هل العجز التجاري بهذه الخطورة؟

ترجمة هنا لبنان 8 نيسان, 2025

ترجمة “هنا لبنان”

كتب Mario Chartouni لـ”Ici Beyrouth“:

على الرغم من أنّ السواد الأعظم من الاقتصاديين الجادين (سواء من الذين يميلون سياسياً لليمين أو اليسار)، يجمعون على أنّ التجارة الحرة والانفتاح الاقتصادي يعودان بالنفع على الدولة، باتت هذه الحقيقة اليوم محط تشكيك متزايد. إذ تحوّل العجز في الميزان التجاري إلى شماعة تُعلّق عليها الانتقادات الحادة وتُستغل في تبرير السياسات الاقتصادية غير الفعالة. وخلف هذا الجدل، يكمن في الأصل الخلط الجوهري بين الأسباب الحقيقية والنتائج الظاهرة.

قطعة من أحجية أكبر

قبل الإنغماس في شيطنة العجز التجاري أو الدفاع عنه، لا بد من فهم طبيعة الميزان التجاري وتعريفه بدقة. ويمكن تعريف الميزان التجاري بالفرق بين قيمة الصادرات والواردات من السلع. وعندما تستورد الدولة أكثر مما تُصدّر، فإنها تسجل عجزًا تجاريًا. ومع ذلك، لا يعكس هذا الرقم بالضرورة الصورة الكاملة للاقتصاد، بل هو مجرد قطعة من أحجية أكبر.

وعلى سبيل المثال، بلغ العجز التجاري الأميركي عام 2023 نحو 773 مليار دولار، أي ما يعادل 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي. أما في فرنسا، فقد بلغ العجز 100 مليار يورو، أو 3.6% من الناتج.

وفي الواقع، الميزان التجاري هو جزء مما يُعرف بـ”الحساب الجاري”، الذي يشمل تجارة الخدمات (مثل السياحة والخدمات المصرفية)، وعوائد الاستثمارات الخارجية (الأرباح والفوائد) والتحويلات المالية مثل الحوالات من المغتربين.

لكن حتى الحساب الجاري لا يكفي وحده لتقييم وضع الاقتصاد. فهو يشكل أحد جناحي “ميزان المدفوعات” (وهو وثيقة محاسبية تسجل كافة التبادلات الاقتصادية لبلد ما مع بقية العالم)، بينما الجناح الآخر (الذي يغيب في الغالب) عن النقاش العام، أي الحساب الرأسمالي والمالي، الذي يشمل تدفقات رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية، وعمليات شراء الأصول والقروض الدولية وسواها.

العجز التجاري يخفي الفائض الرأسمالي

يكمن مفتاح الفهم في أن أي عجز في الحساب الجاري (ومن ضمنه الميزان التجاري) يُقابله تلقائيًا فائض في الحساب الرأسمالي والمالي. وههنا علاقة محاسبية أساسية. أي أنه إذا استوردت الدولة أكثر مما تُصدّر، تغطي هذا الفرق عبر استقطاب استثمارات أجنبية أو من خلال تمويل خارجي، سواء عبر شراء الأجانب للسندات الحكومية أو ضخ الأموال في بنوكها أو استثمارها في أصول محلية.

ومن هذا المنطلق، لا يعني العجز التجاري بالضرورة تراجعًا أو ضعفًا اقتصاديًا، بل قد يُعبّر في كثير من الأحيان عن جاذبية الاقتصاد وثقة المستثمرين العالميين فيه. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، تسجل عجزًا تجاريًا مستمرًا منذ عقود، لكنها في الوقت ذاته من أكثر الاقتصادات العالمية استقطابًا لرؤوس الأموال.

خرافة العجز الثنائي

وهناك خطأ شائع آخر يتمثل في التركيز على العجز التجاري الثنائي، مثل العجز بين الولايات المتحدة والصين. إلا أن هذا النوع من التحليل يتجاهل طبيعة الاقتصاد العالمي الحالي الذي يقوم على سلاسل توريد متشابكة. فالإحصاءات التجارية تُحتسب بالقيمة الإجمالية للسلعة عند خروجها من البلد المصدر، دون النظر إلى أصل المكونات. فمثلًا، هاتف “آيفون” (IPhone) الذي يُركب في الصين يُسجل بكامل قيمته كصادرات صينية، رغم أن مكوناته تأتي من دول عديدة حول العالم.

وفي نهاية المطاف، العجز التجاري ليس مشكلة بحد ذاته، وبعيدا عن كونه مؤشراً محاسبياً بسيطاً، يمثل انعكاسا لتوازنات أعمق تشمل الاستهلاك المحلي والاستثمارات الأجنبية والانخراط في الاقتصاد العالمي.

الحل لا يكون في فرض القيود أو السياسات الحمائية، بل في تعزيز الانفتاح الاقتصادي وتبسيط النظام الضريبي وضمان الشفافية القانونية وتمكين الشركات من الاستفادة من مزاياها التنافسية النسبية. وقد أثبتت التجارب أن الاقتصادات المزدهرة هي تلك التي تحررت من القيود ودعمت المنافسة وشجعت على الابتكار والتنوع في الصادرات وضمان النمو الصحي والمستدام.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us