ضرائب ترامب: إعصار عالمي ولبنان في عين العاصفة

كتبت Christiane Tager لـ”Ici Beyrouth”:
كيف ستترجم تداعيات التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب حول الرسوم الجمركية؟ الإعلان نفسه حول الرسوم التي تطال منتجات مستوردة من 185 دولة وإقليماً حول العالم، وضمناً 18 دولة عربية أثار موجات صدمة كبيرة وطرح الكثير من التساؤلات حول التداعيات المحتملة، فما هي الآثار على اقتصاد لبنان وموقعه في السوق العالمية؟
إعصار عالمي
إعلان ترامب يُنذر بادئ ذي بدء بتأثيرات عميقة على الاقتصاد العالمي، لا سيما في المنطقة العربية. ومن ضمن الدول المتأثرة، سوريا والعراق وليبيا والجزائر وتونس، حيث تصل نسبة الضرائب التي تطال سوريا إلى 41%. كما أُدرج لبنان ضمن قائمة البلدان الخاضعة لضريبة موحدة بنسبة 10%، وتدخل حيّز التنفيذ اعتباراً من 5 نيسان، على أن تبدأ الرسوم المتبادلة في التاسع من الشهر نفسه.
وتهدف هذه الضرائب حسب إعلان ترامب لتقليص العجز التجاري الأميركي من خلال جعل المنتجات الأجنبية أعلى تكلفة، وبالتالي تحفيز المنتجين المحليين على استعادة حصصهم في السوق. وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية قد تبدو منطقية بالنسبة للاقتصاد الأميركي، إلا أنها قد تنعكس بشكل ضار على البلدان التي تعتمد على التصدير كرافعة للنمو.
وفي خطابه من البيت الأبيض، ربط ترامب هذه السياسة بـ”تصحيح الاختلالات في التجارة العالمية واستعادة عظمة الولايات المتحدة”، مضيفاً أنّ الضرائب ستُسهم في إعادة تحفيز الصناعة المحلية وخلق المزيد من الوظائف، ما يؤدي إلى خفض الأسعار للمستهلكين وتنشيط الاقتصاد الداخلي.
لبنان في عين العاصفة
وعلى الرغم من أن حجم الصادرات اللبنانية إلى الولايات المتحدة متواضع نسبياً، قد تتأثر هذه الصادرات بشكل مباشر بتطبيق الرسوم الجديدة. فلبنان يصدر إلى السوق الأميركية منتجات كزيت الزيتون والطحينة والبيرة، والنبيذ، وعدد من السلع الزراعية الأخرى، والتي قد تواجه صعوبة في الحفاظ على قدرتها التنافسية في ظل ارتفاع التكلفة.
وفي هذا السياق، شرح المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر في حديث لـ Ici Beyrouth أنّ حجم التبادل التجاري بين لبنان والولايات المتحدة بلغ في عام 2024 نحو 570 مليون دولار من الصادرات، مقابل 153 مليون دولار من الواردات، مقارنة بـ121 مليون و705 ملايين على التوالي في العام 2023.
وأشار أبو حيدر إلى أنّ الأسمدة واللآلئ الطبيعية تمثل أبرز صادرات لبنان إلى الولايات المتحدة، فيما تتركز الواردات على السيارات والأدوية.
من جانبه، توقع د. نسيب غبريل، كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك “بيبلوس”، أن تترك هذه الضرائب تداعيات مزدوجة على لبنان. فمن ناحية، قد يؤدي تباطؤ النمو العالمي الناتج عن ارتفاع الرسوم إلى انخفاض الطلب على النفط وانخفاض أسعاره، وهو ما يُعد إيجابياً للبنان الذي يستورد كامل حاجته من النفط، بتكلفة بلغت 4.4 مليار دولار عام 2024. ومن شأن هذا الانخفاض أن يُخفف من عبء فاتورة الاستيراد العامة المقدرة بنحو 17 مليار دولار.
وأدى ارتفاع الرسوم وتراجع البورصات العالمية في المقابل إلى صعود أسعار الذهب، مما عزز من قيمة احتياطي الذهب لدى مصرف لبنان. غير أن الصادرات اللبنانية إلى الولايات المتحدة قد تتضرر جراء ارتفاع تكاليف الدخول إلى السوق الأميركية. يضاف إلى ذلك تراجع قيمة الدولار مقابل اليورو، مما قد يجعل الواردات الأوروبية أكثر تكلفة، ما لم يتمكن لبنان من تعويض هذا الفرق عبر تعزيز التبادل مع السوق الأميركية. وهذه المهمة ليست بالسهلة، كما يؤكد غبريل.
أما رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، فيرى أن التأثير المباشر على لبنان سيكون محدوداً بحكم أنه ليس شريكاً تجارياً رئيسياً للولايات المتحدة. لكنه أشار إلى تأثر بعض الصادرات، وإن لم تُستبعد كلياً، مؤكداً أن الوقت لا يزال مبكراً لتقييم التداعيات على نطاق عالمي، خصوصاً مع احتمال أن تؤدي زيادة العرض وتراجع الطلب إلى انخفاض عام في الأسعار.
وعلى الرغم من أن لبنان لا يُعد من كبار الدول المصدرة عالمياً، تبقى السوق الأميركية أساسية بالنسبة للعديد من منتجاته بفضل جودتها العالية، ودعم الجاليات اللبنانية التي تسهم في استمرار الطلب.
ومع ذلك، من شأن فرض ضرائب جمركية جديدة أن يُبطئ هذه الديناميكية. فارتفاع التكاليف قد يُفقد المنتجات اللبنانية ميزتها التنافسية، ما يُهدد بتراجع حجم صادراتها إلى واحدة من أهم أسواقها، في وقت يعاني فيه لبنان أصلاً من صعوبات اقتصادية متفاقمة.
حرب تجارية عالمية
السياسة الجمركية الجديدة التي أعلن عنها ترامب لا تقتصر على لبنان أو على العالم العربي، بل تنسحب أيضاً على القوى الاقتصادية كبرى. وبدأ تطبيق ضريبة عامة بنسبة 10% على جميع الدول اعتباراً من السبت، تضاف إلى الرسوم السابقة، في حين ستُفرض ضرائب إضافية على 60 دولة تُعد من بين “أكبر المخالفين” حسب وصف الإدارة الأميركية.
ومن المقرر أن تدخل هذه الإجراءات حيّز التنفيذ في 9 نيسان، وتشمل الاتحاد الأوروبي والصين، حيث تُفرض على الأخيرة رسوم بنسبة 34% على صادراتها إلى الولايات المتحدة. أما صادرات الاتحاد الأوروبي فستخضع لضريبة بنسبة 20%، والهند 26%، اليابان 24%، وفيتنام 46%.
ولن تستثني هذه السياسة الحلفاء التقليديين لواشنطن حتى، حيث سترتفع الضرائب على المملكة المتحدة إلى 10%. وستُفرض نسب متفاوتة على دول أخرى، مثل جنوب أفريقيا (30%)، تركيا (32%)، أستراليا (24%)، أوكرانيا وآيسلندا (10%)، سويسرا (31%)، والنرويج (15%).
وفي المقابل، تجدر الإشارة إلى عدم إدراج دول مثل روسيا وكوريا الشمالية وبيلاروسيا وكوبا في هذه القائمة، نظراً لأنها تخضع بالفعل لعقوبات اقتصادية قاسية تعيق التبادل التجاري مع واشنطن. كما أعلن ترامب عن فرض رسوم بنسبة 25% على السيارات المُصنّعة خارج الولايات المتحدة، إلى جانب قيود تجارية أخرى ضد الدول التي تفرض حواجز على التجارة الأميركية.
وفي المحصلة، ستحمل السياسات الجمركية الجديدة لترامب تأثيراً عالمياً عميقاً، لن يقف عند القوى الاقتصادية الكبرى، بل سيطال دولاً صغيرة على غرار لبنان. وعلى الرغم من أن الصادرات اللبنانية إلى الولايات المتحدة ليست كبيرة، لا شك بأن الحواجز التجارية الجديدة قد تبطئ من وتيرة النمو الاقتصادي المثقل أصلاً بالمعاناة.