتضنه الرئيس عون؛ وذلك للضغط عليه لإنهاء حملته التي تقوِّض القطاع المصرفي من جهة، ولكف يد القاضية غادة عون التي تسيء لسمعة ومصداقية الدولة والقضاء اللبناني.
اضطراب قانوني!
الأزمة الحالية التي تعصف بلبنان منذ عدة أيام، ما هي الا ارتداد لسلوك غادة عون المعتمد منذ شهور عديدة. فالأوساط المعارضة لعون يتهمونها باستغلال وظيفتها كمدعيَّة عامَّة في جبل لبنان واستغلال الدعم الصريح لرئيس الجمهورية من أجل ملاحقة النشطاء المعارضين للسلطة بشكل تعسَّفي، بالإضافة لشن حرب مفتوحة غير مبرَّرة بحق حاكم مصرف لبنان. وفي هذا السياق تقول هذه المصادر المعارِضة: ” إن هذه القاضية تقوم في الواقع بتنفيذ خطة مدروسة تهدف إلى تفكيك القطاع المصرفي المعمول به حالياً، بهدف السماح لحزب الله بالسيطرة لاحقاً على النشاط المصرفي في البلاد تحت مظلَّة مؤسسة “القرض الحسن” التابعة له، بالإضافة لأجهزة الصرَّاف الآلي التي توفِّر الدولار على أساس “البطاقات المصرفية” الحزبية ، وكلها طبعاً خارجة عن سيطرة السلطات المالية في البلاد. فاتُهمت المدعية العامة عون مرارًا وتكرارًا بتجاوز صلاحياتها والانخراط في إساءة استخدام السلطة، وكونها أداة للفصيل السياسي الموالي للحزب عبر غضِّ الطَّرف عن الهيكل المالي و”المصرفي” غير القانوني لحزب الله حليف رئيس الجمهورية. فتم توجيه 17 شكوى بحقها أمام المفتشيَّة القضائيَّة وتمَّ استدعائها للمثول أمام مجلس القضاء الأعلى. وأمام هذه التجاوزات المتكررة اتخذ النائب العام التمييزي غسان عويدات قبل أسبوع قرارًا بتوقيف السيدة عون وتحويل القضايا التي كانت موكلة بها لثلاثة قضاة آخرين. إلا أن ذلك لم يثنيها عن المضي بتفتيش مقر شركة “مكتف”، لذا تم استدعاؤها يوم الثلاثاء 20 نيسان من قبل المجلس الأعلى للقضاء الذي أحالها إلى المفتشية القضائية. وتؤكد دوائر معارضة “العهد” في بيروت أن النظام الاقتصادي الليبرالي والمشاريع الحرة _ التي لطالما كانت أحد أسباب وجود لبنان _ بات على المحك، وذلك بسبب استغلال العدالة من قبل الحكومة وحزب الله.
مواضيع ذات صلة :
عون ومسيرة قضائية تعطيلية واستنسابية ونجمها يأفل بصورة دراماتيكية | الحجار يمنع غادة عون من استجواب سلامة | غادة عون و”التيّار”: فضيحة جديدة |