بعثات حفظ السلام: مكانك راوح… إلى متى؟

ترجمة هنا لبنان 27 آذار, 2025

كتب Mario Chartouni لـ”Ici Beyrouth”:

من شوارع مدينة بانغي المغبرة وصولًا إلى جبال لبنان، يخاطر أكثر من 70 ألف جندي من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة اليوم بحياتهم للحفاظ على سلام هشّ في الغالب. هذه البعثات، التي تضم جنودًا من 125 دولة، تعكس الجانب الأكثر خطورةً في عمل الأمم المتحدة. لكن ماذا نعرف حقًا عنها، وهي الساعية منذ أكثر من 70 عامًا لتحويل اتفاقات الهدنة الهشّة إلى سلام دائم؟

أصل الحكاية
تضطلع بعثات حفظ السلام الأممية بعددٍ من المهام الأساسية، أبرزها مراقبة تنفيذ اتفاقات وقف إطلاق النار ومنع استئناف الأعمال العدائية، بالإضافة إلى إنشاء مناطق عازلة بين الأطراف المتحاربة. وعلى قائمة أولوياتها القصوى، حماية المدنيين المهدّدين.
تسهم هذه البعثات في تيسير العمليات السياسية والمصالحة الوطنية، إلى جانب دعم برامج نزع السلاح وتسريح المقاتلين وإعادة إدماجهم في الحياة المدنية.
وتستند مهام البعثة إلى ثلاثة مبادئ أساسية: موافقة الأطراف المعنية وحيادية قوات حفظ السلام (من دون أن يعني ذلك السلبية أو الحياد التام)، وحصر استخدام القوة بحالات الدفاع عن النفس.
أما أول بعثة من هذا النوع فكانت “هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة” (أونست)، التي أُنشئت عام 1948 لمراقبة اتفاقيات الهدنة بين إسرائيل والدول العربية المجاورة. وهي لا تزال قائمة حتى اليوم، مما يعكس الطابع المستدام وطويل الأمد لمثل هذه العمليات.

الدول المشاركة
تُبنى عمليات حفظ السلام على مساهمات من مجموعة واسعة من الدول. وعلى صعيد القوات، تقدم البلدان النامية النسبة الأكبر من جنود حفظ السلام، حيث تحلّ بنغلاديش وإثيوبيا ورواندا والهند ونيبال وباكستان وإندونيسيا وغانا في مقدمة المساهمين.
أما من ناحية التمويل، فيقع الجزء الأكبر منه على عاتق الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا.
وفي بعض الأحيان، يثير هذا التوزيع غير المتكافئ بين من يتولى الدفع ومن يتكفل بإرسال القوات توترات داخل النظام الأممي. وحاليًا، تنتشر بعثات الأمم المتحدة في أكثر من 120 دولة، مما يجعلها واحدة من أكثر القوات تنوعًا على المستوى الدولي.

الموارد والميزانية
ميزانية عمليات حفظ السلام منفصلة عن ميزانية الأمم المتحدة العامة، ويتم إقرارها سنويًا لجميع البعثات. وهي تبلغ حوالي 5.6 مليارات دولار للسنة المالية 2024-2025، أي أقل من 0.5% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي.
وفي الوقت الحالي، تموّل هذه الميزانية 12 بعثة نشطة، تشمل نحو 75.000 فرد من العسكريين والشرطة، إلى جانب 13.000 موظف مدني. ويُقدّر متوسط تكلفة الجندي الأممي بحوالي ثُمن تكلفة الجندي الذي تنشره الولايات المتحدة أو الدول الغربية الأخرى، ممّا يجعل عمليات الأمم المتحدة خيارًا أكثر اقتصادية.
ومنذ منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، لوحظت مرحلة من الثبات ثم التراجع في عدد الأفراد المنتشرين، وذلك بعد توسّع ملحوظ في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية. وتعكس هذه الظاهرة جزئيًا التحوّلات في الأولويات الاستراتيجية الغربية، مثل التدخل في أفغانستان.

الفعالية حسب التحليل الأكاديمي
شكلت فعالية بعثات حفظ السلام محور دراسات أكاديمية عدّة. وأظهرت بحوث أستاذة السياسة الخارجية والأمنية الأميركية بجامعة كولومبيا، فيرجينيا بيغ فورتنا، أن وجود قوات حفظ السلام يقلل خطر تجدّد النزاعات بنسبة تتراوح ما بين 55% و84%. وأكدت الباحثة في دراسة نشرت في مجلة International Studies Quarterly عام 2004، أن هذه الفعالية تبقى ثابتة حتى بعد أخذ عوامل أخرى بالحسبان، مثل شدّة النزاع السابق ونتائجه واتفاقيات السلام.
وبدورها، بينت بحوث ليزا هولتمن وجاكوب كاثمان وميغان شانون، المنشورة في American Political Science Review عام 2013، الرابط بين نشر كل 1.000 جندي إضافي من قوات حفظ السلام وانخفاض عدد الضحايا المدنيين بنسبة 7.3%، لا سيما في سياق المهام التي تتضمن تفويضًا واضحًا لحماية المدنيين.
كما سطّرت دراسات هان دورسن وثيودورا إزميني غيزيلس (جامعة إسكس) مساهمة بعثات حفظ السلام في تقليص احتمالات انتشار النزاعات عبر الحدود وصولًا إلى الدول المجاورة، مما يخلق “جزرًا من السلام” في المناطق المضطربة.
وعلى الرغم من كل الإنجازات التي تدعمها البحوث الأكاديمية، يبقى وجود الميليشيات غير النظامية عائقًا أمام تنفيذ مهام البعثات، إذ تواجه الأمم المتحدة تحديًا مستمرًا في فرض منطق القانون والالتزام بالمعايير الدولية خصوصًا بمواجهة جهات تتجاهلها تمامًا.
وفي نهاية المطاف، يصعب فرض قواعد اللعبة الديبلوماسية على من يرفض أساسًا الاعتراف بها… وعلى أي حال، لا يعدو أي تشابه مع الواقع الحالي كونه أكثر من محض صدفة!.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us