ليس كل ما يلمع ذهبًا!

ترجمة هنا لبنان 24 شباط, 2025

ترجمة “هنا لبنان”

كتب Michel Touma لـ”Ici Beyrouth“:

إفراط في التعبئة الشعبية واستثمار في الجماهير… على الساحة اللبنانية. والهدف لا لبس فيه: محاولة تعويض الخسائر الاستراتيجية الهائلة التي تكبّدها الحرس الثوري الإيراني وحزب الله (رأس حربته) في الأشهر القليلة المنصرمة. عظيم! تلك هي السِّمة الأبرز لسلوك الحزب على ما يبدو في المرحلة المقبلة، وفي الأصل، لقد نفدت الخيارات الأخرى من قيادييه وصنّاع قراره. وقد قالها المسؤول الأمني الأبرز في الحزب وفيق صفا، بوضوح مؤخّرًا في مقابلة تلفزيونية: “من الآن فصاعدًا، سنركِّز على الساحة الداخلية” (اللبنانية)، مضيفًا أن “شعلة الإقليم لم تنطفئ بعد”.

وفي ظلّ التطورات الحالية، يجد حزب الله نفسه بمواجهة الحقيقة المُرّة التي يسعى جاهدًا لإنكارها… حقيقة تتكشّف كلّ يوم أكثر فأكثر على أرض الواقع مهما حاول قمعها: لقد مُنِي الحزب بهزيمة عسكرية مؤلمة أمام الجيش الإسرائيلي، قياداته العليا استهدفت بشكل مباشر وبنيته التحتيّة دُمّرت على نطاق واسع. القرى والمناطق الخاضعة لنفوذه سُوّيت بالأرض، ومصادر تمويله باتت مهدّدة ومحدودة. قاعدته الشعبية التي فقدت مساكنها ومصادر رزقها، تشرّدت وبدأت التساؤل (أحيانًا بشكل علني) حول جدوى الحرب التي خاضها الحزب بناء على طلب الجمهورية الإسلامية في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

أما على المستوى الإقليمي، وتحديدًا في ما يتعلق بمرشدي الحزب، فحدِّث ولا حرج! فقدت إيران نطاقها الاستراتيجي الحيوي في سوريا بعد انهيار نفوذ نظام الأسد. وبالنتيجة، انهار “الهلال الشيعي” الذي كانت تسعى لترسيخه بجهد، وانقطع التواصل بين طهران والضاحية الجنوبية. كما تعطّل دور وكلائها الإقليميين في العراق واليمن بشكل كبير. عدا عن ذلك، ترزح طهران تحت وطأة العقوبات والضغوطات المتزايدة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مما يعمّق أزمتها الاجتماعية والاقتصادية الداخلية. كما أنّ علاقتها بروسيا باتت في مهبّ الريح، بسبب التقارب المحتمل بين الرئيس فلاديمير بوتين والإدارة الأميركية الجديدة.

وسْط هذا الانهيار العام، يعجز الحزب عن مواجهة إسرائيل، على الرَّغم من تواجد الجيش الإسرائيلي المستمرّ في مواقع استراتيجية في جنوب لبنان ومواصلته الغارات الجوية، وآخرها التي سُجِّلت خلال جنازة الأحد في مدينة كميل شمعون الرياضية. ما عاد للحزب سوى ورقة يتيمة ليلعبها: تعبئة الجماهير والتلاعب بها، على أمل إحداث تحوّل إقليمي يعكس مسار التراجع.

ومن خلال استغلال هذه الورقة، يسعى الحزب للحفاظ على وهم السلطة، سياسيًّا وإعلاميًّا، لكن ليس كل ما يلمع ذهبًا! وجهوده لا تؤتي أُكُلها. بل إنّ تنظيم حملة بهذه الضخامة لحشد الحضور في الجنازة، وتوجيه “دعوات رسمية” للمشاركة (وهو أمر غير معهود في الجنازات!)، إضافة لاستدعاء عناصر من الحرس الثوري الإيراني ووكلاء إيران في العراق واليمن ودول أخرى… كلّها مؤشرات مزدوجة إلى ضعف حزب الله. وهذا ما يتجلّى على مستويين: أوّلًا، محاولة إعادة الشرعية المفقودة والتعويض معنويًّا وسياسيًّا عن الخسائر العسكرية عبر حشد صورة إعلامية ضخمة عن “التأييد الشعبي”. وثانيًا، الخوف من عدم تحقيق التعبئة المطلوبة، ويفضح ذلك حالة الإحباط في صفوف الطائفة الشيعية نفسِها وخيبة الأمل ليس على مستوى دائرة المؤيّدين غير المشروطين، بل في الصفوف الأوسع من أتباع الدِّين. وبالمقارنة على أي حال، لم تَحْتَجْ الحشود الضخمة التي خرجت بشكل “عفوي وتلقائي” في جنازتيْ رفيق الحريري أو بشير الجميل، على سبيل المثال لا الحصر، لـ”دعوات رسميّة”، بل نزلت لتعبّر عن “غضب شعبي عفوي وغير موجه”.

الرّئيس اللبناني جوزاف عون استقبل أعضاء الوفد الإيراني الرسمي الذي حضر إلى بيروت للمشاركة في الجنازة وتوجّه إليه بعبارات تحمل دلالات عميقة: “لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه (…) لقد دفعنا ثمنًا كبيرًا دفاعًا عن القضية الفلسطينية”… كلمات تعكس مشاعر شريحة واسعة من اللبنانيين، وربما حتى جزءًا كبيرًا من الطائفة الشيعية… وإنّ اللبيب من الإشارة يفهم…

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us