عودة يسأل: ماذا يمنع انتخاب رئيس؟ ولمَ يعطل المعطلون؟
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس. وقال في عظة القاها بعد الانجيل المقدس: “ها إن ناقوس الصوم الأربعيني المقدس يقرع اليوم، مع وصولنا إلى الأحد الذي نقيم فيه تذكار طرد آدم من الفردوس، وندعوه «أحد مرفع الجبن» لأننا نرفع فيه كل الأطعمة الحيوانية عن موائدنا، لنحيا كما كان آدم الأول يعيش في الفردوس، قبل السقوط، أي إننا نحاول أن نعيش ذاك السلام الأول الذي وضعنا فيه الرب داخل الفردوس، السلام مع الطبيعة وما فيها من كائنات حية، أهمها وأولها الإنسان. تدعو كنيستنا هذا الأحد أيضا: «أحد الغفران»، لكي تذكرنا بأن أساس صومنا وعودتنا إلى الرب تثبته علاقتنا بأخينا الإنسان. اليوم يطرح المؤمن عنه كل اهتمام دنيوي، ويثبت نظره على طريق القيامة البهية. فمحبتنا للمسيح، ولمشاركته عرسه الفصحي البهي، تدفعنا إلى تجاهل كل شيء يلهينا عن الوصول. يقول الرسول بولس: «من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم إضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟» (رو 8: 34). كل هذه التي يذكرها الرسول بولس هي من نتائج العلاقة السيئة بين البشر، ووجودها في عالمنا يجب ألا يبعدنا عن مسيحنا المحب والرؤوف. علينا ألا ننظر إلى ما يتسبب به أبناء جنسنا على أنه قصاص من لدن الله، لكي لا نفقد إيماننا، فنطرد أنفسنا من فردوس النعيم والمحبة.
يأتي الصوم ليذكرنا بألا نكون من مسببي الضيقات لإخوتنا، وألا نكون حجر عثرة أمام بلوغهم الملكوت. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: «إن طعامنا وشرابنا يقيدان يدنا (عن إعطاء الصدقة والقيام بأعمال المحبة)، ويسلماننا عبيدا وأسرى للطاغية (الشيطان)… ليس الصوم أن يضع الإنسان نفسه ويحني عنقه ويفترش له مسحا ورمادا، بل أن تحل أغلال الإثم، وتقطع ربط الظلم، وتجانب المكر والغش، وتعتق المستعبدين، وتكسر خبزك للجائع، وتؤوي الغريب إلى بيتك، وتنصف الأيتام والأرامل، ولا تتغاضى عن لحمك ودمك. فإن فعلت ذلك، يشرق نورك في الظلمة».
وتابع: “الصوم لا يبعد الإنسان عن أخيه بل يدخله في شركة معه، فيصير في شركة مع الله. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: «عندما أراد النبيان العظيمان موسى وإيليا أن يقتربا من الله ويتحدثا إليه، لجأ كلاهما إلى الصوم، وبمعونة الصوم صارا في شركة مع الله». يتضح لنا هذا الأمر في إنجيل اليوم، أولا من خلال قول الرب: «إن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أبوكم السماوي أيضا، وإن لم تغفروا للناس زلاتهم، فأبوكم أيضا لا يغفر لكم زلاتكم». يعني كلام الرب أن علاقتنا مع أبينا السماوي متوقفة على حسن علاقتنا مع أخينا الأرضي أو سوئها. كما يظهر لنا الرب في كلامه أن السعي وراء المجد الأرضي وتمليقات الآخرين إرضاء للأنا هو حاجز يقف دون تحقيق الإنسان هدفه في الوصول إلى منزل الآب السماوي، إذ يقول: «متى صمتم، فلا تكونوا معبسين كالمرائين، فإنهم ينكرون وجوههم ليظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم: إنهم قد أخذوا أجرهم. أما أنت، فإذا صمت، فادهن رأسك، واغسل وجهك، لئلا تظهر للناس صائما، بل لأبيك الذي في الخفية، وأبوك الذي يرى في الخفية يجازيك علانية».
علاقة آدم وحواء، عندما كانت مقترنة بالصوم، كانت علاقة إلهية قائمة على حفظ الآخر ومحبته والحفاظ على خلائق الله. إن وصية عدم الأكل من شجرة معرفة الخير والشر كانت المنطلق الأول للصوم، وعندما نقض الإنسان هذه الوصية الأولى والوحيدة، ساءت علاقته بشريكه في البشرية، وتاليا بخالقه الذي طرده من النعيم المخلوق أصلا لأجل الإنسان، بدافع المحبة الإلهية. يقول القديس باسيليوس الكبير: «بدأ الصوم في الفردوس: لا تأكل من شجرة الخير والشر. طرد أبوانا الأولان من الفردوس بسبب عدم الصوم، أما نحن فندخل الفردوس بالصوم». إذا، عندما خسر الإنسان أقفال أبواب شفتيه، فتح باب عدن لإخراجه. نسمع في تراتيل اليوم: «إن آدم صرخ باكيا: ويح لي لأن مذاقة العود غربتني من نعيم الفردوس… إن آدم لما تناول من المآكل كمخالف طرد من الفردوس، وأما موسى فإنه مذ نقى حدقتي نفسه بالصيام صار معاينا لله».
يا أحبة، إن عالمنا يمر بأوقات عصيبة تنعكس عند البعض علاقة سيئة بالخالق، فيما يستفيد منها كثيرون ليجددوا علاقتهم بربهم بالتوبة والرجوع إلى أحضانه بعد أن حادوا عن طريقه المؤدي إلى الفردوس المنشود. إن بلدنا، بشكل خاص، واقع وسط الضيقات نتيجة سوء أفعال ذوي السلطة والمؤتمنين على إدارة البلد، وهذا سيحملونه معهم إلى حين يقفون أمام المنبر الرهيب ليقدموا حسابا عما اجترمته أيديهم بحق إخوتهم في الإنسانية، إخوة الرب يسوع «الصغار». فليصم سياسيو هذا البلد عن تعنتهم، وعن أفعالهم المؤذية بحق شعب أنهكته المصائب المتوالية ولم يجدهم إلى جانبه”.
وقال: ” أربعة أشهر مرت على شغور موقع رئاسة الجمهورية ولم يتوصل المعنيون إلى انتخاب رئيس، فحل التخبط والضياع محل انتظام عمل المؤسسات، وأدى تداخل السلطات إلى تقاذف الآراء المتناقضة، وغياب الرؤية الواضحة لطرق المعالجة. وما زلنا نسأل مع المواطنين: ماذا يمنع انتخاب رئيس؟ ولم يعطل المعطلون؟ ولم لا يتفق رافضو التعطيل على شخص يرون فيه الكفاءة والنزاهة وملكة القيادة وينتخبونه؟ وهل حسن أن يبقى البلد بلا رئيس هو بحكم الدستور «رمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه»؟ لقد فقد لبنان حضوره السياسي والدبلوماسي في العالم، وخسر مقوماته كدولة مسؤولة وقادرة على إسماع صوتها. خسر دوره ومكانته وحضوره ولم يبق منه إلا صورة الفساد والتناحر والتعطيل. الدول المحيطة بنا تحلق عاليا ونحن نتدحرج إلى أسفل. ماذا ينتظر نوابنا؟ لم لا يتحركون؟ ولم لا يحاسب الشعب نوابه على تقاعس بعضهم، وقلة مسؤولية بعضهم، وسوء تصرف آخرين؟ هل انتخبهم للتعطيل أم للعمل والإنتاج؟ وهل من وقت للعمل أنسب من هذه الأوقات العصيبة؟
وختم عوده: “صلاتنا اليوم أن يشددنا الرب إلهنا في مسيرتنا الصيامية لكي نصل إلى مشاركة ختننا في عرسه الفصحي البهي. صلاتنا أن يحفظ الرب شعبنا من كل أذية جسدية وروحية، وأن يسهل عودتنا إلى الرب الذي تغربنا عنه بسبب خطايانا، عبر التوبة ومحبة الآخر وكنز كنوز في السماء. حفظكم إلهنا المحب البشر، وبارك حياتكم، وقواكم في جهادكم الروحي وصومكم، آمين”.
مواضيع ذات صلة :
وزير الصحة زار عوده… وهذا ما كشفه عن زيادة التغطية الصحية | عوده: العدالة لا تجزأ وليست انتقائية أو كيدية وتمقت ازدواجية المعايير | المطران عوده للمسؤولين: انتخبوا رئيسًا وشكّلوا حكومة |