تقرير مفصل بالأرقام عن المستشفيات وفواتيرها.. ومعركة “الضمان” معها
يواجه مرضى كورونا وذويهم ضغوطاً هائلة، لا تقتصر على خطورة الفيروس وتهديده حياة المريض، بل تتعداه إلى ضخامة الفواتير الاستشفائية، واستنزاف المستشفيات لمرضاهم، وتعريض حياة ومعيشة عائلات بأسرها لخطر الحاجة. فالمستشفيات الخاصة لا تميّز بين فقير وميسور، ولا يعنيها ما تنص عليه العقود وحتى القوانين. كل ما يستحوذ اهتمامها هو تعويض تكلفة أقسام وتجهيزات كورونا من جيوب المرضى، قبل اندثار الفيروس. وتحقيق أرباح تمكنها من الاستمرار بمشاريعها التجارية تلك.. نعم باتت المستشفيات أشبه بمشاريع واستثمارات تجارية بحتة، أقرب إلى “سوبر ماركت” منها إلى مؤسسات طبية إنسانية.
وعلى الرغم ارتفاع تكلفة المستلزمات الطبية والاستشفائية بشكل كبير، وتعرّض المستشفيات لضغوط مالية كبيرة، غير أن بعض ممارساتها تكرّس هويتها التجارية، لاسيما عند مقارنة فواتير المستشفيات بين المناطق، والمبالغ التأمينية المسبقة التي تفرضها على مرضى كورونا كشرط لاستقبالهم. فكيف تتعامل المستشفيات مع مرضى كورونا؟ كم يبلغ حجم فواتيرهم؟ وكيف يمكن لمريض كورونا التعامل مع الفواتير الضخمة؟
عوامل ارتفاع الفواتير
يبلغ متوسط تكلفة غرفة العناية في المستشفيات الخاصة نحو 3 مليون و500 ألف ليرة إلى 4 ملايين ليرة يومياً. وتختلف التكلفة بين مستشفى وأخرى. أما تكلفة الغرفة العادية لمريض الكورونا فتبلغ كمعدل وسطي مليوني ليرة يومياً، علماً أن هذه التكاليف لا تشمل الأدوية التي يتم استخدامها للمريض، خصوصاً تلك التي لا يغطيها الضمان الاجتماعي أو الجهات الضامنة الأخرى.
من وجهة نظر تجارية بحتة تتبناها المستشفيات، فالتكلفة زادت عليها كثيراً مع ارتفاع سعر الدولار، وبعد أن اضطرت إلى فتح أقسام مخصّصة لعلاج مرضى كورونا. ويقول أحد المعنيين بقطاع المستشفيات في حديث إلى “المدن” أن ثلاثة عوامل دفعت المستشفيات إلى رفع فواتيرها هي:
1- إن فتح أقسام وأسرّة لمرضى كورونا استلزم تكلفة عالية جداً، تراوحت بين 20 و30 ألف دولار نقداً على كل غرفة. وطالما أن التكلفة تحملتها المستشفيات وحدها من دون تدخّل الدولة ودعمها، اتجهت المستشفيات إلى تعويض تكاليفها من فواتير المرضى، تجنباً لأي خسائر، خصوصاً أن أزمة كورونا قد لا تستمر. وحين تنتهي لن تكون تلك الغرف ذات فائدة بالنسبة إلى المستشفيات: “هي عملية استثمارية. وهذا الأمر غير مربح بالنسبة إلى المستشفيات، إلا إذا ضخمت فواتيرها وعوّضت تكاليفها في فترة قصيرة، باستثناء المستشفيات التي تلقت دعماً مالياً من الأحزاب والجمعيات”.
2- تتقاضى المستشفيات من ضمن فواتيرها ثمن الأدوية والمستلزمات والخدمات التي لا تشملها تغطية الضمان، كدواء Remdesivir وثمنه 760 ألف ليرة، تستخدم بعض المستشفيات نحو خمس إبر لكل مريض، ومنها من يستخدم 10 إبر أو 12 إبرة. وهذا الأمر يرفع فاتورة مريض كورونا بشكل كبير.
3- عامل آخر رفع من تكاليف المستشفيات، وانعكس سلباً على فواتير مرضى كورونا، هو رواتب الممرضين والأطباء الذين وافقوا على العمل في أقسام كورونا، مع الاشتراط بمضاعفة رواتبهم. وهو ما زاد العبء على المستشفيات، وبالتالي على فواتير المرضى، “حتى الطعام في المستشفيات باتت تكلفته أعلى بكثير من السابق، إضافة إلى ارتفاع تكلفة كافة مستلزمات التعقيم والتنظيف والأقنعة وغير ذلك”.
المستشفيات المخالفة
تتفاوت فواتير مرضى كورونا بين المستشفيات. وهو ما يجعل من فواتير غالبية المستشفيات أشبه بفواتير المتاجر التي تختلف بحسب المكان الجغرافي للمتجر، إضافة إلى عامل آخر يساهم بخفض فاتورة بعض المستشفيات، هو عامل الدعم المالي المقدّم لبعض المستشفيات من قبل أحزاب ونافذين، كمستشفيات منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، ومستشفى عين وزين في الجبل، الذين لم يفرضوا على المرضى وضع مبالغ مالية تأمينية كبيرة، ولم تصدر عنهم شكاوى من مرضى كورونا تتعلّق بفارق ضخم للفواتير.
أما المستشفيات التي لم تتلق دعم مالي، فتصل المبالغ التأمينية المفروضة على مرضاها إلى 30 مليون ليرة، كمستشفيات كليمنصو والجعيتاوي ورزق، وقد تلقى الضمان الكثير من الشكاوى ضد هذه المستشفيات. وبالنسبة إلى فواتير كليمنصو، فتصل أحياناً إلى 160 مليون ليرة. وهو ما دفع بالضمان إلى فسخ العقد معها. كما فعل مع مستشفى فؤاد خوري. كما أن فواتير مستشفى رزق لا تقل عن فواتير كليمنصو، لكن ما يشفع له أحياناً هو أنه يستقبل الكثير من الحالات الحرجة والمتقدمة، ولم يرفض استقبال مرضى كما هو حال مستشفى كليمنصو CMC الذي رفض استقبال الدكتور نبيل خراط الذي توفى منذ أيام.
مستشفى أوتيل ديو في الأشرفية لم يصدر شكاوى عن مرضاه. كما أن مستشفى الروم (القديس جاورجيوس) الشكاوى عليه محدودة جداً. أما مستشفى نجار في الحمرا فلم يتم تجهيزه لمرضى كورونا.
مستشفى المشرق كانت تصل المبالغ التأمينة التي يفرضها على المرضى إلى 20 و30 مليون ليرة قبل أن يخفضها بعد إنذاره من قبل الضمان إلى 10 ملايين ليرة بالحد الأقصى، أما مستشفى جبل لبنان فالمبالغ التأمينية التي يفرضها كبيرة، لكنه يعيد إلى المريض جزء منها عند خروجه، في حال لم تكن فاتورته كبيرة.
في البقاع لا يتجاوز فارق الفواتير مليوني ليرة أو 3 ملايين ليرة بالحد الأقصى. أما في مناطق الشمال، ففارق الفواتير أقل من البقاع أيضاً ولا يتجاوز فارق الفاتورة مليون أو مليون و500 ألف ليرة. ورغم ذلك تصدر الكثير من الشكاوى عن المرضى غير القادرين على سدادها نظراً إلى تزايد نسب الفقر.
تفاوت الفواتير بين المسشتفيات إنما يؤكد طمع وجشع العديد من المستشفيات، خصوصاً في بيروت وتحوّلها إلى متاجر.
آلية تدخّل الضمان
في بداية أزمة انتشار فيروس كورونا انصب عمل صندوق الضمان على تأمين أماكن لمرضى كورونا في المستشفيات. أما اليوم فباتت الجهود منصبة على ضبط الفواتير المضخّمة ومنع المستشفيات من استغلال المرضى، مع مراعاة الضغوط المالية التي تتعرّض لها المستشفيات في ظل الأوضاع المستجدة الصعبة، ووفق حديث رئيس مصلحة المراقبة الإدارية على المستشفيات فؤاد حليحل إلى “المدن”، تكمن الأزمة الأساسية في اشتراط بعض المستشفيات لإدخال مريض كورونا وضع مبلغ مالي تأميني ضخم جداً، إضافة إلى بلوغ الفواتير في بعض المستشفيات مستوى خيالياً يعجز المرضى عن سداده.
وقد أجرى الضمان دراسة سريعة لجهة تقدير فارق الفاتورة المتوقعة لمرضى الكورونا المضمونين، تبيّن أن الفاتورة لا يجب أن تفوق 10 أو 12 مليون ليرة بالحد الأقصى في حال احتاج المريض إلى غرفة عناية، وإلى أدوية غير مغطاة من الضمان، خصوصاً لجهة دواء الـRemdesivir الذي لم يتم تغطيته من الضمان، لأنه غير مسجّل في وزارة الصحة. أما في حال لم يتم استخدام مستلزمات وأدوية غير مشمولة بالضمان، فيجب أن يكون فارق فاتورة المريض متدن جداً، يقول حليحل. أما في ما خص فرض المستشفيات على المريض وضع مبلغ تأميني يصل في بعضها إلى 30 مليون ليرة، فذلك مرفوض بشكل قاطع. كما أن نظام الضمان يمنع فرض المستشفى على المريض دفع deposit. والقاعدة الأساسية هي ألا يكون دخول المريض إلى المستشفى مشروطاً بوضع مبلغ مسبق. إذ على المستشفى إدخال المريض والمباشرة بعلاجه، ومن ثم التفاهم معه على الأدوية في حال حاجتها، أو أي مستلزم آخر غير مغطى من الضمان.
أما عن حجم فارق الفاتورة لدى بعض المستشفيات، وإن كانت تشمل الأدوية والأوكسيجين في غرفة العناية، فلا يجب أن يبلغ أرقاماً خيالية، يوضح حليحل، حتى تسعيرة الأوكسيجين التي تتذرع بها بعض المستشفيات ليست ضخمة. فكميات الأوكسيجين المُستهلكة تتفاوت بين مريض وآخر، وقد تصل أحياناً إلى 60 ليتراً للمريض الواحد. لكن في شتى الأحوال، لا يجب أن تتعدى فارق تسعيرة الأوكسيجين المترتبة على المريض 2 أو 3 مليون ليرة فقط، بالحد الأقصى. وهنا نتحدث عن المرضى المتعبين، والذين يحتاجون عناية فائقة وليس عموم المرضى.
كما أن الضمان يُدخل بشكل مستمر تقديمات جديدة منها PPEs الذي أصبح مغطى من الضمان بقيمة 200 ألف بالغرفة العادية و400 ألف بالعناية الفائقة. وهذا يكلف الضمان 20 مليار ليرة سنوياً. ويلفت حليحل إلى أن الضمان لم يتوقف يوماً عن سداد السلف المالية للمستشفيات شهرياً، بقيمة 58 مليار. لكن المستشفيات هي من يقصّر عن القيام بالواجبات.
خط ساخن
الضمان وضع خطاً ساخناً (#2424) لتلقي الشكاوى من كافة المضمونين، خصوصاً في ملف مرضى كورونا والمستشفيات. وقد تعاون الضمان مع جمعية “عمال” على موضوع الشكاوى، ليكون الخط الساخن جاهزاً لتلقي الشكاوى على مدار الأسبوع ومدار الساعة، ومن الممكن لمرضى الضمان التواصل عبره، لحل أي مشكلة. فالخط يصل المريض بمراقب الضمان في المستشفى، وإذا لم تحل المشكلة تحال فوراً إلى مصلحة المراقبة الإدارية على المستشفيات.
مواضيع ذات صلة :
امرأة تكسب 10400 دولار شهرياً على “طاولة المطبخ”! | استهلاك المخيّمات للكهرباء: خسائر بملايين الدولارات والمنظّمات الدوليّة تتهرّب من الدفع | فواتير كهرباء لبنان الجديدة “مليونية”… كيف تُحتسب؟ |