“حزب الله” بات ضعيفاً لبنانياً.. هل تتدخّل أميركا؟!
كتبت حنين غدّار في مجلة بوليتيكو الأميركية:
حدّد أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، في خطابه الأخير، الخطوط العريضة لاستقدام المحروقات الإيرانية وتوزيعها على الفئات المستهدفة من قبل شركة الأمانة الخاضعة للعقوبات الأميركية.
وحزب الله، هو منظمة خاضعة أيضاً للعقوبات الأميركية، وقد يؤدي هذا التحدّي من قبله وتوزيع المحروقات الإيرانية، إلى فرض عقوبات على لبنان، في ظلّ صمت الحكومة والوزراء، على الآلية التي ستتعامل فيها الدولة مع خطوة الحزب والتي يمكن وصفها بغير القانونية.
وسيطرة الحزب على لبنان ليست جديدة، إذ يستغل الطبقة السياسية وفقاً لمصالحه.
غير أنّ اللافت في هذه المرحلة، هو تراجع قبضة الحزب الحديدية على السياسة والاقتصاد في لبنان، ما يتيح للإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن فرصة تغيير النهج والذي أثبت فشله في التعاطي مع الملف اللبناني.
وحالياً، لم يعد الحزب يتمتع بالدعم الذي كان يحظى به من بيئته، والتي باتت تهتم بالشؤون المعيشية أكثر من مقاومة الحزب، ما يمنح إدارة بايدن فرصة للاستفادة من ضعف الحزب وتعزيز البديل السياسي، من خلال التخلي عن دعم القوى التقليدية الفاشلة، والاستثمار عوضاً عن ذلك بالناشطين والشباب الذين اعتراهم الإحباط من الواقع ومن الحزب.
وتستطيع أميركا في هذه المرحلة، دعم جيل جديد من الشيعة، يطمح للتغيير.
وكان الحزب منذ نشأته قد صوّر نفسه على أنّه البيئة الحامية لمناصريه، واستند إلى الدعم الشعبي الذي حصل عليه من خلال 3 ركائز: تقديم الخدمات الاجتماعية، المقاومة وصياغة هوية شيعية مشتركة.
أما اليوم، فلقد تقلصت شبكة الخدمات الاجتماعية، بسبب المشاكل التي نتجت جزئياً عن العقوبات الأميركية، فيما فقدت فكرة المقاومة زخمها منذ تدخل حزب الله في الحرب السورية، لحماية نظام الأسد، ولم تعد الهوية الشيعية تجمع العديد من اللبنانيين، إذ بدأت البيئة الشيعية تشعر بنوع من العزلة.
وفي 17 تشرين الأوّل 2019، نزل الكثير من اللبنانيين إلى الشارع احتجاجاً على الفساد المستشري وتردّي الأوضاع الاقتصادية، ومنذ هذه الثورة وبدائل حزب الله السياسية أصبحت أكثر وضوحاً وأكثر حضوراً، فبدأت مجموعات عديدة بالتعبير علنياً عن معارضتها لحزب الله، وتتألف هذه المجموعات من رجال أعمال وطلاب ونشطاء ومهنيين.. مع العلم أنّ الحزب قد عارض هذه التحركات واعتدى عليها في أحيانٍ عديدة.
وتمحورت اهتمامات هذه المجموعات حول قضايا اقتصادية واجتماعية، في وقت ينهار فيه الاقتصاد الموازي لحزب الله، فالعقوبات الأميركية على إيران أدّت إلى الحد من تدفق الأموال إلى الحزب، كما أدّى التدخل العسكري للحزب في الدول المجاورة ولاسيما سوريا إلى استنزاف أمواله، فتراجعت تقديماته الاجتماعية والمساعدات التي كان يقدمها.
وأزمة الحزب تفاقمت حتى مع شركائه التقليديين، كحركة أمل، والتيار الوطني الحر. وقد أظهر آخر إحصاء أجري هذا العام أنّ الحزب يحظى بتأييد 15% فقط من المسيحيين اللبنانيين.
وضمن الحزب نفسه، وسّعت الأزمة الفجوة بين العناصر العسكرية وغير العسكرية، فالفئة الأولى تتقاضى رواتبها بالدولار فيما الثانية تتقاضى الرواتب بالليرة اللبنانية التي فقدت 90% من قيمتها.
في ضوء كلّ هذا، تعمل مجموعات المجتمع المدني على كسر هذه الهيمنة. ويشكل الشيعة أكثر من 30% من اللبنانيين، ومن المرجح أن تدعم المجموعات اللبنانية الأخرى كالسنّة والدروز وبعض المسيحيين، بديلاً شيعياً قوياً لحزب الله، إذ يجمع بين هؤلاء الإحباط من حالة الشلل التي دخل إليها لبنان.
وأعرب العديد من رجال الأعمال الشيعة في لبنان وأفريقيا والخليج عن استعدادهم للعمل مع المجتمع الدولي – وخارج سلطة حزب الله – لتوفير فرص العمل والقروض اللازمة، وهؤلاء عملوا في وقت سابق على تقديم الدعم السياسي والمالي لمجموعات المجتمع المدني وللناشطين في مختلف البلدات والمدن الشيعية.
ويسعى هؤلاء إلى ترسيخ جذورهم في مجتمعاتهم، ولتجنيب أنفسهم العقوبات من خلال إعلان النأي بالنفس عن حزب الله.
وكان الناشط السياسي لقمان سليم، الذي اغتيل مؤخراً، قد انخرط بشكل وثيق مع هذا التجمع غير الرسمي للمجتمع المدني ورجال الأعمال.
وقد يشكّل هذا الحماس، مساراً سياسياً مختلفاً، للبنان وفرصة لأميركا والمجتمع الدولي كي يغيّرا السياسة المتبعة، عوضاً عن الاستمرار في العمل مع مؤسسات الدولة اللبنانية الضعيفة والفاسدة والتي يسيطر عليها الحزب.
أما الهدف النهائي فهو إنشاء مجتمع مدني أكثر تنظيماً، يتمتع بعلاقات قوية مع أميركا وأوروبا والمنظمات الدولية، حيث يتم التركيز على خلق الفرص الاقتصادية وتمكين الأصوات السياسية الجديدة، وتقديم بديل حقيقي للشيعة المحبطين.
ويجب أن تضم هذه المجموعة، رجال الأعمال وممثلي المجتمع المدني وناشطين وغيرهم من الشيعة المؤثرين.
ويمكن للدول المانحة، بما في ذلك الولايات المتحدة والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، العمل مع هذه المجموعات، خارج نطاق مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية التقليدية.
وعلى المجتمع الدولي التركيز على الاستثمار في الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، وتوسيع الفرص الاقتصادية خارج حزب الله، وحماية الصحفيين والنشطاء.
ومن المهم جداً اليوم، خلق الفرص الاقتصادية، في وقت انهار فيه القطاع الخاص في لبنان، وأصبح الحزب هو المسيطر المالي الأكبر لكونه يمتلك العملة الخضراء، فيما أصبح الكثير من الشبان الشيعة بين خيارين، أو اللجوء للحزب أو الجوع.
وهذا لا يعني أبداً، وقف دعم الجيش اللبناني من قبل الولايات المتحدة الأميركية، ولكن يجب تنظيم هذه المساعدات للتأكد من عدم استفادة العناصر الموالية للحزب داخل الجيش، ويمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تجعل حماية النشطاء شرطاً أساسياً لاستمرار المساعدة العسكرية.
بالإضافة إلى ذلك ، يجب أن تمر المساعدات الإنسانية فقط من خلال منظمات المجتمع المدني، وليس من خلال المنظمات غير الحكومية المرتبطة بالقادة السياسين.
واتجهت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة إلى تقديم المساعدات للمنظمات والجمعيات الخيرية المرتبطة بالنخب السياسية القوية في لبنان، بدلاً من المنظمات الشعبية الحقيقية.
في غضون ذلك، تضاءلت المساعدات الموجهة للمجتمع المدني المناهض لحزب الله منذ أن بدأت الولايات المتحدة المفاوضات النووية مع إيران.
في موازاة ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تستمر بمعاقبة القادة السياسيين الفاسدين. وتعتبر العقوبات – مثل قانون ماغنيتسكي – أداة ضرورية لاحتواء الفساد. أما العقوبات المفروضة على حلفاء حزب الله فقد أثرت بالفعل على شعبيته.
وفي حال اتجهت أميركا إلى رفع العقوبات عن إيران كجزء من اتفاق نووي جديد، فيجب في المقابل وضع آليات قوية للحد من وصول العملة الصعبة إلى الحزب.
في الخلاصة، أدرك كل من حزب الله وإيران شيئًا لم تفهمه الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا، ألا وهو القوة الناعمة. فبينما ساعد الغرب لبنان بالطريقة التقليدية، كانت إيران في المقابل تموّل الاستثمارات الشيعية، والمؤسسات الإعلامية، والتعليم والمبادرات غير التقليدية. وأنشأ حزب الله، بدعم إيراني، دولة بديلة واقتصادًا موازيًا.
واليوم ومع تراجع حضور الحزب، يمكن للولايات المتحدة الأميركية استخدام نهج “القوة الناعمة”، والاستثمار في مجموعات المجتمع المدني التي تظهر بالفعل كبديل لحزب الله.
مواضيع ذات صلة :
أميركا تناور وإسرائيل تفعل ما تشاء | أميركا تسجل أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة | روسيا تدخل المشهد بقوة… |