الدستور بريء من الحوار الوطني!

ترجمة هنا لبنان 9 نيسان, 2025

كتب Hussain Abdul-Hussain لـ”This is Beirut“:

في اللحظة التي أدّى فيها الرئيس جوزاف عون اليمين الدستورية أمام البرلمان، أقسم على صون واحترام دستور لبنان. ولو أن الرئيس ورئيس وزرائه نواف سلام أعلنا منذ البداية أنّ استعادة السيادة الوطنية رهنٌ باستعداد حزب الله لتسليم سلاحه، لما اضطرّا لتكبّد عناء القسَم حتّى. وفي الأصل، في السياقات المشابهة التي يحلّ فيها “الحوار الوطني” مكان الدستور، لا مفرّ من إخفاق الدولة وفشلها.

فأين الدستوريّة من أي ميليشيا لبنانية تبايع قائدًا أعلى في دولة أخرى دونما محاسبةٍ من قبل الشعب والدولة؟ وأين الدستوية في أي حوار يُعقد خارج المؤسّسات الحكومية المنتخبة من قبل الشعب؟

لم يُصمَّم لبنان لتستبيح إحدى طوائفه، وفي هذه الحالة الطائفة الشيعية المدجّجة بالأسلحة، السلطة وتُطبق على الإرادة الجماعية للطوائف اللبنانية الـ17 المتبقية؟
لو أنّ مؤسِّسي لبنان اعتزموا تشكيل دولة تجمع بين الممثلين المنتخبين والميليشيات الشعبوية، لحرصوا على تضمين هذا الشرط في الوثائق التأسيسيّة للجمهورية الثانية عام 1943 أو الجمهورية الثالثة عام 1990.

كما أنّ التشبث بالادعاءات حول قضية حزب الله السامية، سواء تحت مسمّى الدفاع عن لبنان أو السعي لتدمير إسرائيل، لا يبرّر وجود قوة شبه عسكرية غير دستورية.
ولإعادة الأمور إلى نصابها، يتوجّب على كلّ من عون وسلام وضع حزب الله أمام خيار وحيد: إمّا تسليم سلاحه على غرار كافة الميليشيات الأخرى بحلول عام 1991، وإما تلقّف غضب الجيش اللبناني.

ولكن حتّى الساعة، أخفق الرئيسان في الالتزام بالدستور. سلام يخفي تقاعسه بوعودٍ غامضة حول تنفيذ ما تبقّى من بنود اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية وأُدرج في الدستور. ويعدُ بإلغاء الطائفية ومكافحة الفساد، متجاهلًا المطالب الجوهرية: نزع سلاح آخر الميليشيات المتبقية على الساحة اللبنانية.

ومن ثمّ، هناك الجيش اللبناني الذي أبصر النور تحديدًا من أجل تطبيق القانون. ومنح الدستور الدولة نظامًا انتخابيًا وبرلمانًا لمناقشة وحلّ كافة النّزاعات العالقة. كما أنّ لبنان يملك، من الناحية النظرية، المجلس الدستوري الذي يتولّى التحقّق من عدم مخالفة أي تشريع أو مرسوم للدستور.

على الورق، يلمعُ لبنان كدولة مؤسسات وقانون. ولكنّه يبقى على الأرض رهينة التوافقات القبليّة. “الأوليغارشيون” وحزب الله يتجاهلون الدستور، مما يهمّش الرئاسة والبرلمان والحكومة. والقرارات تُفرض من خارج الدولة، مما يزيد هذه الأخيرة ضعفًا وينتقص من فعاليتها.

وعلى الرَّغم من أنّ عون وسلام يدّعيان التمسّك بسيادة القانون، يبدو أنّهما قاما باستثناء واحد بارز: حزب الله. فالميليشيا تمتلك حرية تسليم سلاحها من عدمِه. وإذا اختارت الحرب، سواء ضدّ إسرائيل أو ضدّ الداخل، فلن يتمكن عون ولا سلام ولا حتّى الجيش اللبناني من ردعها.

وعلى الرَّغم من افتراض أنّ الجيش اللبناني أقوى من حزب الله، تعتمد وحدة صفِّه على توازن طائفي هشّ يشمل تأثير حزب الله نفسِه. في حال نشوب صراع بين الدولة والميليشيا، قد يتمزّق الجيش وينقسم وتتحالف وحداته مع القادة الطائفيين بدلًا من الدفاع عن الدستور.

هذه الافتراضات حول الانهيار المحتوم للدولة اللبنانية وجيشها عند أوّل اختبار غير مبرّرة. ولكن إنْ لم يتحرّك أحد، ستكرَّس الفوضى التي لا يمكن لأي تغيير في القيادة إصلاحها.
ومن أجل تخطّي لبنان الحرب الأهلية بحقّ، عليه نزع سلاح آخر الميليشيات. ولأنّ السلطة نادرًا ما تُسلّم طواعية، يجب على الدولة، بقيادة عون وسلام، حشد الشعب خلف الجمهورية والجيش، لا توسّل حزب الله تسليم سلاحه.

حزب الله غير دستوري. والحال سيّان بالنسبة لأي “حوار وطني” يُعقد خارج البرلمان أو الحكومة. وأي استراتيجية دفاعية تسلّح الميليشيا غير دستوريةٍ أيضًا.
إذا كان عون وسلام ملتزميْن حقًا بالدّستور، عليهما وضع حدٍّ للكلام عن الحوار وتوجيه إنذار نهائي: على حزب الله تسليم سلاحه كما فعلت جميع الميليشيات قبله، وإلّا مواجهة غضب الشعب اللبناني وقواته المسلحة.

أمّا إن لم يتمكّن لبنان من استجماع الإرادة لمواجهة حزب الله، وافتقرت قواته المسلحة إلى العزيمة للتحرك، فهذا لا يعني فقط أنّ الدولة والجيش غير جديريْن بالسيادة، بل وأكثر من ذلك… يستحقّان كل تلك المعاناة التي تسبّب بها سلاح حزب الله وحروبه العبثية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us