البرلمان: بصير بالإقتصاد… أعمى عن السلاح

كتب Marc Saikali لـ”Ici Beyrouth”:
إنه الفصام الدبلوماسي بكل تجلّياته! ما بين المرونة والتعنت… التناقض صارخ في سلوك النظام الإيراني. فها هو يغدق بكرم التعاون مع واشنطن في المفاوضات حول برنامجه النووي وصواريخه الباليستية وينتهج موقفًا يوحي للعالم بالاتزان وبالرغبة للتوصل إلى حلّ… ومن ثم، يرفع هو نفسه، على لسان سفيره في بيروت، النبرة مصرًّا على احتفاظ حزب الله بسلاحه، وضاربًا باتفاق الهدنة والقرارات الأممية والسيادة التي يدافع عنها رئيس الجمهورية، عرض الحائط.
أي ازدواجية وأي غطرسة! على مستوى الخطاب والسياسة في آن… إيران تفاوض القوى العظمى من جهة، وتواظب من جهة أخرى على دعم وتسليح وإدارة ميليشيا على الأرض اللبنانية. أما “حزب الله” فيرفض حتى الساعة الإعتراف بالهزيمة، ويصرّ على فرض هيمنته الأمنية في لبنان كفاعل سياسي وعسكري.
وفي المقابل، الحكومة تتخبّط في تناقضات داخلية، بعضها يصل إلى حدّ التواطؤ. وفي الوقت الذي يطالب فيه المجتمع الدولي بنزع سلاح حزب الله كشرط أساسي لأي دعم اقتصادي أو لإعادة إعمار، ينشغل البرلمان بقانون رفع السرية المصرفية بأثر رجعي، من دون التوقف عند انعكاساته على جاذبية لبنان الاستثمارية وما يترتب عليه من انتهاك لاستقرار النظام القانوني. وكأنّ البرلمان لا يوفّر جهدا لـ”تطفيش” ما تبقّى من المستثمرين، عوضًا عن بناء دولة بحقّ.
وفي خضم هذه النقاشات “الديموقراطية” ظاهريًا، لا يبدو أن أحدًا توقف عند استمرار أعمال “القرض الحسن” التابع لحزب الله. وذلك على الرغم من أن هذا الكيان يعمل بشكل غير قانوني ومن دون أي ترخيص أو شفافية أو رقابة… تمامًا خارج المنظومة المالية الرسمية. ويُجسّد الجوهر الاقتصادي لـ”الدولة ضمن الدولة” التي أصبح عليها حزب الله. وعلى هذا المنوال، لا تزال المؤسسات الرسمية تتجاهله وتغضّ الطرف عن خطورته البنيوية.
مع ذلك وعلى الرغم من قتامة الصورة، يلوح بصيص أمل في الأفق. فالرئيس اللبناني لا يزال يكثّف الدعوات للحوار بغضّ النظر عن الرياح المعاكسة ويطرح مبادرات للحوار الثنائي بشأن تسليم سلاح حزب الله. وتذكّر مواقفه الأخيرة بأن السيادة ليست خيارًا، بل ضرورةً حيويةً لضمان وحدة واستقرار البلاد.
وعلى الأرض، لا تزال المؤسسة العسكرية اللبنانية وهي أحد الأعمدة القليلة المتبقية للدولة، تعكس مثالًا يحتذى به. فعلى الرغم من الإمكانات المتواضعة، يبرهن الجيش اللبناني عن مهنية بلا مثيل من خلال حفظ الأمن الداخلي وتوقيف العابثين بالأمن من مطلقي الصواريخ ويواجه التوترات الحدودية ويحمي المدنيين ويملأ الفراغ حيث تتقاعس المؤسسات المدنية.
لكنّ هذه المبادرات مهما علا شأنها لن تكفي وحدها للنهضةبالوطن ما لم تعالج الأسباب الجذرية للشلل الوطني. فما الذي قد يتبقى من السيادة اللبنانية حين تُملي ميليشيا مسلّحة شروط الأمن، وتُدير مصرفًا خارج القانون وتفرض قوانينها الخاصة، بينما ينشغل النواب بمشاريع قوانين بعيدة كل البعد عن الأولويات الوطنية؟ يبدو أن الضعف لا يُشبع جزءًا كبير ا من الطبقة الحاكمة التي استحالت شريكًا في الانهيار… وهذا ينطبق بشكل خاص على المدفوعين بتمويلات خارجية تهدف لتدمير ما تبقى من النظام المصرفي وسرقة أموال المودعين بشكل فعلي.
لبنان لا ينقصه التجميل المصرفي ولا الإصلاحات الشكلية… لبنان بحاجة لانتفاضة سيادية وإلى إعادة فرض السيادة. وباكورة الحلول، البدء بتسمية الأمور بأسمائها دونما مواربة: لا مصداقية لأي إصلاح طالما أن حزب الله مسلح وطالما أن الكيانات المالية غير الشرعية تعمل من دون رقابة… لا بالنسبة للبنانيين، ولا للمستثمرين على حد سواء.
فهل تتعمّد الحكومة والبرلمان غضّ الطرف عن جوهر الأزمة، أي السلاح غير الشرعي؟
لعل رجل الدولة والطبيب الفرنسي جورج كليمنصو صدق حين قال إن اللجان تشكّل خصيصًا من أجل القضايا التي يراد دفنها…
مواضيع ذات صلة :
![]() جولات تفتيشية لمراقبي الإقتصاد | ![]() الحرب وتعثر الإقتصاد الإسرائيلي | ![]() جلسة مجلس الوزراء المقبلة مصيريّة لمزارعي القمح! |