بريطانيا والبريكست: التداعيات بعد 5 أعوام

ترجمة هنا لبنان 11 شباط, 2025

ترجمة “هنا لبنان”

كتب Ali A. Hamadé لـ”Ici Beyrouth“:

ترخي تداعيات “البريكست” بظلالها على الاقتصاد بعد مرور خمس سنوات على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من الانتعاش المحتمل حسب بعض التوقعات، لا تزال البلاد تواجه تحديات كبيرة، أبرزها التأثير على حرية الحركة وسوق العمل وسلاسل التوريد والاستثمارات الأجنبية.

ولعلّ أبرز تداعيات البريكست ترتبط بإنهاء حرية التنقل، وما نتج عنها من نقص حاد في العمالة في قطاعات رئيسية كالزراعة والبناء والضيافة والرعاية الصحية. ووفقًا للاتحاد الوطني للمزارعين، يعاني 60٪ من المزارعين من صعوبات في إيجاد العمالة اللازمة، وهذا ما أثر بشكل مباشر على الإنتاج الزراعي وعائدات القطاع الذي تكبّد خسائر مباشرة.

القطاع المالي كان من أكثر القطاعات تأثّرًا بالبريكست، حيث تراجعت مكانة لندن كمركز مالي رئيسي لأوروبا. وسارعت العديد من الشركات لنقل أنشطتها إلى مدن أوروبية أخرى كباريس وفرانكفورت ودبلن للحفاظ على إمكانية الوصول إلى السوق الأوروبية الموحّدة. وتشير تقديرات بنك إنجلترا إلى فقدان نحو 7 آلاف وظيفة في هذا القطاع، وهذا ما أدّى إلى تراجع مكانة لندن كمركز مالي عالمي وإفقادها القدرة التنافسية.

كما تسبّبت القيود الجمركية الجديدة وزيادة تكاليف النقل بتعطيل سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف العمليات التجارية. ووفقًا لمكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني، انخفضت الصادرات البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 14٪ عام 2020، مع تراجع ملحوظ في قطاعي الأغذية والزراعة. وانخفضت صادرات اللحوم بنسبة 30%. ولم يسلم قطاع السيارات، حيث ارتفعت التكاليف بسبب الإجراءات الجمركية، ممّا أثّر على القدرة التنافسية للمنتجات البريطانية في الأسواق الأوروبية والعالمية.

أما الاستثمارات الأجنبية، فتراجعت بنسبة 37٪ بين عامي 2016 و2022، حيث فضلت العديد من الشركات تحويل مشاريعها إلى داخل الاتحاد الأوروبي للاستفادة من السوق الموحدة دون تعقيدات إضافية. وسجّلت هذه الظاهرة بشكل خاص في قطاعي السيارات والتكنولوجيا، حيث ألغيت العديد من مشاريع التوسع أو نقلت إلى دول الاتحاد الأوروبي، بشكل يوفر الوصول دون عوائق إلى السوق الموحدة.

كل هذه التغيرات أدت إلى نمو اقتصادي أضعف من المتوقع. وفي العام 2020، شهدت المملكة المتحدة بداية الركود، الذي تفاقم بسبب جائحة كورونا. وفي العام 2023، نما الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بنسبة 0.4% فقط، وهذا بعيد كل البعد عن التوقعات المتفائلة قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وخلقت حالة عدم اليقين بشأن مغادرة الاتحاد الأوروبي مناخًا من عدم الثقة مما أدى إلى تأخير التعافي الاقتصادي في البلاد.

وتفاقم الانكماش بسبب الأحكام الخاطئة داخل حكومة المحافظين، خصوصاً في فترة ولاية رئيسة الوزراء ليز تراس. وأغرقت الميزانية المصغرة لعام 2022، والتي اقترحت تخفيضات ضريبية هائلة وسط ارتفاع معدلات التضخم، المملكة المتحدة في حالة من عدم الاستقرار المالي. وبلغ التضخم ذروته عند 11.1%، بسبب الاضطرابات في سلاسل التوريد والسياسة الضريبية غير الملائمة. وانخفض الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوياته التاريخية وازدادت حالة عدم اليقين الاقتصادي. وانعكست هذه الأحداث بشكل كبير على القدرة الشرائية للبريطانيين، وأثقلت كاهل الأسر بالمعاناة الاقتصادية.

ومع وصول حزب العمال بقيادة كير ستارمر إلى السلطة، ارتفعت التوقعات بالتعافي الاقتصادي. وعلى الرغم من أن التحول السياسي لا يضمن حلاً فوريًا، يمكنه أن يوفر إدارة أكثر استقرارًا وواقعية للاقتصاد البريطاني. ويعتبر كثر أنّ حزب العمال قادر على استعادة الاستقرار والبحث عن المزيد من الحلول التعاونية مع الاتحاد الأوروبي للحد من الاحتكاكات التجارية وإحياء القدرة التنافسية للمملكة المتحدة.

وعلى الرغم من الخطاب المؤيد للتقارب مع أوروبا، تبقى سياسة حزب العمال غامضة. ولا تظهر المقترحات الحالية نظراً لتواضعها، الرغبة في إعادة النظر بشكل جذري في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. وينصب التركيز على تعديلات قطاعية محدودة، مثل اتفاقيات تسهيل التجارة في المنتجات الزراعية والتسهيلات للفنانين البريطانيين الذين يعملون في أوروبا والاعتراف المتبادل بالمؤهلات المهنية. وعلى الرغم من أن هذه المقترحات مفيدة لقطاعات معينة، يبقى تأثيرها هامشياً على العواقب الاقتصادية الإجمالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

كما أعرب حزب العمال عن رغبته بتوقيع ميثاق أمني مع الاتحاد الأوروبي، بهدف تعزيز التعاون في مجالات مثل الأمن العسكري والاقتصادي والمناخي والصحي والأمن الرقمي وأمن الطاقة. ومع ذلك، تظل المقترحات غير طموحة ويبدو أن القضايا الأكثر تعقيدًا، مثل الدفاع الأوروبي، لا تزال عالقة.

ويبدو أنّ حزب العمال، بقيادة كير ستارمر، يفكر أيضًا في تقارب أكثر استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي. وتشير المشاركة الأخيرة في مجلس الأمن الأوروبي إلى فرصة لإجراء مفاوضات. ومن شأن هذه المفاوضات أن تسمح للحكومة البريطانية باستكشاف معالم اتفاق جديد أو تعديل كبير طويل الأمد لاتفاق البريكست الذي تفاوض عليه بوريس جونسون. ومن خلال تبني نهج حذر، يستطيع ستارمر تجنب تنفير الناخبين المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع تخفيف الاحتكاكات الاقتصادية والتجارية.

هذا التقارب يحدث في سياق دولي دقيق مع إعادة انتخاب دونالد ترامب الذي يخطط لفرض رسوم جمركية على دول الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أنّ بريطانيا تتمتع بعلاقات خاصة مع الولايات المتحدة (وهذا ما ترجم بخطاب ترامب الإيجابي في لندن)، يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني يسعى لتنويع علاقاته التجارية. ومن خلال زيادة المبادرات مع أوروبا، تسعى بريطانيا لتأمين اقتصاد البلاد بمواجهة الشكوك الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.

حاليًا، وعلى الرغم من تزايد انتقادات البريطانيين لخروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، تبقى الرغبة بإعادة مناقشة القرار ضئيلة. كما أن مؤيدي العودة إلى أوروبا لا يمارسون ضغوطات كافية والانشغالات الداخلية الملحة لا توفر مجالاً لمراجعة هذه السياسة. وبالتالي، تبقى سياسة ستارمر تجاه أوروبا حذرة حتى لو بقي باب التعديلات مفتوحاً.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us