النّووي الإيراني: عشرون عامًا من المناورات

كتب Michel Touma لـ”Ici Beyrouth”:
فصلٌ طويلٌ من سياسات المماطلة والمراوغة والتمويه تندرج في سياقه المواجهة بين الغرب والجمهورية الإسلامية الإيرانية حول الملف النووي… فصلٌ طويلٌ يعادل أكثر من ربع قرنٍ من الزمان، تضاعفت فيه المفاوضات والضغوط الدبلوماسية والقرارات الأمميّة والاتفاقيات الجزئية دونما خواتيم، وفي المقابل تضاعفت المؤامرات التي نسجها النظام. واليوم أيضًا، يواظب النظام على السياسة نفسها وتغيب أي مؤشرات جدية إلى نيّة طهران تغيير سلوكها حتّى مع استئناف المفاوضات مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وفي الواقع، يعود البرنامج النووي الإيراني فعليًا إلى خمسينيّات القرن الماضي أي إلى عهد الشّاه، وآنذاك شكّل موضوع تعاونٍ وثيقٍ مع الدول الغربية الرئيسية وعلى رأسها الولايات المتحدة. لكنّ هذا التعاون انهار مع قيام الجمهورية الإسلامية وتبنّيها نهجًا عدائيًا تجاه الغرب وتشبيهها واشنطن بـ”الشيطان الأكبر”.
وفي تسعينيّات القرن الماضي، حاولت طهران عبثًا العثور على شركاء غربيين يمتلكون التقنيات النووية لمساعدتها على إعادة تفعيل برنامجها، لكنّ مواقفها الإيديولوجية المتشدّدة حالت دون ذلك. وحسب مصادر موثوقةٍ، تمكنت إيران تاليًا من الحصول على دعمٍ تقنيّ من باكستان، القوة النووية الإسلامية.
وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحديدًا في آب/أغسطس 2002، فجّر معارض إيراني بارز مفاجأة بكشفه عن موقعيْن نووييْن سرييْن، أحدهما مخصّص لتخصيب اليورانيوم. هذه التسريبات أعادت الملف النووي للواجهة، فما كان من مجلس الأمن الدولي إلّا أن اعتمد القرار 1737 في 23 كانون الأول/ديسمبر 2006، وفرض بموجبه عقوبات على إيران لحملها على وقف تخصيب اليورانيوم.
ولكن على الرَّغم من القرار الأممي وتكثيف المفاوضات والعقوبات، واظبت طهران على سياساتها التعطيلية، واستمرّ ذلك حتى جاء الرئيس باراك أوباما بسياسةٍ غير مسبوقةٍ، تُوّجت بتوقيع الاتفاق النووي عام 2015. ولكن في المقابل، أعطى أوباما الملالي في طهران تفويضًا مطلقًا تقريبًا لتعزيز استراتيجيتهم التوسّعية في الشرق الأوسط، وفي الوقت عينِه، وُضعت قضية الصواريخ الباليستية على الهامش، على الرَّغم من تحذيرات وزير الخارجية الفرنسي آنذاك، لوران فابيوس، واصراره على إدراج هذا الجانب في الوثيقة الموقّعة بعد مفاوضات صعبة.
ومن ثمّ أعاد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق عام 2018 إشعال التوتّرات، وسرّعت طهران من وتيرة التخصيب لتصل اليوم إلى 60%، مقتربةً بشكلٍ خطيرٍ من النسبة المطلوبة لصناعة قنبلة نووية (90%).
ومع استئناف المفاوضات الثنائية بين طهران وواشنطن، يُطرح السؤال الجوهري: هل يدرك النظام الإيراني ضرورة وضع حدٍّ لسياساته التخريبية والمُراوغة التي يمارسها في المنطقة منذ عشرين عامًا؟
باختصار، هل يُبدي هذا النظام استعدادًا لإدراج ملف الصواريخ الباليستية ضمن أي اتفاق مستقبلي محتمل مع واشنطن؟ وهل هو مستعد لتقليص الدعم لوكلائه في المنطقة؟ التصريحات العلنية للمسؤولين الإيرانيين ترفض هذيْن الأمريْن بشكلٍ قاطعٍ، في ظلّ الانتقادات الحادة داخل الدوائر الرّاديكالية في طهران لأي تقارب مع الولايات المتحدة.
هذا التعنّت بدا جليًا قبيل الجولة الثانية من المحادثات في روما، حيث أطلقت قيادات حزب الله في بيروت وعلى رأسها الأمين العام للحزب نعيم قاسم، تصريحاتٍ ناريةً وتهديداتٍ مباشرةً ومناوراتٍ تهويليةً تقليديةً أعاد فيها التأكيد على رفض تسليم السلاح للدولة والتمسّك بما يُسمّى بدور “المقاومة”.
حتّى أن السفير الإيراني في بيروت، مجتبى أماني، لم يتوانَ عن وصف قرار نزع سلاح الحزب بـ “مؤامرة الدولة”. أمّا رئيس الجمهورية اللبنانية، جوزاف عون، فسارع في اليوم التالي للردّ من بكركي بوضوح مؤكّدًا على حصرية قرار السلاح بيد الدولة وعلى أن القرار قد اتُخذ وسيصار إلى تنفيذه.
وفي السّياق الحالي، يشير هذا التزامن بين المواقف المتشدّدة في بيروت والمفاوضات الجارية في روما، لتنسيقٍ مدروسٍ من طهران. فهل هي رسالة ضغط تُوجّهها إيران للولايات المتحدة لتذكيرها بقدرتها على التأثير الميداني وعلى إلحاق الأذى بلبنان؟ أم أنّ هذا التصعيد يعكس التدهور الداخلي في طهران والانزلاق نحو المزيد من التشدد؟ سيتعيّن علينا الانتظار… ومن يدري؟ ربما تأتي الإجابة من مسقط وربما يكشف النقاب قريبًا عن النوايا الحقيقيّة لملالي الجمهورية الإسلامية.
مواضيع ذات صلة :
![]() تصاعد التوتر حول الملف النووي الإيراني: تهديدات متبادلة ومحادثات مرتقبة في عُمان | ![]() “النووي الإيراني” يستفزّ دولاً أوروبية.. وتهديد! |