غزّة “سويسرا الشرق”… ماذا عن لبنان؟!

ترجمة “هنا لبنان”
كتب Marc Saikali لـ”Ici Beyrouth“:
لا يكاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ينبس ببنْتِ شفة حتى تجول تصريحاته العالم وتحتلّ الصفحات الأولى. كيف لا وهو الرجل الأقوى على وجهِ المعمورة؟ وكيف لا وتلك التصريحات غالبًا ما تأتي مدوّية… لا بل متفجرةً أحيانًا! وكيف لا ومفاعيل اقتراحاتِه تبقي العالم في حالة من الذهول. ومن الأمثلة ما قاله عن تحوّل أوكرانيا في يومٍ من الأيام لجزءٍ من روسيا… عبارة قصيرة أحدثت صدمات كبيرة لم يجرؤ أحد على الردّ عليها بوضوح!
ومع ذلك، لعلّ الملف الأكثر جدليّة وإثارةً للذهول يرتبط بغزّة. فبالنِّسبة لترامب، يتوجب على مِصر والأردن فتح الأبواب على مصراعيْها أمام الفلسطينيّين، بحجَّة أن إعادة إعمار القطاع ستتطلّبُ حوالي 15 عامًا، وأنَّ غزّة غير صالحة للسّكن. هكذا ببساطةٍ، فجَّر ترامب الصّاروخ! الدولُ العربيةُ احتجَّت بخجلٍ، فما كان من ترامب إلا أن ردّ بدعوة المعترضين لتقديم خططِهم البديلة ذات المصداقيّة.
اقتراح ترامب لم يوفِّر السّعودية حتّى، مع التلميح إلى مساحتها الشاسعة وقدرتها على استيعاب اللاجئين… أمّا لبنان، فلا يزال بعيدًا عن قائمة البلدان المضيفة. ولذلك ربّما هي ساعة نصيحة صغيرة: فلنطبّق قرارات الأمم المتحدة بحذافيرها، ولنضع حدًّا للخطابات العبثية حول الانتصارات الوهمية، ولننتهج موقفًا حذرًا. هذا ليس موقفًا مشرِّفًا… ربما، لكنه ينمُّ عن “الواقعية السياسية”. ففي بلد ضعيف كلبنان، لا فائدة من فتح العيون على نقاط ضعفنا المتعددة.
وبالعودة إلى غزّة، تضمّنت الخطة الأميركية تحويلها من معقل لحماس إلى “ريفييرا” خاضعة للسيطرة الأميركية. هنا، لا شكّ أنّ ترامب مفاوض شرس ورجل أعمال، وربّما ينطوي اقتراحه على رفع سقف المطالب للوصول إلى تسوية مثالية من وجهة نظرِه. ولكن، في الجانب الآخر، من يدري؟ ربّما ذلك هو مخططه الحقيقي.
سيتعيّن علينا بعد ذلك مناقشة مستقبل الفلسطينيين في الضفة الغربية. وذلك خصوصًا أنَّ ضمَّها إلى إسرائيل لم يعد “محظورا”، بل تحوَّل تدريجيًا إلى واقع لا مفرَّ منه. وليس لدى السلطة الفلسطينية أي شيء تقريبًا لتتمسّك به، وحماس تبذل قصارى جهدها لإشعال النار فيها.
وعلى أي حال، يبدو أنّ “حلّ الدولتَيْن” الشهير يزداد استحالة. ولا نرى أين يمكن للدولة الفلسطينية أن تمارس سيادتها الجغرافية على الأرض.
لكن ماذا عن التمويل؟ إذا أراد ترامب تحويل أفكاره إلى واقع، سيحتاج لعشرات وعشرات المليارات من الدولارات. كما أنّ إعادة إعمار غزّة تعني تمويل “مغادرة طوعيّة” ضخمة ومحفِّزة للفلسطينيين. وفي هذا السِّياق، يؤكد الأميركيون أن 66% من السكّان هم بالفعل لاجئون في القطاع وليسوا من هناك. وعلى أي حال سيتطلب الأمر أموالًا طائلةً أيضًا لدفع الدول العربيّة في نهاية المطاف للترحيب بجزءٍ من اللاجئين، وإنْ تحت التهديد أو الضغط.
ولكن أين لبنان من كل ذلك؟ أليْس هو أيضًا بحاجة إلى مليارات الدولارات لإعادة الإعمار بعد كل تلك المغامرات الفارسيّة. لكن، من سيؤمِّن كل تلك المليارات وما هو المقابل؟ أهو كرمى لعيوننا الجميلة؟ مستحيل، حتى ولو عُرِفَ اللبنانيون بجمال عيونهم. كلَ ذلك لن يكفي على الأرجح. هناك ثمن سياسي وهناك شروط، أوّلها نزع سلاح حزب الله بشكل كامل. ومن ثم، مستقبل 174,000 لاجئ فلسطيني في لبنان، في ملف حساس كان عام 1975، أحد أسباب اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. وهناك عودة اللاجئين إلى فلسطين، فكرة تبدو غير واقعية في ظل الظروف الحالية. فماذا عن إعادة توطينهم في دول أخرى؟ ربما تفكر بعض الدول مثل الولايات المتحدة أو كندا في استقبال جزء منهم؟ وماذا عن لبنان؟ هل يطرح توطينهم مقابل “حوافز مالية”؟
في ظلّ كل ما يحصل، يصعب التنبّؤ بالمستقبل… لا شيء مؤكّدًا فعلًا. لا شيء ربما عدا ضبابية الوضع التي تذكِّرنا بالكاتب هنري كيسنجر. وكم صدق كيسنجر حين اختزَل الوضع في الشرق الأوسط بكلمة واحدة: “معقّد”، وحين طُلب منه التوضيح، أضاف: “الوضع معقَّد جدًّا”.