“الحزب”.. كيف سيطرت الحركة الموالية لإيران على لبنان
في هذا المقال، يتحدث الإعلامي ميشال توما، عن العوامل التي مهدت الطريق لحزب الله الذي ولد بشكل غير رسمي في العام 1983 كي يسطو على الدولة.
“إذا حوصر القط في الزاوية وشعر بالخوف يخرج مخالبه”، هذه الاستراتيجية التي يتم التخطيط من خلالها للوضع الحالي لحزب الله في لبنان.
فهذا هو الانطباع الذي تركه الحزب الموالي لإيران، والذي يواجه أيّ حزب أو مؤسسة يعتبرهما عقبة أمامه كفيلق في الحرس الثوري الإيراني.
وكان الحزب قد ضاعف في الأسابيع الأخيرة، نشاطه الهجومي عبر مواقع التواصل، وطال ذلك عدّة أهداف: البطريركية المارونية، وذلك لنسف مشروع الحياد الذي دعا إليه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، الجيش اللبناني وقيادته بذريعة حصول الجيش على دعم أميركي، واتهمه مناصرو الحزب بالخضوع لـ”النفوذ الأميركي”، حزب القوات اللبنانية الذي يرأسه سمير جعجع، المعارض لمشروع الحزب وإيران في المنطقة ما زاد من شعبيته في الأوساط المسيحية والسنية بشكل كبير.
حتى القضاء لم يكن بمنأى عن هجوم الحزب، وبالأخص قاضي التحقيق طارق البيطار، المسؤول عن متابعة التحقيقات في ملف انفجار 4 آب. إذ لا يألو الحزب جهداً ولا وسيلة لعرقلة التحقيق، إن من خلال تهديد البيطار أو المطالبة بإقالته، وصولاً لابتزاز الحكومة والتهديد بتعطيلها، والضغط على عوائل ضحايا التفجير ودفع بعضهم للخروج والمطالبة بكف يد القاضي عن التحقيق.
لم يتوقف الحزب عند هذا الحد، بل تمادى إلى حد التهديد بالوضع الأمني والفوضى في حال استمر البيطار في موقعه، ووفق معارضين لـ”الحزب” فإنّ هذا التصميم على عرقلة التحقيق يعود لكون الحزب يتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية هذا الانفجار الذي أودى بحياة أكثر من 200 قتيل و6 آلاف جريح.
تفكيك الدولة اللبنانية
من الواضح أنّ الحزب يطمح لتفكيك الدولة اللبنانية، وتدمير الأسس السياسية والاقتصادية لها. وأوّل ما استهدفت هذه العملية القطاع المصرفي الذي كان هدفاً للحزب، إلى ذلك انعكست مواقف حزب الله سلباً على الاقتصاد، فتراجعت الاستثمارات الأجنبية، ما أوقع لبنان في عجز خطير في ميزان المدفوعات، نتج عنه انخفاض حاد في احتياطي العملة الأجنية في مصرف لبنان المركزي، وكل ذلك تسبب بعواقب وخيمة أثرت على اللبنانيين ككل.
في المقابل فإنّ الحزب المدعوم من إيران، والذي يملك ترسانة عسكرية واسعة، يواصل انغماسه في مشروع التفكيك، ويتصرف وكأنّه سيد اللعبة على رقعة الشطرنج اللبنانية، متجاهلاً سائر المكونات السياسية.
كيف وصل حزب الله إلى هنا؟
تعود ولادة حزب الله إلى أوائل الثمانينات، وتحديداً بعد عملية “سلام الجليل” التي شنها الجيش الإسرائيلي في لبنان في حزيران 1982، والتي أدّت إلى احتلال بيروت وضواحيها والجنوب.
في تلك المرحلة كانت هناك مجموعات إسلامية شيعية نشطة على الساحة اللبنانية، مثل تجمع علماء البقاع، واللجان الإسلامية، والفرع اللبناني من حزب الله الشيعي العراقي، وعلماء مؤثرين مثل الراحل محمد حسين فضل الله.
ونفذت هذه المجموعات عمليات، ضد الجيش الإسرائيلي، بدعم من قوات الباسيج الإيرانية التي استغلت الوضع وانتشرت في البقاع، وتمّ العمل على دمج المجموعات من أجل الإعداد لدورة تدريبية واحدة، ترتكز أسسها على ثلاثة محاور تأسيسية وهي:
– يشكل الإسلام الأصولي الأساس الأيديولوجي للفكر الذي يجب أن يبنى عليه التكوين السياسي الجديد.
– تستوجب المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي إيجاد بنية مناسبة للجهاد والتعبئة.
– القيادة في يد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية (آية الله الخميني آنذاك)، باعتباره من سلالة النبي والأئمة. وهو مسؤول عن تحديد الخطوط العريضة للعمل داخل الأمة (الإسلامية)، وقراراته ملزمة.
في ضوء هذه المبادئ الأساسية الثلاثة المحددة مسبقًا، زاد قادة الجماعات الشيعية من عدد الاجتماعات والمناقشات الداخلية من أجل وضع أسس التكوين السياسي الجديد، وأدّت هذه المناقشات إلى تطوير وثيقة سياسية تأسيسية تمّ تقديمها إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية.
وبعدما تمّ الحصول على موافقة آية الله الخميني، حلت المجموعات الصغيرة المختلفة نفسها لتشكيل حزب موحد واحد أخذ اسم “حزب الله”.
وانطلقت عملية الاندماج هذه في صيف عام 1982 ، ولكن لم يظهر حزب الله رسميًا إلا في نهاية عام 1983، غير أنّ هذه العملية لم تؤتِ ثمارها حتى أوائل العام 1985 عندما كشفت التشكيلات الشيعية عن أول برنامج سياسي لها.
وحظي الحزب الجديد بدعم إيراني عسكري ومالي ولوجيستي وسياسي واسع، وازداد هذ الدعم مع مرور السنين ليصل إلى ذروته اليوم.
ومع ذلك، فإنّ ظهور حزب الله هو تتويج لنضوج طويل وبطيء لتأكيد وجود وهوية الشيعة كمجتمع اجتماعي سياسي على رقعة الشطرنج اللبنانية.
وكانت المجموعة الشيعية، قد تعرضت لتهميش عبر التاريخ خاصة في ظلّ الإمبراطورية العثمانية، في حينها لم يكن الشيعة يتمتعون بأي حقوق سياسية تقريباً.
وفي القرن التاسع عشر، على سبيل المثال، لم يتم تمثيل الشيعة بشكل مباشر في الهيئات المسؤولة عن إدارة شؤون ما كان يعرف في ذلك الوقت الكيان اللبناني (الجبل اللبناني، أو لبنان الصغير).
لاحقًا ، خلال الأزمنة المعاصرة ، مهد عاملان أساسيان الطريق عمليًا لظهور وتطور حزب الله:
– الأوّل: الشيعة الذين وصلوا إلى بيروت في فترة الستينيات بعدما أكملوا تدريبهم في بلدة قم الإيرانية أو في بلدة النجف العراقية.
-الثاني: إنشاء الجمهورية الإسلامية في إيران في شباط 1979، وما تلاها من تصدير للثورة، التي بدأها وحافظ عليها الباسيج والذين شكلوا دون شك الحافز الرئيسي لتطور الحزب الشيعي.
المصدر : mondafrique