في الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد جو نون.. شقيقه ويليام: جو حيث هو لا يكترث بمجريات التحقيق لكننا مستمرون لآخر نفس.
كتبت رانيا حمزة لـ “هنا لبنان” :
مرّ عامان على انفجار مرفأ بيروت، 4 آب تاريخ حفر في ذاكرة اللبنانيين، أخطبوط من نار خرج من المرفأ وضربت أذرعته مدينة كانت تملؤها الحياة، فأمست ركاماً يحوم الموت في أروقتها التي غطتها الأشلاء والدماء. نحو مئتي وثمانية عشر شهيداً وأكثر من سبعة آلاف جريح كانت حصيلة هذا الانفجار، الذي عرف أيضاً بـ”بيروتشيما” وصّنف كثالث أقوى انفجار في العالم بعد انفجاريّ هيروشيما وناكازاكي. لكن رغم هول المصاب، وفداحة الدمار ظلت الصورة الأكثر ايلاماً ووجعاً هي صورة أبطال فوج الإطفاء في بيروت، يقفون أمام باب العنبر رقم 12، لا يعرفون ماذا يختبئ خلفه، جلّ ما كان يشغلهم في لحظتها، هو إتمام المهمة بنجاح والعودة لملاقاة أصدقائهم في مركز “الكرنتينا”.
لم يكن أحد منهم يعرف ماذا يوجد خلف باب العنبر، وحده المجرم الذي وضع النيترات كان يعرف، وأيضاً من سمح لهم بالدخول إلى المكان و وضعهم في فوهة بركان الموت كان يعرف أيضاً.
شربل حتيّ وشقيقه نجيب، شربل كرم وجو بو صعب، رامي كعكي، مثال حوا، رالف ملاحي، إيلي خزامي، جو نون وسحر فارس، عشرة أبطال من فوج الأطفاء قدموا حياتهم على مذبح الوطن، فيما حفرت أسماءهم في وجدان كل لبناني.
وفي الذكرى الثانية لفاجعة تفجير مرفأ بيروت، كان لموقع “هنا لبنان” لقاء مع “وليام نون” شقيق الشهيد “جو”، تحدث خلاله عن المسار الذي سلكه التحقيق في قضية تفجير المرفأ حتى اليوم، البرنامج المعد لإحياء الذكرى السنوية الثانية، وتجديد الوعد لشقيقه بمتابعة القضية حتى الوصول إلى خواتيمها، وتحقيق العدالة.
المجرم ليس واحداً ..والجريمة موزعة على بلدان عدة
وبسؤاله ماذا يعني أن تحلّ الذكرى السنوية الثانية لتفجير المرفأ دون أن يكون لدينا مجرم واضح خلف القضبان؟
أجاب: صحيح أنها السنوية الثانية ولكن كنا نتوقع ألا تنتهي التحقيقات بهذه السرعة، ولكن كنا نأمل أن يكون لدينا قرار ظني على الأقل. ورداً على فكرة أنه ليس لدينا مجرم واحد، قال بأن المشكلة تكمن أن المجرم ليس واحداً والجريمة مقسمة على عدة بلدان وجهات وهناك نسب للضلوع في هذه الجريمة، والمتورطون فيها أناس من لبنان وخارجه، من مسؤولين كبار إلى أمنيين وقضاة ووزراء.. وبالتالي ليس من السهولة بمكان أن تنتهي. ولكن ما يهم أن القضية لا تزال في عقول الناس وهي القضية المركزية لدى القضاء العدلي وصحيح أن التحقيق سيأخذ وقته ونصادف العديد من المشاكل والاعتراضات لكن في النهاية سينال كل صاحب حق حقه.
ما يهم الآن، أننا نحرز تقدماً، وعلى سبيل المثال في موضوع الشركة التي أحضرت النيترات إلى لبنان تم تفكيكها وأزيل عنها الشركة الوهمية في بريطانيا وقريباً سيكون السجل المالي لهذه الشركة بحوزتنا..
إن العمل على هذه القضية صعب ومُضنٍ، ومكتب الادعاء في نقابة المحامين في بيروت ومكتب المحامي كميل أبو سليمان في بريطانيا فضلاً عن المجتمع المدني، الجميع يعمل على هذه القضية وأنا على ثقة أننا سنصل إلى تحقيق العدالة”.
دعوى ضد الخليل وزعيتر بالتعسف باستخدام القانون
ربما يكون آخر ما تداوله الإعلام في التحقيقات في ملف تفجير المرفأ كان كف يد المحقق العدلي القاضي طارق بيطار. وبسؤال وليام عن المجريات اللاحقة لذلك أجاب: “إنّ كف يد القاضي بيطار تم من خلال ٤١ طلب رد، وهذا رقم خرافي لم يحصل في مكان في العالم. والذي قمنا به في هذا السياق أننا تقدمنا منذ حوالي الأسبوع بدعوى ضد كل من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر وموضوع الدعوى هو “التعسف باستخدام القانون” وإذا كان هناك فعلاً قضاء نزيه فإنه سيقوم بوضع حد لهما في موضوع طلبات الرد.
من ناحية أخرى، نحن وقبل أن يتوقف سير التحقيقات، كنا قد بدأنا العمل مع المجتمع الدولي ولجنة تقصي الحقائق الدولية وعندما توقف التحقيق استطعنا أن نبرهن أننا في لبنان أضعف من أن نحقق بمفردنا بمثل هذه الجريمة، وأن التدخل السياسي في القضاء كبير جداً، وهو يتعرض لضغوطات، وقد توفي أناس في أحداث الطيونة من جراء قضية انفجار المرفأ، ناهيك عن تعرض القاضي للتهديد في هذا السياق.
وفي كل يوم، نسمع أشخاصاً ينتقدون والموضوع أخذ حجمه في العدلية ولا شيء يمكن إخفاؤه”.
إخبار ضد المؤسسة العسكرية
في الأول من شهر تموز ٢٠٢٢ أطل وليام نون عبر وسائل الإعلام متحدثاً عن إخبار ينوي التقدم به ضد المؤسسة العسكرية، وبسؤاله إن تم ذلك وماذا يتضمن هذا الإخبار؟
أجاب: “الإخبار يتناول موضوع تزوير التحقيق من قبل الشرطة العسكرية، التي قامت بإخفاء ملفات تتعلق بالعديد من الضباط وقادة الأجهزة الأمنية ولم تبرزها أمام القضاء العدلي. وأنا قمت بكشف ذلك، إضافة إلى إظهار أن الأمم المتحدة تدخلت في موضوع الباخرة واشتكت منها وحولتها إلى بحرية بيروت التي للأسف سمحت بدخول الباخرة إلى المرفأ”.
تابع: “ما نحاول قوله، إن هناك فضائح في التحقيق الأولي، والتحقيق العدلي ناقص ونحن قمنا بكشف هذه الأدلة التي أظن أنها وصلت إلى القضاء ولكن التحقيق متوقف الآن”.
أضاف: “نحن سنتقدم بهذا الإخبار إلى النيابة العامة التمييزية، وسنرسل نسخة عنه إلى المكتب العدلي. وهذا الموضوع يأخذنا إلى مكان كبير، وهو أن هناك أشخاصاً لم يشملهم التحقيق”.
وأشار إلى أن” الإخبار يضم جهات من كافة الأحزاب والطوائف، وهذا الأمر يظهر أننا كأهالي ضحايا وعلى الرغم من اختلاف انتماءاتنا إلا أننا أشخاص موضوعيون ونعمل على الأدلة وحسب، وبناء على ذلك من المفترض أن يقوم المدعي العام عماد قبلان بتوقيف الأشخاص الذين سيشملهم هذا الإخبار”.
وجود متهمين في لجنة الادارة والعدل النيابية أمر مستفز
لعل التطرق إلى مسألة عدم توقيف بعض الجهات والأشخاص المعنيين بصورة مباشرة أو غير مباشرة بفاجعة تفجير المرفأ، قد فتح الباب لسؤال وليام عن موقفه وأهالي الضحايا من إعادة انتخاب أشخاص رفضوا الامتثال إلى طلب قاضي التحقيق، بالتحقيق معهم وأعيد انتخابهم في الانتخابات النيابية الاخيرة. وعن ذلك قال: “كنا نأمل أن تأتي الانتخابات النيابية الأخيرة بنتائج أفضل من ذلك. علماً أنه، وصل أشخاص جدد إلى البرلمان، ولكن تبين أن قسماً كبيراً من النواب السابقين قد حافظ على مقاعده ومنهم علي حسن خليل وغازي زعيتر. والحقيقة أن نتائج الانتخابات لم تكن مستبعدة والرئيس نبيه بري قد وضع هؤلاء الأشخاص في لائحته ليضمن فوزهم، ولكن كنا نأمل في “مسألة الصوت التفضيلي” من الناس أن يختاروا أشخاصاً آخرين. لكن مع ذلك، نحن ندرك أن هناك أشخاصاً تمتثل للأوامر الحزبية، ولا يمكن لوم الناس”.
لكن على الرغم من تفهم وليام لمسألة امتثال الناس للأوامر الحزبية في عملية التصويت خلال الانتخابات النيابية، إلا أنه لم يخفِ استنكاره الشديد لمسألة دخول أشخاص هناك مذكرة توقيف بحقهم إلى لجنة الإدارة والعدل وقال: “إنها إشارة بأنهم يفعلون ما يشاؤون، وأنه حتى لو كانوا مطلوبين وهناك مذكرة توقيف بحقهم، فإن اللجنة التي من المفترض أن تحاسبهم هم أعضاء فيها”.
حرائق الاهراءات مفتعلة
في الآونة الأخيرة، كانت صورة الرابع من آب تتكرر ، في كل مرة تشهد إهراءات القمح حرائق لا تعرف أسبابها، وبسؤال وليام عن رمزية هذا الأمر بالنسبة لأهالي الضحايا (علماً أنه تم إجراء المقابلة قبل سقوط حائط الإهراءات) أجاب:
“كانت الحرائق الصغيرة تحصل بين فترة وأخرى ولكن في المرة الأخيرة شبّ حريق كبير طال نحو 25 ألف طن من الذرة والقمح، وأنا أشك أن الحرائق تندلع من تلقاء نفسها وحتماً هناك من يقوم بإشعالها”.
وشرح وليام الذي سمحت له زيارته المتكررة إلى المرفأ بأن يكون على دراية بواقع المكان، بأن الإهراءات مقسمة إلى جزأين، الشمالي والجنوبي، الجزء الشمالي متضعضع والجزء الجنوبي ماكن.وقال:”نحن سبق أن التقينا برئيس الحكومة نجيب ميقاتي وطلبنا أن يتم إزالة الجزء القابل للسقوط والإبقاء على الجزء المتين والثابت وتحويل المكان إلى متحف للذكرى، وليبقى الانفجار حاضراً في أذهان الناس، وأنه حصل نتيجة تقاعس السلطة والأجهزة الأمنية والفساد، وقد وافق رئيس الحكومة على هذا الاقتراح ولكن لاحقاً بدأنا نشهد اندلاع الحرائق”.
تابع: “أنا أرى أن الحل هو سهل جداً، من خلال أن يتم إزالة الحائط الذي يشكل خطراً، واستبداله بلوحات تذكارية، تخلّد ذكرى الذين ماتوا بالانفجار حيث يكتب عليها أسماء الضحايا وعدد الجرحى وفي أي يوم حصل الانفجار فيما يبقى الجزء الجنوبي من الإهراءات ورمزيته”.
بتاريخ 29/7/2022 تقدم النائب زياد حواط باقتراح قانون معجل مكرر يهدف إلى “تعديل أحكام المواد 119 و 125 و 751 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة التي كانت تنص على وقف السير حكماً بالتحقيقات والمحاكمات بمجرد التقدّم بطلبات نقل الدعوى أو تنحية القاضي أو مخاصمة الدولة من قبل أحد المتقاضين”. واعتبر حواط أنه من شأن هذا الاقتراح في حال إقراره في مجلس النواب أن يعيد سريان التحقيقات في الانفجار من جديد بصورة طبيعية. وبسؤال وليام عن رأيه بهذا الاقتراح أجاب: “اطلعت على الاقتراح وتواصلت مع النائب زياد حواط و النائب سيمون أبي رميا في هذا الشأن، فضلاً عن عدد من ممثلي الكتل النيابية وقالوا لي أنه في حال قام رئيس مجلس النواب نبيه بري بوضع الاقتراح على جدول الأعمال فإن الأكثرية ستقوم بالتصويت عليه”.
نحن أصحاب حق ولسنا قطاع طرق
بات الرابع من آب موعداً ثابتاً مع ذكرى يملؤها الخوف والوجع يجددها اللبنانيون في داخلهم، لأن الحقيقة الثابتة هي أن هناك سلطة تحكمهم وقادرة على قتلهم وسحق مدينة بأكملها دون أن يهتز ضمير مسؤول فيها. وبمناسبة الذكرى تغلق البلاد وتنكس الأعلام الوطنية فيما أهالي الضحايا يحيون ذكرى المصاب الجلل. ويبدو أنهم هذا العام آثروا إحياء الذكرى بطريقة عملانية وهادفة أكثر من ذي قبل وعن ذلك تحدث وليام قائلاً: “نحن نشجع الجميع على إحياء الذكرى والتعبير عن مشاعرهم بالطريقة التي يرونها مناسبة. أما بالنسبة لنا كأهالي الضحايا فإن نهارنا يبدأ عند الساعة الواحدة ظهراً في نقابة المحامين في بيروت، بحضور مكتب الادعاء في النقابة والنقيبين ملحم خلف و ناضر كسبار، وسيكون هناك مؤتمر يتناول الخطوات التي بالإمكان اتخاذها كنقابة، كما سيتم عرض ما تم إنجازه خلال السنتين الماضيتين وسيتحدث خلف، عن المحكمة في بريطانيا لأنه يتابع الموضوع.
المحطة الثانية هي التجمع في عدة نقاط والسير باتجاه مرفأ بيروت. النقطة الأولى ستكون قرب مركز فوج إطفاء بيروت في الكرنتينا، النقطة الثانية أمام جريدة النهار، والنقطة الثالثة ربما تكون في الأحياء بين الأشرفية والمدوّر. ومن بعدها سننطلق بمسيرة باتجاه مرفأ بيروت حيث من المتوقع الوصول ما بين الساعة الرابعة والنصف والخامسة إلا ربع.
وهناك يبدأ البرنامج عند الساعة الخامسة، حيث ستوجه كلمة إلى المجتمع الدولي بعدة لغات، وسيتم توقيع عريضة نأمل من الجميع أن يوقعها وستكون متوافرة “أونلاين” للمغتربين. كما سيكون هناك قَسَم، وجردة لما حصل معنا خلال السنتين الماضيتين والإضاءة على من يقوم بعرقلة التحقيق ولكن بصورة غير تقليدية. كما سيتم وضع جدول عمل وخارطة طريق للسير عليها من أجل الوصول إلى الحقيقة”.
وأمل وليام، ألا تحصل أعمال شغب على هامش الذكرى لأن هذا الأمر لن يكون بمكانه وقال: “لم يمض سوى شهرين على انتخاب مجلس النواب الحالي وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات فإنه من الغباء التظاهر أمامه. أما بالنسبة للمعنيين في القضية فإن بيوتهم محمية جيداً من قبل أحزابهم. وعليه أنا أرى أن أي أعمال شغب، لن تكون بمكانها ونحن بالنهاية أصحاب حق ولسنا قطاع طرق”.
رسالة ويليام إلى شقيقه جو
ختام اللقاء كان بسؤال ويليام عن الرسالة التي يوجهها لشقيقه الشهيد جو نون في الذكرى السنوية الثانية لغيابه، سؤال حول الصلابة والثقة إلى دمعة حبيسة في عينيه ولكن أجاب: “في الذكرى الثانية كمان في الأولى كما أول نهار أنا باقٍ على وعدي أن أحمل هذه القضية واستمر في العمل عليها طيلة حياتي. أنا أعلم أن جو الآن حيث هو قلما يكترث لمجريات التحقيق ولكن نحن كأهالي الضحايا وكشعب لبنان تم قتلنا من دون سبب، من هنا إن هدفنا الوصول إلى العدالة حتى لا يتكرر هذا الأمر وتتكرر هذه الكارثة نتيجة إهمال السلطة والمسؤولين في هذا البلد.
أنا مستمر في هذه القضية لآخر نفس، وسأقاتل من أجلها، وأنا على ثقة إن استمر الشعب بالعمل على هذه القضية فإن قسماً كبيراً من المسؤولين والمتورطين ستتم محاسبتهم. نأمل أن تتم محاسبة المسؤولين والمتورطين في هذه القضية وألا تتحول إلى مسألة تصفية حسابات سياسية. وعندما تتم محاسبة المسؤولين فعلاً فعند ذلك بالإمكان بناء دولة حقيقية على أنقاض الانفجار. فمن مات في الانفجار لن يعود، ولكن حرام أن يموت أشخاص آخرون مجدداً ودون سبب. مستمر في هذه القضية من أجل جو وجميع الضحايا وأنا على ثقة أننا سنصل في النهاية إلى الحقيقة وتحقيق العدالة”.