اليمن والضربات الأميركية: “جلد الميليشيا عم يرعاها”!

ترجمة هنا لبنان 18 آذار, 2025

كتب Michel Touma لـ”Ici Beyrouth”:

لا مفرّ في بعض الأحيان من مواجهة الواقع مهما بدا قاسيًا… والحقيقة أنه في هذه المنطقة من العالم، أي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج، تعاني بعض الفصائل السياسية – الاجتماعية التي تتمسّك بنهجها الفكري الخاص، من حالة إنكار راسخة. وتعكس باختصار سياسة “دفن الرأس في الرمال” في أبهى تجلّياتها. ويبرز هذا النهج بوضوح في التوتّرات المتكرّرة التي تميّز السلوك “المعرقل” لما يُعرف بالمعسكر الإيراني.

وفي هذا السياق، تشكل التطورات المأساوية التي لا تزال تنهش “الشرق الأوسط الكبير” من الداخل (بما في ذلك اليمن، من دون أي مبالغة في التقدير) نموذجًا صارخًا. فقد شهدت الساعات الـ48 الماضية ضربات جوية أميركية مدمّرة استهدفت المراكز الحوثية الحيوية، ومستودعات الذخيرة ومراكز القيادة والبنية التحتية الاقتصادية والتحصينات العسكرية في اليمن، في استعراضٍ مذهلٍ لقوة واشنطن النارية.

وفي الأصل، سبق لقادة الميليشيا اليمنية الموالية لإيران، أن اختبروا أكثر من مرة في الأشهر المنصرمة، تأثير التّكنولوجيا العسكرية المتقدمة التي توظّفها القاذفات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية. ومع ذلك، وعلى الرَّغم من استعراض القوة الغربية الساحقة، لم تتوقف الهجمات على ناقلات النفط والسفن التجارية في البحر الأحمر… بل ترافقت هذه العمليات مع تهديدات وتصريحات تصعيدية، لم تتأثر حتى الآن بتداعيات التحوّلات الجيوستراتيجية الكبرى، بما في ذلك الهزيمة المدوّية التي لحقت بحزب الله أمام إسرائيل والانهيار الكاسح لنظام بشار الأسد في سوريا.

وعلى بُعد أيام قليلة من الغارات المكثفة التي أمر بها الرئيس دونالد ترامب هذا الأسبوع ضدّ ما لا يقل عن ست مناطق في اليمن، أعلنت قيادة الحوثيين، من دون أن يرفّ لها جفن، استئناف الهجمات الصاروخية ضدّ حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر. إعلانٌ يذكّر بالمثل الشعبي اللبناني: “جلده عم يرعاه” بمعنى أنه يبحث عن المتاعب ويتعطّش للتعرّض للإذلال. وهذا ما حدث سريعًا مع تنفيذ القاذفات الأميركية ضرباتها من دون أي تردد على الإطلاق…

إنّ الانفصال عن الواقع في منطقتنا ليس سمةً خاصةً بالحوثيين فحسب، بل ينسحب على جميع الوكلاء الموالين لإيران، وعلى رأسهم حزب الله. فقد قدم الحزب اللبناني الخاضع بشكل أعمى لنظام الملالي في طهران، في أكثر من مناسبة مثالًا ساطعًا على كيفية تحويل الهزيمة المرّة إلى “نصر إلهي”، والرفض القاطع لرؤية الواقع والعجز عن الاعتراف بنقاط الضعف أو الهزائم أو حتى الخلل الهيكلي أو الانهيار العسكري المترتب عليه.

وعلى شاكلة “الولد سر أبيه”… تستمدّ هذه الاستراتيجية غير العقلانية والإنكار التام، جذورها من “الأب”، الراعي الجيوستراتيجي الذي يرسم في الواقع، السلوك السياسي والعسكري لأتباعه في المنطقة. رأس الأفعى، موجود لدى الحرس الثوري الإيراني وقادة الثورة الإسلامية الإيرانيين، أو على الأقل لدى جزء منهم. وقد أكد العديد من المسؤولين الأميركيين في أعقاب الهجمات الأخيرة على الحوثيين، بشكل صريح، أن الغارات نهاية الأسبوع الماضي بمثابة تحذير واضح إلى إيران، وأن الجمهورية الإسلامية يجب أن توقف مساعداتها للميليشيا اليمنية “فورًا”. لكن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، ردّ ساخرًا بأن “الحكومة الأميركية ليس لديها سلطة ولا حق في إملاء سياسة إيران الخارجية!”

رئيس الدبلوماسية الإيرانية لم يوضح بالطبع “السلطة” المحدّدة التي يستند إليها نظامه ليفرض على الوكلاء الإيرانيين، وبشكل خاص (في حالتنا) على حزب الله، الخطط التي تتماشى مع المصالح الجيوستراتيجية التي يحدّدها المرشد الأعلى الإيراني…

وإذا أمعنّا في التدقيق في هذه المواقف التي تعكس الإنكار التام والتعنّت في رفض مواجهة الحقائق، يمكن فهم أن هذا العمى السياسي لا يرتبط فقط بعامل نفسي أو برغبة بسيطة برفع سقف المفاوضات مع الخصم في المستقبل. وعلى العكس تمامًا، يعكس ذلك، على مستوى التيار الأكثر تطرّفًا (والأكثر نشاطًا)، سلوكًا إيديولوجيًّا عميقًا، تفاقمه قناعات ثيوقراطية من زمن مختلف تمامًا. ويدفع مثل هذا السلوك الإيديولوجي الفرد إلى الانغلاق في قوقعة التفكير الظلامي، ويقتنع بالنتيجة أنّ بإمكانه لا بل وعليه، أن يخوض حربًا مستمرة ضد العالم الغربي وقيمه العالمية بتكليف إلهي.

ولا يمكن كسْر هذا القيد الإيديولوجي أو القضاء عليه بالتساهل أو “الحوار” أو التسويات أو حتّى أنصاف الحلول، بل من خلال مواقف حازمة وحاسمة. وقد صرح الرئيس جوزاف عون مؤخّرًا أمام وفد إيراني رسمي بالقول إن “لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه”. ولعلّها طريقة مهذبة ودبلوماسية لإفهام من يتصرفون كأطفال بلا وعي أو إدراك أنّ “الوقت قد حان لوضع حدّ للمغامرة العبثية بالحروب… فأمامنا مهام أكثر أهمية وفائدة بكثير!”

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us