إيران والمعضلات العالقة

ترجمة هنا لبنان 22 نيسان, 2025

كتب Charles Chartouni لـ”This Is Beirut”:

تعصف الحيرة بالمراقبين السياسيين وهم يشقوْن لتفسير المواقف الإيرانية المتقلّبة، وذلك بسبب جوانب ثلاثة يكتنفها الكثير من الغموض: أوّلها، الانقسامات الصارخة داخل الدوائر الحاكمة في طهران، حيث يسعى المعتدلون للانخراط في مسار التفاوض، بينما يواظب المتشدّدون على المراوغة. وثانيها، جوهر المفاوضات نفسِها وتأثيرها المحتمل في فرص السلام في المنطقة. وثالثها، العلاقة بين الانفتاح والتطبيع الخارجي والتحرّر الداخلي. ولا يبدو حتّى الساعة أنّ النظام الإيراني يمتلك أدنى إرادة أو نيّة لتوضيح الصورة.

ولعلّ تفاقم الأزمات الاقتصادية وانهيار العقد الاجتماعي وعجز النظام عن استعادة ثقة المجتمع المدني الغريب أصلًا عن السلطة هي الدوافع الأساسيّة وراء استئناف المفاوضات. وفي الأصل، لم يتبقَّ لدى النظام من أدوات في الداخل سوى انتهاج سياسة القمع الوحشي، وفي الخارج سوى سياسات التخريب وزعزعة الاستقرار. وللمفارقة، بلغ الإرهاب المنهجي الذي تمارسه الدولة ذروته، مع تسارع الانتكاسات في صميم مشاريع “المنصّات العملياتيّة المُتكاملة” في الشرق الأوسط وتآكل النظام الذاتي.

وها هو النظام الإيراني يصل إلى طاولة المفاوضات حاملًا ورقة يتيمة: قدرته المتناقصة على إثارة الفتن الطائفية وإشعال الصراعات السنّية – الشيعيّة وتعطيل الاستقرار وزعزعة السلم الاهلي، عدا عن الكوارث البيئية الجسيمة التي يتسبّب بها. لذلك، يفضّل التمسّك حصرًا ببند تخصيب اليورانيوم ويعود لاستراتيجيته المُستهلَكة التي أثبتت محدودية فاعليّتها في تحقيق السلام المنشود.

وفي الجانب الآخر، تصرّ واشنطن على مقاربةٍ شاملةٍ لعملية التفاوض من دون إغفال أهمية التدرّج المرحلي في التنفيذ. أمّا التطورات السياسية والاستراتيجية الجديدة في إسرائيل فقد رسمت حدًّا فاصلًا بين إيران وخصومها العرب، الذين يجدون في هذا التحوّل فرصةً ثمينةً لإعادة رسم قواعد اللعبة الإقليمية. وقد عقدت كلّ من الرياض وأنقرة بالإضافة إلى الجهاديين السنّة، العزم على تنفيذ أجنداتهم.

وهنا يُطرح السؤال التالي: هل تمتلك إيران وحدها صلاحيّة تحديد مسار المفاوضات؟ لا شك أنّ التناقضات والغموض المُحيط ببرنامجها النووي يُضعف موقفها ويملأ مسارها التفاوضي بالمخاطِر. أمّا الإدارة الأميركية فواضحة في أهدافها، وهوامش المناورة تضيق أكثر فأكثر أمام طهران، ولا يبدو أنّ المناورات ستُجدي نفعًا هذه المرة. كما أنّ إيران لن تنجح في تقويض الإطار المتكامل الذي تطرحه واشنطن مهما حاولت فرض مقاربات مُجتزأة. وكلّ ذلك يضع النظام الإيراني أمام خياريْن لا ثالث لهما: إمّا الانخراط التدريجي في مسار التطبيع والانفتاح، وإمّا التحضّر لجولة جديدة من الحرب.

اليوم لا مكان للمراوغة والتسويف… لا على مستوى تفكيك التسلّح النووي ولا على مستوى الانسحاب الاستراتيجي من ساحات النزاعات في الشرق الأوسط، ولا على مستوى الانفتاح التدريجي على الداخل. الخطاب الديبلوماسي الإيراني لا يكفّ عن تعميق الانقسام بين التيار الإصلاحي ورجال الدين المحافظين والحرس الثوري. ويبدو أنّ النظام فقد البوصلة وبات عاجزًا عن معالجة الفشل المتراكم على طرفيْ الطيْف السياسي.

وخير مثال على كل ذلك، وضع حزب الله حيث يمثّل هذا الأخير النموذج الأبرز لانهيار المخطط الاستراتيجي الإيراني في الشرق الأدنى ويجسّد انحدار قوّة طهران السياسية. ويعكس التفكيك المنهجي للحزب بالتوازي مع محاولات إنعاشه الفاشلة، درجة الإحباط واليأس الذي يعاني منه النظام الإيراني، وسعيه المحموم لاسترداد استثماراته المهدورة. كما يَشي السلوك المرتبك لفلول هذه المنظومة السياسيّة المهزومة بعجزِها عن الاعتراف بالواقع الجديد أو التأقلم مع التحدّيات القادمة والتي تتعارض بشكلٍ جذريّ مع سرديّات عكفت على تغذيتها بالأوهام لسنوات… وها هو الإمعان في رفض نزع السلاح والامتناع عن الالتزام بالمقرّرات الدولية والإصرار على منطق الحرب الأهلية، يهدّد التماسك الداخلي ويقوّض فرص السلام الإقليمي.

إنّ مثل هذا السلوك لا يحيد البتة عن النّموذج السّائد في طهران ويعكس العجز البنيوي عن التعامل مع المتغيّرات. فالنظم الشمولية غير قابلة للإصلاح التدريجي، بل تنهار عادةً تحت وطأة عوامل متداخلة. ولسوء الحظ، تكون المراحل الأخيرة من عمر هذه الأنظمة الأكثر خطورةً في العادة، حيث تلجأ في احتضارِها إلى أكثر ما تبرَع به: العنف والحروب الأهلية بعيدًا عن أي ضوابط قانونية أو إنسانية!.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us