كيف نُضعف “الحزب”؟
كتب أنطوني سمراني في “لوريان لو جور“:
منذ العام 2005، قدّمت السّياسة اللّبنانيّة درسين، وهما:
– المواجهة مع الحزب وبشكلٍ عام “محور الممانعة”، تؤدّي إلى تعطيل الحياة السّياسيّة والاغتيالات.
– التّسوية مع حزب الله تؤدّي إلى محو لبنان.
أظهرت المرحلة الممتدّة من 14 آذار 2005 إلى 7 أيار 2008، عدم القدرة على تغيير النّهج السائد وقلب ميزان القوى. الأمر بدأ بمؤتمر الدّوحة واستمرّ حتى انتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019، وسلّط الضوء على مخاطر اندلاع ثورةٍ جديدةٍ.
السّياسات التي اعتُمدت في تلك المرحلة، جعلت الفاتورة باهظةً، سواءً على المستوى الفرديّ أو المجتمعيّ، لذلك من المنطقيّ إعادة تقييم الأمور وفقاً للظروف الحاليّة.
ومع ذلك هناك ضرورةٌ لمراجعة الحسابات.
في السنوات الأخيرة، استطاع حزب الله تعزيز هيمنته على المشهد اللبناني دون حاجته إلى استخدام القوّة. ومع وجود ميشال عون في رئاسة الجمهوريّة، وسعد الحريري في السّراي الحكومي، كان الحزب في أفضل أحواله، وكان شريكاً في المناصب الثلاث الرئيسية.
ومع أنّ الخلاف كان محتدماً بين الحليفين الرّئيسيين، أمل والتيار الوطني الحر، إلا أنّ ذلك لم يضعف الحزب، فبقي ما يسمّى بـ 8 آذار ولو بشكلٍ وهميٍّ، واستطاع هذا الحلف تفخيخ قوى 14 آذار، وتهميش قواها.
واستفاد الحزب من المحور الإقليمي المؤيّد لـ”الممانعة”، لبسط نفوذه وسيطرته، كما في الحرب التي خاضها في العراق وسوريا. وتعزّز هذا النّفوذ من خلال الاتّفاق النوويّ الإيرانيّ، والّذي وفّر إلى حدٍّ ما غطاءً دوليًّا لهيمنة إيران.
غير أنّ هذا الواقع تغيّر، في لبنان وفي الشرق الأوسط عموماً، وأصبح الحزب موضع محاسبةٍ واسعة النطاق في انتفاضة 17 تشرين.
ومع أنّ قضية الحزب لم تكن بدايةً في صلب الاحتجاج، غير أنّها ترسخت في الأشهر الأخيرة، وشكلت نوعاً جديداً من أنواع الاستقطاب، ونتجت عنها بياناتٌ عدّة.
الثورة
هاجم الحزب كثيراً الثورة، من خلال إظهار نفسه كغطاءٍ رئيسيٌّ للنظام، ومدافعٍ عنه. ثمّ هاجم القاضي طارق بيطار المكلّف بالتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، وملفّ التحقيق يعدّ حسّاساً جداً لا سيّما للشارع المسيحي.
ودفع الحزب أخيراً، نحو اشتباك الطيونة، وأحيا بذلك ذكريات الحرب الأهلية لدى الكثير من المواطنين.
وبذلك يوحي الحزب كأنه يسعى لتشكيل أكبر جبهةٍ ضده. ولكن لماذا يفعل ذلك؟ لماذا يعتبر أيّ ملفٍّ بمثابة التهديد له؟ لماذا يذكّي مشاعر العداء ضدّه؟
حالياً تصعب الإجابة عن هذه الأسئلة، فالحزب ربما يعتبر نفسه قوياً بما يكفي للمجازفة والمواجهة، لكن واقعياً فإنّ سير الأمور بهذا الاتجاه يتناقض والإستراتيجية الكاملة التي وضعها الحزب خلال السنوات العشر الماضية.
الأرجح أن الحزب يشعر حقًا أنّ التّحديات الجديدة (ثورة 17 تشرين والتحقيق في انفجار المرفأ) هي قضيةُ وجودٍ بالنّسبة إليه، وأنّه لا بد من إعادة تصويب المجتمع حول قضيّةٍ واحدةٍ وهي بالنّسبة له العداء لإسرائيل.
لا يخفى أنّ المحور الإيراني يعيش حالة تململٍ داخل المجتمع الشيعي، والأزمة هذه توحي أنّ الثورة قد تصل إلى البيئة الحاضنة للحزب في لبنان، غير أنّ ما يقوم به أمين عام حزب الله حسن نصرالله قد يؤدّي إلى عزل بيئته عن باقي المجتمع اللبناني.
وحالياً، فإنّ الموقف من حزب الله يرشّح تشكيل جبهةٍ سياسيةٍ ضدّه، ويمكن القول أنّ هذا هو الهدف الذي تصبو إليه المملكة العربية السعودية، وهذا ما تسعى إليه من خلال مواقفها الأخيرة وقطع العلاقات الدبلوماسيّة مع لبنان.
وتريد السعودية من مسؤولي لبنان أن يتمرّدوا على الحزب، فحينئذٍ فقط ستعود عن قراراتها، أما في حال قرّر هؤلاء تجنّب مواجهة الحزب، فحينها ستتخلّى المملكة عن لبنان.
وهذا الهدف يستند إلى نقطتين:
الأولى: أنّ تكلفة التّسوية الرّئاسية لم تعد تحتمل، فهذه التّسوية قد عزلت لبنان عن بيئته العربيّة بسبب هيمنة الحزب الشيعي.
الثانية: أنّ هناك بالفعل مساحةٌ سياسيّةٌ لتحدّي هذا الواقع بشرط اتّخاذ قرارٍ جماعيٍّ بالمواجهة.
والفكرة من ذلك ليست القضاء على الحزب وهزيمته، وإنّما تحجيمه وتقليص نفوذه داخل المؤسسات اللبنانية.
جبهة سياسية ضد الحزب
لا يمكن للسّعودية الاعتماد في الوقت الحالي على أيّ قوىً محليّة في مواجهة حزب الله، باستنثاء حزب القوات اللبنانية الذي يرأسه سمير جعجع، لم تعد المملكة تريد أن تسمع من سعد الحريري، سيّما أنّ الحريري قد بات ضعيفاً في الشارع السنّي.
ووليد جنبلاط من جهته ليس مستعداً، على الأقل من دون سعد الحريري، لمواجهة الحزب. فيما أدرك جبران باسيل منذ فترة طويلة، أن الحزب هو الأمل الأخير له في الوصول إلى الرئاسة.
وفي هذا السياق، بات من الصعب إعادة توحيد القوى التقليدية أو إنتاج قوى 14 آذار جديدة، لاسيّما وأنّ الثورة حملت شعار “كلن يعني كلن”.
وصحيحٌ أنّ المجتمع المدني لم ينتج شيئاً، لكن هذا لا يؤشّر أنّ الشارع المعارض للحزب مستعدٌّ للتحالف مع أيٍّ من الأحزاب التقليدية التي يعتبرها المحتجون جزءاً من المشكلة، بمعنى آخر هناك العديد من الاعتبارات التي تجعل من المستبعد تشكيل جبهة سياسية ضد الحزب في الوقت الحالي.
حنكة “الحزب”
مع الاعتراف بأنّ حزب الله بات يجد نفسه محاصراً سياسياً، إلا أنّ الحزب كلما شعر بالخطر كلما بات ردّ فعله أكثر دموية.
وإن كان الحزب يحذّر من حربٍ أهلية، فهو في المقابل سيقوم بأيّ شيء لمنعها، وذلك من خلال خلق مناخٍ من الخوف وتذليل التهديدات التي يواجهها، كمثل ما قامت به الميليشيات الشيعية التابعة لإيران في العراق.
وقد يكون الحزب أكثر حنكةً في هذا التعاطي، وقد رأينا ذلك بعدما اتهمت المحكمة الدولية سليم عياش التابع له، باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، في حينها لم يكن هناك أيّ ردود فعلٍ واضحة.
هل نستنتج من كل ما سبق أنّه لا يمكن إحباط الحزب؟
بالتأكيد لا.
إنّها معركةٌ طويلة الأمد تتطلب تنظيم جبهة معارضة متماسكة، تقاوم إرهاب الحزب، وتقنع الشيعة الذين يوالونه بأنّ الدولة المراد بناؤها أقدر بكثير من حزب الله على الدفاع عن مصالحهم.
وهذه المعركة يجب أن تبدأ في أسرع وقت ممكن.
مواضيع ذات صلة :
صفقة بين ترامب والأسد تقطع السلاح عن “الحزب”؟ | في تصعيد عسكري جديد… صواريخ الحزب تستهدف عكا و”حدث أمنيّ صعب” في جنوب لبنان | عمليات متتالية لـ”الحزب”…هذه أبرزها |