“صرت احملو معي وين ما كان: ابني كان كلو حياة واليوم صار معلق بصورة”
بصراحة… ليتنا نتعلم كيف نحمل معنا نعمة النسيان… لأن الواقع المرّ لن يتوقف عن رمينا ورشقنا بذكريات لن ينكوي جرحها يوما!
وقفوا أمام مجلس النواب، تمسكوا بصور “الغوالي”، هنا من حملت صورة ابنها وهناك من عانق صورة حبيبته… شباب وشابات لم يبق منهم الا رائحة الشهادة وصورا شاحبة لا حياة فيها.
وتقرأ في عيون من حملوا الصور جملة واحدة: “صرت احملو معي وين ما كان… ابني كان كلو حياة واليوم صار معلق بصورة”، هل من يسمع أو من يقرأ الألم أم أن من يسكنون هناك بين جدران الزعامة تحولوا الى أمّيي مشاعر واجتاحت مشاعرهم رياحا قطبية فتجمدوا؟”
كيف ننسى تلك الجمل التي ترددت بعد انفجار 4 آب: “حُبّك يا بيي متل القمح هو حياة بكل الظروف”، أو “جَرّب يِفتَح باب العنبر طُلِع عَم يِفتَح باب السما”…
كيف لا يجفّ دمّ قلب أم مجروحة وقفت على مدخل المرفأ تصرخ: “خلّيني شمّ ريحتو بركي اذا شاف إمّو بيطلع من تحت التراب… يمكن يقلي هياني يا امي انا فايق”!!!
“أيام وساعات ودقائق وثوان مرّت وكان الدمع الصامت سيّد الموقف، أسكتناه حتى لا يجلب الحظ السيء، انتظرنا أن يتدخل القديسون وأن يكون ابننا قد نجا بأعجوبة من تحت الردم المشؤوم، الا أن الدمع كان أعلم فرسم طريقه ليكوي قلوبنا بحرقة الوداع المشؤوم…”، وكيف لا تكوي الدموع خدودكم؟ كيف لا تشعرون بكل ذلك الألم؟!
لهؤلاء؟ هل تعتقدون أن ضحايا المرفأ هم من رحلوا فقط؟ لا و ألف لا! الضحايا هم الآباء والأبناء والأشقاء والأحباء… الضحايا من تألموا بالروح وليس فقط بالجسد… الضحية الكبرى هي تلك التي أثقلها دم ابنها الغارق تحت رماد المرفأ، أو تلك الأم التي دفنت أشلاء ابنها مرتين!
من يعيد لهم أبناءهم؟ من يعيد الحياة لابنة الـ3 سنوات التي لم تلحق أن ترى ما في هذه الحياة من حياة؟ من يعيد للعوائل معيليها؟ من يداوي الجروح ومن يمسح الدموع ومن يبلسم الألم؟
تركتموهم مثقلين يقفون أمامكم هناك حيث لا يوجد الا جدرانا قلبا وقالبا…
مؤلمة تلك الصورة… لا أعتقد أنه سيأتي يوم ننسى فيه مشهد حاملي صور الضحايا، وكأن الأحباء تحوّلوا الى أطر لصور من رحلوا على أمل اللقاء في عالم آخر لا تفجيرات فيه ولا فساد!