صاروا ميّة وأكثر
كتب زياد شبيب في “النهار“:
بالإذن من الزميل جان نخّول الذي أعدّ برنامجاً ناجحاً على شاشة الـMTV بهذا الإسم بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس “لبنان الكبير”، نستعير منه العنوان للحديث عن الليرة اللبنانية والقول بأن عمرها صحيح أنه ليس موازياً لعمر لبنان الرسمي، فهي لم تبلغ مئويتها الأولى وصدرت في وقت متأخر بعد الاستقلال على اثر الانفصال الاقتصادي بين لبنان وسوريا، لكنها سجلت مئوية من نوع آخر في مسيرة انهيارها أمام العملة الخضراء، هذا بفضل من تولّوا شؤون العامة في البلاد وأوصلوا الدولة إلى الانهيار الكبير بالتزامن مع حلول المئوية.
تخطّى سعر صرف الدولار الأميركي في السوق “الحرة” الورقة الأعلى في لائحة الأوراق النقدية التي يجيز القانون إصدارها، أي ورقة المئة ألف ليرة، وهذه الأخيرة كانت قد صدرت بناء على قانون يحمل الرقم 178 ويعود للعام 1992. في ذلك الحين كان سعر صرف الليرة قد بلغ أرقاماً قياسية كما يحصل اليوم وللغاية جرى تعديل المادة الخامسة من قانون النقد والتسليف التي تحدد فئات الأوراق النقدية، كي تسمح بإصدار فئات أعلى من العملة المسماة وطنية. وقبلها كان قد صدر قانون العام 1987 يجيز إصدار فئتي الخمسمئة والألف ليرة.
صفة “الوطنية” التي لا تزال ترافق تسمية الليرة على لسان البعض لا بد من التوقف عندها اليوم. في التعريفات الكلاسيكية للنقد أن العملة التي تصدرها دولة معينة تعبّر عن سيادتها ووحدتها وتعتبر رمزاً من رموزها الوطنية ولذلك تُطبع على العملة صور الملوك والشخصيات والمعالم التاريخية والوطنية، ويمنع القانون ويُعاقب من يقلّدها.
هذا كان قبل عصر العملات الرقمية وحتى قبل عصر اليورو. أوروبا المؤلفة من مجموعة من الدول التي ينطبق على معظمها وصف الدولة الأمّة Etat Nation تخطّت عقدة عملاتها الوطنية التاريخية، كالفرنك الفرنسي والمارك الألماني وحتى الدراخما اليوناني، وبالفعل أصبحت تلك العملات من التاريخ لصالح عملة غير وطنية لا يجمع بين الشعوب المتعاملة بها سوى المصلحة الاقتصادية بل يسود علاقات بعض تلك الشعوب مشاعر من الكراهية والعداء أحياناً. لم يصمد من تلك الرموز الوطنية سوى وجه الملكة أليزابيت الثانية الذي بقي رمزاً على العملة الوطنية حتى وفاتها ولم يدخل الجنيه الاسترليني منطقة اليورو رغم دخول بريطانيا الاتحاد الأوروبي وخروجها منه وتفكيرها مجددًا بالعودة إليه.
زالت صفة الـ”وطنية” عن العملات عند الدول – الأمم التي اخترعت فكرة القومية منذ اتفاقية ويستفاليا وصدّرتها إلى العالم ، وعندنا ما تزال الليرة توصف بالعملة الوطنية ربما بمعنى “المحلية” أي غير المستوردة، ولكنها من هذه الناحية أيضاً ليست وطنية ولا تصنع محلياً بل تُطبع في الخارج وتُكلّف عملية طباعتها عملات صعبة.
بحسب المادة الأولى من قانون النقد والتسليف إن “الوحدة النقدية للجمهورية اللبنانية هي الليرة اللبنانية واختصارها الرسمي هو ل.ل.”. والليرة اللبنانية كوحدة نقدية لم تعد موجودة منذ سنوات وقبل الإنهيار الحالي بكثير. فمنذ أن فُرض الاستقرار في سعر الصرف بداية تسعينات القرن الماضي، كانت الوحدة النقدية المتداولة قد أصبحت فعلياً ورقة “الألف ليرة”، وكان اضمحلال قيمة الليرة كوحدة نقدية قد ترتّب عليه اختفاؤها من التداول ومن الوجود الاقتصادي.
اليوم وبعد تخطي سعر الصرف عتبة المئة ألف ما تزال المئة ألف ليرة هي الأعلى بين الفئات التي يسمح القانون بطباعتها وإصدارها، وما تزال الليرة هي الوحدة النقدية رغم عدم وجودها في التداول الفعلي، هذا ما يتطلب ولأسباب “وطنية” تعديل هذه النصوص مع بدء مرحلة النهوض المنتظرة في المرحلة المقبلة.
مواضيع ذات صلة :
الدولار يتجه لتسجيل مكاسب شهرية | الدولار يستقر | الدولار يهبط والين يرتفع… ماذا عن أسعار العملات؟ |