بين رئيس مسافر ورئيس عائد من سفر… الباب الحكومي مقفل
بين رئيس مسافر، ورئيس عائد من سفر، مراوحة داخلية، تبدو مفتوحة على سلبيات اضافية في ظل استمرار الإنسداد السياسي الكامل وتعطّل الحكومة وتخلّف الطاقم الحاكم عن اتخاذ اي خطوات تفرمل الإنحدار المتسارع على كل المستويات، الذي بات يشي بأنّ صاعق الأزمة، بكل تداعياتها المالية والمعيشية والسياسية والأمنية، قد اشتعل، وانّ لحظة الانفجار الكبير قد دنت. على انّ ما يزيد الامور خطورة، هو انّ صاعق التفجير المشتعل، لم يحرّك حتى الآن، إرادة القيّمين على شؤون البلد في اتّجاه صبّ المياه الباردة على النار، وممارسة الحدّ الأدنى من المسؤولية الوطنية التي تقتضيها ازمة تهدّد بإحراق كل شيء في البلد، بل انّ الوقائع السياسية تؤشر الى انّ إرادة التعطيل ما زالت هي الأقوى، وقرارها الإمعان الحاقد في صبّ الزيت على النار، وإفشال اي محاولة علاجية تعيد إطلاق عجلة الحكومة، لاتخاذ ما يجب اتخاذه من خطوات وقائية تحدّ من الضرر الفادح الذي يتفاقم يومياً على لبنان واللبنانيين. وهو الامر الذي دفع الى تحركات شعبية احتجاجية امس، شملت العديد من المناطق اللبنانية وتخلّلها قطع للطرقات، ودعوات الى تحركات واحتجاجات اوسع، في وجه الأزمة والمتسببين في مفاقمتها، وسياسة التجاهل الفاضحة التي تترك الأمور فالتة على غاربها، دون أي اكتراث لأعبائها الكارثية على المواطن.
صورة المشهد الداخلي باتت اكثر من سوداوية، ثابتة عند فجوة عميقة تفصل بين المكونات اللبنانية السياسية وغير السياسية، لا بل صارت امراً واقعاً ليس في إمكان أحد ان ينكره. وما يحيط بهذه الفجوة من وقائع وتناقضات وتباينات وعداوات، يشي باستحالة ردمها، وهو واقع بات يشكّل أرضاً خصبة لتفخيخ البلد وإنبات توتّرات من أيّ صنف، وتحت ايّ عنوان.
من هنا، تتبدّى سوداوية المشهد في المقاربات الصدامية لمجموعة الملفات الداخلية الساخنة المزنّرة بالكثير من فتائل التفجير. فعلى المستوى الحكومي، فإنّ كل ما حُكي عن حلول تفضي الى اطلاق عجلة الحكومة، ما زالت تصطدم بأسباب التعطيل ذاتها. سواء ما يتصل بموقف ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله» من المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، ودعوتهما الى استبداله بقاضٍ جديد يلتزم بالقانون والاصول، او ما يتعلق بالأزمة مع السعودية ودول الخليج والموقف من استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي، التي ما زالت محل انقسام حكومي حولها.
وبحسب معلومات موثوقة، فإنّ هذا الامر، الى جانب نتائج زيارة رئيس الحكومة الى الفاتيكان ولقائه البابا فرنسيس، كان محلّ بحث في اللقاء الذي جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي في عين التينة امس، حيث كانت الرغبة مشتركة في عودة اجتماعات الحكومة.
واكّدت المعلومات، انّ موقف الرئيس بري لم يتبدّل من بداية الأزمة، لجهة رفض أي مساس بصلاحيات المجلس النيابي ودوره وموقعه، وتبعاً لذلك، ما زال على تأكيده انّه مع ايّ مخرج يقوم على الإلتزام بالأصول القانونية والتقيّد بأحكام الدستور، وخصوصاً في ما يتعلق بموقع ودور المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء الوزراء. ولو أنّ هذه الاصول قد اتُبعت من البداية لما وصلت الامور الى ما وصلت إليه.
وتحدثت مصادر واسعة الاطلاع عن انّ «رئيس الحكومة سيتابع مشاورات هادئة في الاتجاه الذي يعيد اطلاق حكومته في اقرب وقت ممكن. وهو لم يغادر التفاؤل في امكان ان تنجح الجهود التي يبذلها في كسر جدار التعطيل وفتح الأفق الحكومي وإعادة الفعالية والإنتاجية لمجلس الوزراء». لافتة الى انّ «استمرار بعض الاطراف في العزف على وتر احتمال ان يُقدم الرئيس ميقاتي على الاستقالة، هو بمثابة تشويش متعمّد يهدف الى التخريب، وخصوصاً انّ رئيس الحكومة لم يأتِ على ذكر هذا الامر من قريب او بعيد، ثم انّه ليس في الاصل في هذا الوارد على الإطلاق، وخصوصاً انّه متيقن من أنّه لا يزال في الإمكان القيام بخطوات إنقاذية».
وبالتوازي، تحدثت المصادر عينها عن انّ «مشاورات رئاسية ستنطلق بعد عودة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من الدوحة، لاستكمال ما تمّ التوافق عليه في لقاء الرؤساء الثلاثة في القصر الجمهوري في بعبدا يوم عيد الاستقلال.
الّا انّ المصادر شكّكت في إمكان بلورة نتائج ايجابية، وخصوصاً بعد ما وصفتها بـ»التعقيدات» التي أرخاها الموقف القضائي الاخير بردّ كل دعاوى مخاصمة الدولة المقدّمة من رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزراء السابقين المدّعى عليهم في جريمة انفجار المرفأ».
واللافت في هذا السياق، انّ القرارات القضائية اعادت تظهير الإنقسام الداخلي الحاد السياسي والطائفي حيال ملف انفجار المرفأ والقضاء بصورة عامة، بين من يؤكّد على استقلاليته ونزاهته وصوابية قراراته وعلى عدم التدخّل السياسي في عمله، وبين من يعتبره مسيّساً وتابعاً.
وفي هذا السياق، رحّبت قوى سياسية ودينية بالقرارات القضائية التي ردّت دعاوى مخاصمة الدولة، ووصفتها بأنّها قرارات صائبة اعادت وضع الامور في نصابها الصحيح. ويندرج في هذا السياق موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. واما في المقابل، فإنّ وقع هذه القرارات كان مستفزاً لحركة «أمل» و»حزب الله»، اللذين اعتبرا تلك القرارات «امعاناً في المنحى الذي يغطي المخالفات والتجاوزات التي ارتكبها المحقق العدلي، عبر الإصرار على إبقاء ملف التحقيق في دائرة التسييس والإستنساب ومخالفة الأصول القانونية والدستورية، وهذا الامر لن يؤدي بحال من الاحوال الى كشف حقيقة انفجار مرفأ بيروت».
المصدر : الجمهورية
مواضيع ذات صلة :
تناثر منظومة النيترات وأخواتها أم اندثار الوطن؟ | البيطار يعود الى تحقيقات المرفأ | تعيين قاضٍ رديف للبيطار… “قرار لتبرئة السياسيين” |