عودة للمتخرّجين: إحذروا الأخبار الملفّقةَ
أوصى متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، المتخرجين الثانويين في ثانوية السيدة الأرثوذكسية في شارع المكحول – بيروت، بأن يحذروا “الإنزلاقَ إلى التجريحِ والإسفافِ والإستخفافِ بحياةِ الناسِ وكراماتِهم”.
وقال في حفل تخرجهم: “إحذروا الأخبارَ الملفّقةَ والإشاعاتِ الكاذبة. اعتمادُ هذه الوسائل يتطلّبُ وعياً ومسؤولية”.
وكانت ثانويّة السيّدة الأرثوذكسيّة، أقامت مساء اليوم، حفل تخريج 86 متعلماً، في حضور الأهالي والهيئتين التعليميّة والإداريّة في المدرسة، وبرعاية المطران عودة.
بدأ الاحتفال بصلاة شكر وبركة، تبعها النشيد الوطني اللبناني ونشيد المدرسة، ومن ثمّ توجه عودة بكلمة إلى المتخرّجين ألقتها مديرة المدرسة بيبسان عيسى.
وقال المطران عودة في كلمته: “على مشارف حَقَبَةٍ جديدةٍ من عمرِكم أودُّ أولاً أن أهنِّئَكم على نجاحِكم وعبورِكم مرحلةَ الدراسةِ الثانويةِ إلى المرحلةِ الجامعيةِ حيثُ الأفقُ أوسعُ والتحدِّياتُ أكبرُ والمسؤوليةُ أعمق.
السنواتُ الأخيرةُ لم تكنْ سَهلةً عليكم، كما كانت صَعبةً على جميعِ اللبنانيين، وعلى ذَويكم. فبالإضافةِ إلى الجائحةِ التي أصابتْ لبنانَ كما أصابتْ العالمَ أجمع، عانى لبنانُ من تراجعٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ واجتماعيٍّ وماليٍّ وخلقيٍّ جَعَلَه في عِدادِ الدُولِ الفاشِلة، بعدَما كانَ لؤلؤةَ هذا الشرقِ وجامعتَه ومدرستَه ومستشفاه ومَطبعتَه ومُلتقى الأحرارِ والمُثقفين والمُبدعين. أما عاصمُتنا الحبيبةُ بيروت فقد عانتْ مرتَين: مرةً كَمِثْلِ كلِّ لبنان، ومرةً بسببِ تفجيرِ مَرفئِها الذي أودى بما يفوقُ المئتين من أبنائها، وأصابَ الآلافَ منهم، وهدّمَ مَبانيها، وأظلمَ طرقَها، وقَلَبَ حياةَ أهلِها الذين ما زالوا يــنتَظِرون انتهاءَ التحقيقِ والعدالةَ. مَدارسُكم لم تَسْلَمْ من ذاك الزلزال، وقد أُصيبتْ مبانيها، وشُوِّهتْ صفوفُها وملاعبُها، وحُرمتم من ارتيادِها لفترةٍ ليستْ بقصيرة. وكلُّ هذا وَلَّدَ غَضباً في النفوس، يُرافقه قَلَقٌ على المستقبلِ والمصير. ومما زادَ الأمرَ سوءاً ما تَسمعونه عن فسادٍ يَسودُ في مُعظمِ الإداراتِ الرسمية، ومَصالحَ تُسَيِّرُ معظمَ الحُكّامِ والزعماء، بالإضافةِ إلى عدمِ احترامِ القوانين، وتَخَطّي الدستور، وهو ناظمُ حياةِ الدولةِ والمواطنين، والإستهتارِ بكلِّ الإستحقاقاتِ وأوّلُها انتخابُ رئيسٍ للبلاد”.
وتابع: “في هذا الخِضَمِّ، أنتم العلاماتُ المُضيئةُ التي تَبعَثُ على الأملِ لأنكم مُستقبلُ هذا البلدِ وصانِعو مَصيرِه. أنتم الخميرُ القليلُ الذي نأملُ أنْ يُخمِّرَ العجينَ كلَّه. أنتم الملحُ الذي سيُضفي النكهةَ على حياةِ هذا البلد. «ولكن إنْ فَسُدَ الملحُ فبماذا يُمَلَّح؟ لا يَصْلُحُ بعدُ لشيءٍ إلاّ لأن يُطرَحَ خارجاً ويُداسَ من الناس» (متى 5: 13) يقولُ الربُّ يسوع”.
وأوصى المطران عودة في كلمته المتخرجين: “كونوا أحراراً من كلِّ شرٍّ وتَعَصُّبٍ وضَلالٍ وتَعَنُّت. إبتغوا الحقَّ والخيرَ والعدلَ والصلاح. لا تنقادوا وراءَ زعيمٍ مُحَرِّضٍ أو قائدٍ مُنغلِقٍ أو رفيقٍ متعصِّب. كونوا أمناءَ لما اكتسبتموه من ذويكم وما تعلّمتموه في مدرستِكم. ليكنْ العلمُ والأخلاقُ زادَكم في طريقِكم إلى المستقبل. لتكنْ القِيَمُ التي نشأتم عليها في مدرستِكم الضوءَ الذي ينيرُ طريقَكم. ليكنْ إيمانُكم بالله وإخلاصُكم لوطنِكم ثابتَيْن في حياتِكم، والصدقُ والأمانةُ والنزاهةُ واحترامُ الذاتِ وقبولُ الآخرِ ومحبتُه صفاتٍ ملاصقةً لشخصيتِكم، تقودُها في طريقِ البحثِ عن النجاح. كونوا قُدوةً في الأخلاقِ، في الوطنيةِ، في الإنسانيةِ، وفي العلم”.
وتابع: “بما أننا في عصرِ وسائلِ التواصلِ الإجتماعي، أوصيكم أن تَحذروا الإنزلاقَ إلى التجريحِ والإسفافِ والإستخفافِ بحياةِ الناسِ وكراماتِهم. إحذروا الأخبارَ الملفّقةَ والإشاعاتِ الكاذبة. اعتمادُ هذه الوسائل يتطلّبُ وعياً ومسؤولية. لا تَدَعوها تُسيطرُ على حياتِكم وتَستنزفُ وقتَكم، أو تحرُمُكم من العلاقاتِ الإنسانيةِ الضروريةِ وتُبعدُكم عن أهلِكم وأصدقائِكم. يقولُ الرسولُ بولس: «كلُّ الأشياءِ تَحُلُّ لي لكن ليس كلُّ شيءٍ يوافق. كلُّ الأشياءِ تَحُلُّ لي لكن لا يتسلّطُ عليّ شيءٌ» (1 كورنثوس 6: 12). إنتقوا ما يُفيدُكم منها وتَجاهلوا كلَّ ما يُسيءُ إليكم ويُفسِدُ حياتَكم”.
وجاء أيضا في الكلمة: “إفتدوا الوقتَ ولا تُضَيِّعوه لأنه ثمينٌ، والفرصةُ التي تفوتُ لا تعود. إحذروا الإستغلالَ والنِفاقَ والمُراوغة. فالإنسانُ الصادقُ، المُحِبُّ، الوديعُ، والرحومُ يُوفِّقُه اللهُ ويَحترِمُه مَن يتعاملُ معه. يقولُ النبي داود في المزمور50 «القلبُ المُتَخَشِّعُ والمتواضِعُ لا يَرذُلُه الله».
وختم عودة كلمته: “لقد أوصانا الربُّ يسوع أن نكونَ نوراً يَشُعُّ إيماناً ومحبّة، «والنورُ في الظلمةِ يضيءُ» (يوحنا 1: 5). أملُنا أن تكونوا النورَ الذي يُضيءُ ظلمةَ بلدِنا ويُبشِّرُ بأيامٍ أفضل”.
كما وألقت ريما كسروان كلمة الأهل شاكرة لإدارة “ثانوية السيدة الأرثوذكسية” جهودها المبذولة. وتلى ذلك تسليم الشّهادات للخرّجين؛ ومن ثمّ تكرّمت جمعيّة القدّيس بورفيريوس التابعة لمطرانية بيروت بتقديم جائزة نقدية قيّمة للمتعلّمة دينا أبو غالي، تقديرًا لمثابرتها خلال مسيرتها الدّراسيّة.
كما وألقى المتعلّم كريم ناصر كلمة الخرّيجين وأثنى فيها على “الدور الفعّال الذي تقوم به ثانوية السيدة”. وأكد على التصميم لمواجهة تحديات المستقبل وإحداث التغيير البنّاء، وكذلك خصّ الأهل والمربّين بلفتة شكرٍ وتقدير.
وكان لدفعة المتخرّجين محطات غنائية خلال الحفل ما زاد من رونقه.
مواضيع ذات صلة :
عودة: لبناء دولة قوية لا تكون ورقة مساومة أو ساحة تصفية حسابات | “لبنان يُدمّر ويغرق بمن فيه”.. المطران عودة يُطلق الصرخة “لانتخاب رئيس يُفاوض باسمنا” | المطران عودة: لانتخاب رئيس يفاوض باسم لبنان |