من قتل رفيق الحريري ولماذا؟
نشر موقع “Nytimes” تقريراً عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان جاء فيه:
بعد 12 عاماً، وصرف 800 مليون دولار، قصّرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في الإجابة. وكانت هذه المحكمة قد تأسست في العام 2009 لمحاكمة المتورطين في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق، الشهيد رفيق الحريري، بانفجار سيارة مفخخة وسط بيروت عام 2005، غير أنّها فشلت في أداء هذه المهمّة.
وليس مفاجئاً في دولة يكافح فيها الفقراء لشراء الطعام، وتغيب عنها الكهرباء وينتشر فيها الفساد، أن تغلق هذه المحكمة أبوابها دون تقديم أي إجابات حول من أمر بالاغتيال ولماذا.
قصة المحكمة – طموحها وفشلها – تساعد في توضيح المأساة التي لا تزال تتكشَّف في هذا البلد المتوسِّطي الصَّغير. إذ طلب لبنان من المحكمة التعامل مع جريمة محدَّدة. وضمّت المحكمة قضاة وموظفين لبنانيين وكانت تستند إلى حد كبير إلى القانون اللبناني. وبما أنّ الحكومة اللبنانية لم تعتقل أياً من المتَّهمين، فقد استمرت المحاكمات الغيابية لجميع المتهمين.
وهزّ اغتيال الحريري، الكثيرَ من دول الشرق الأوسط. وحين فتحت المحكمة الدولية أبوابها في العام 2009 بتفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كانت قد وضعت أجندة طموحة، لتحقيق المساءلة في بلدٍ خرج من حرب أهليَّة عام 1990 استمرت 15 عامًا. وعانى كثيراً من الاغتيالات السياسية.
وعلى عكس المحاكم الدولية الأخرى التي تتعامل مع الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، تمّ الترحيب بهذه المحكمة باعتبارها أول محكمة تركِّز حصريًا على الإرهاب، وهو موضوع مثير للجدل في القانون الدولي. ومع ذلك ، وبعد أكثر من عقدٍ من الزمان، نفدت أموال الحكومة اللبنانية المخصَّصة للمحكمة وبدأ المانحون الدوليُّون في تقليص الأموال بشكل كبير.
وبات واضحاً أنّ محكمة لاهاي لن تقدم أولئك الذين دبَّروا الهجوم إلى العدالة. ما دفع المانحين لأن يسألوا عمّا أنجزته هذه المحكمة بالفعل، فبعد خمس سنوات من التحقيقات ومحاكمة استمرت لست سنوات – بتكلفة تقارب 800 مليون دولار – أدان القضاة في آب الماضي مواطنًا لبنانيًا واحدًا فقط، هو سليم عياش، وذلك لمشاركته في مؤامرة تنفيذ التفجير. بينما تمت تبرئة ثلاثة رجال آخرين. والمتهمون الأربعة هم أعضاء في تنظيم “حزب الله” المدعوم من سوريا وإيران. وجرت كل المحاكمات غيابياً ولم يتم اعتقال أيّ من المتهمين.
وتضمَّن الحكم المؤلف من 2600 صفحة سياقًا سياسيًا وافرًا ووصف التخطيط للجريمة على أنّه عمل لمجموعة كبيرة، فيما تجنَّب القضاة تسمية كبار المسؤولين، بحجة أنهم يفتقرون إلى الأدلة.
وقد انتقد المانحون الدوليون، بما في ذلك مؤيدو المحكمة، المبالغة بعدد الموظفين – بما في ذلك 11 قاضياً بدوام كامل وما يقرب من 400 موظف – مقابل إظهار نتائج ضئيلة. بالإضافة إلى أنّ عدم مثول أي مشتبه فيه شخصيًا على الإطلاق قوَّض مصداقية المحكمة. لذلك، مع بقاء عامين على تفويض المحكمة، كان المانحون يبحثون عن طريقة لإيقاف التحقيق بأقل قدر ممكن من الإحراج، غير أنّهم وجدوا طريقة فظَّة للقيام بذلك.
وبهذا الصدد يقول David Tolbert، المدير الإداري للمحكمة الخاصة بلبنان: “توقفت بعض الدول عن الدفع هذا العام، أو دفعت أقل مما كانت عليه في الماضي.. بينما يبدو أن الآخرين ينتظرون”. ووفقًا لسجلات المحكمة، اوقف العديد من المانحين الرئيسيين (بما في ذلك بريطانيا وكندا واليابان) المساهمات لعام 2021، مما ترك الموظفين في حيرة من أمرهم.
ويضيف Tolbert في مقابلة عبر الهاتف في أوائل آب: “لا أحد يخبرك أي شيء، يجب أن تغلق. بل لم يرد ممثلو الدول على الاستفسارات”.
وفي حزيران، وبسبب الخزائن شبه الفارغة، أُجبر القضاة على تعليق محاكمة جديدة قبل أيام فقط من موعد بدءها. مع أنّ مصير طَعنيْن لم يُبت فيهما لا زالا موضع شك. وبحلول نهاية تموز، فقد 150 من المحامين والمحقِّقين والموظَّفين وغيرهم وظائفهم، أي ما يعادل أكثر من نصف الموظَّفين.
وبدورها قالت المتحدثة باسم المحكمة، واجد رمضان:” اعتبارًا من 31 تموز، لن يكون هناك أي نشاط قضائي حتى إشعار آخر”.
وتقول Olga Kavran، التي كانت ترأس قسم التوعية بالمحكمة: “إنها مهزلة – يجب استكمال تفويض المحكمة.. قد تكون المزاعم حول سوء الإدارة صحيحة وكذلك الانتقادات. ولكن هل نقوم بالإغلاق، أم بالإصلاح؟ “.
وعلى صعيد آخر. كان حزب الله، وهو جزء من الحكومة اللبنانية، قد شنَّ حملة ضد المحكمة وسدَّ سبل التحقيق وهدَّد بمطاردة أي شخص متعاون. فلم يُسمح للمدَّعين العامين استخدام المعلومات الاستخباراتيَّة التي قدَّمتها لهم بعض الحكومات الغربية. بالاضافة لأدلَّة أخرى لا تفي بالمعايير المطلوبة في المحكمة.. وإنكار بعض الشهود أو الانسحاب خوفاً من القصاص..وفي النهاية، جمع المدَّعون كميَّة هائلة من الأدلَّة، لكنهم اختاروا الابتعاد عن محاولة إثبات من أمر بارتكاب الجريمة.
وبدلاً من ذلك، ركَّزوا على الأدلة التقنية، وتتبُّع سجلَّات الهواتف المحمولة التي استخدمها المنفِّذون على الأرض قبل الهجوم.
في المقابل، ومع تفاقم الأزمة المالية، أعلنت الحكومة اللبنانية بأنها لم تعد قادرة على دفع نصف الميزانية المتفق عليها. وبالرغم من تقديم الأمم المتحدة 15.5 مليون دولار على شكل أموال طارئة. إلا أنه لم يتم العثور على تمويل آخر كافٍ لسد الكلفة المتبقية، وبالتالي قال المسؤولون إن المحكمة ستضطر على الأرجح إلى الإغلاق النهائي في وقت ما من العام المقبل، بالرغم من عدم اكتمال عملها.
هذا ويعتبر الانهيار الاقتصادي الحالي الذي يعاني منه لبنان من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، وفقًا للبنك الدولي.
وكان اغتيال الحريري موضوعاً طاغياً على اليوميات اللبنانية، وانقسم حوله اللبنانيون، غير أنّ الحماسة الشعبية تلاشت مع الأزمات المتتالية ومع الصدمة التي تركها انفجار 4 آب في المرفأ وسقوط أكثر من 200 ضحية.
إلى ذلك يعتبر نضال جردي، وهو محامي الدفاع عن الضحايا، أنّ “وقف المحاكمة المقبلة بمثابة الانتهاك لحقوق الضحايا”، داعياً إلى الإجابة بشفافية على سؤال:”لماذا قرَّر المانحون وقف التمويل؟ “.
ووفق القضاة فإنّ التحضير للمحاكمة ثم إلغاء تمويلها “غير منطقي وغير معقول.. وهو هدر للمال بشكل غير عادي”. واعتبروا أنّ الأمر أصبح الآن خارج أيديهم ويجب معالجته من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي أنشأ المحكمة أساساً وكان عليه أن يحدِّد مستقبلها.
فيما قال ممثلو الادِّعاء: “إن المحاكمة القادمة من المرجَّح أن تلقي المزيد من الضوء على سلسلة الاغتيالات السياسية في لبنان؛ لأنها تتناول اغتيال سياسي لبناني آخر في عام 2004 ومحاولة قتل اثنين آخرين في نفس الوقت تقريباً”. لكن الأمر يتركَّز مرة أخرى على سليم عياش، الرجل الوحيد الذي أُدين باغتيال الحريري، والذي لا يزال مكان وجوده مجهولاً.
وأفاد مسؤولون بالمحكمة الأسبوع الماضي بأنّ الأموال الجديدة تتدفق بشكل ضئيل، على الرغم من تخصيص بعضها لإنهاء أعمال المحكمة. وبهذا الصدد قال Tolber: “هذا يشمل المحفوظات، والحفاظ على الأدلة وسجلات المحكمة وحماية الشهود..نحن نقوم بالفعل بالاستعدادات”. وبالمقابل قال بعض المعلقين: “إن التركيز يجب أن ينصبَّ الآن على تنفيذ الحكم والسَّعي لإلقاء القبض على سليم عيَّاش”.
ويبدو أن إدارة بايدن متفقة على أهمية إيجاد عياش. ففي آذار، وصفته وزارة الخارجية الأمريكيَّة بأنه “عميل كبير” في فرقة الاغتيال التابعة لحزب الله وعرضت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار للمساعدة في التعرف عليه أو تحديد مكانه.
المصدر: موقع “Nytimes”