“النظام الجديد” (2)
كتب زياد شبيب في “النهار” :
في إعادة الاعتبار لمفهوم الجمهوريّة على قاعدة مدنيّة، هل أنت مع استكمال تطبيق ما لم يطبَّق من اتّفاق الطائف، أم تعتبر أنّ علينا القفز مباشرةً إلى الجمهوريّة الثالثة؟ سؤال وردني حول مقال “النظام الجديد” الأسبوع الماضي والجواب عليه في ما يأتي.
المدخل لتحقيق “النظام الجديد” يكمن تحديداً في المباشرة بتطبيق الطائف وتحديداً المادة 95 من الدستور، وهذا التطبيق الذي تأخر ثلاثين عاماً أدى إلى تجذر نظام حكم القوى المنبثقة من الحرب وانضمام قوى أخرى إليها على أساس تقاسم مواقع الدولة ومواردها وقد تم ذلك وما يزال تحت إدارة ضابط للإيقاع يضمن لكل منها استمرارية مصالحه مقابل الولاء لضابط الإيقاع وتسليمه السيادة على البلد.
هذا في حين جاءت المادة 95 بصيغة آمرة لتلقي على مجلس النواب المنتخب على اساس المناصفة، أي مجلس العام 1992 وكل مجلس بعده، واجب تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية، الأمر الذي لم يحصل. وما حصل أنه تم تحويل هذا الاستحقاق الى فزاعة من قبل الممسكين بالغالبية العددية تجاه الخائفين من تلك الغالبية، وأدى ذلك الى تعطيل النص الانتقالي المذكور على رغم صيغته الإلزامية وإلى تعطيل أي بحث في نقل لبنان الى مرحلة الدولة المدنية الحديثة الضامنة للتعددية وفق أسس سليمة.
المرحلة الانتقالية التي لم تبدأ منذ واحد وثلاثين عاماً كان يفترض أن تتضمن عناصر إقامة دولة القانون وإزالة أشكال التمييز بين المواطنين وتحول دون السيطرة العددية، ومن هذه الضمانات أن يصار إلى الاستغناء عن التوزيع المعتمد للمناصب في الدولة واستبداله بموانع تحول دون تمكن أية جماعة من الحصول على ما يفوق حدّاً أقصى من المواقع يتم تحديده في النص. وبذلك يضمن عدم طغيان أية فئة على فئة وفي الوقت نفسه يكون للجميع الحق في المناصب للخدمة العامة تبعاً لجدارتهم دون أن يكون أي منصب مخصصاً لأية طائفة وهذا ينهي الممارسة الحالية التي تحولت معها المناصب إلى متاريس طائفية ومواقع نفوذ للمرجعيات.
الضمانات الحقيقية للتعددية، أي إحلال الموانع مكان الحصص، لا بد منها وهي المدخل الوحيد لبقاء المجتمع واحداً واستمرار القناعة بالعيش معاً وإدارة الشأن العام بشكل منفصل تماماً عن الشأن الطائفي الديني. وضمانات التنوع مطلوبة في كل المجتمعات بما فيها التي تبدو بظاهرها من لون واحد، لأن كل المجتمعات تعددية في الواقع، وهذا ما يشرحه أديب صعب صاحب النظرية في فلسفة الدين، ويعتبر أنه “حتى في الحكم المذهبي الواحد حيث يقوم اليوم، نجد ما يسمّى خطاً منفتحاً أو متحرراً وخطاً متشدداً أو منغلقاً، مع ما بينهما من خطوط تميل ذات اليمين أو ذات اليسار”. (وحدة في التنوع، دار النهار)
النظام الجديد لا يتحقق بأدوات قديمة وقد أثبتت تجارب التغييرات المفصلية التي عرفها النظام السياسي في لبنان أن ترك القرار إلى توافق القوى المسيطرة، يعيد صياغة النظام نفسه مع تبديل ينحصر في تعديل موازين القوى في ما بينها، وإذا كانت فرنسا أو غيرها عازمة على رعاية مؤتمر ما فهو حتماً ومسبقاً فاقد القدرة على إحداث التغيير الذي يأمله اللبنانيون. الصراع الطائفي في لبنان ليس بين أبناء الطوائف بل بين المرجعيات الطائفية المسيطرة عليهم والتي تستخدمهم وقوداً في صراعها على السلطة، لذلك المطلوب اليوم نشوء قوى سياسية جديدة على أسس وطنية تكون نقيضاً للقوى الحالية من حيث التكوين والخطاب والأهداف، من هنا يبدأ الحل.
مواضيع ذات صلة :
نقابة المالكين: لا تجوز مصادرة حق الملكية تحت أي ظرف | الحواط: “الحزب” لن يفرج عن الاستحقاق الرئاسي… إلا إذا | الحاج: المعارضة ليست ضد الحوار… ولكن |