هذا السؤال يطرحه الحريري على من يلتقيهم في الخارج
كتب منير الربيع في “المدن”:
لا تنحصر زيارات الرئيس سعد الحريري في تعزيز علاقاته السياسية واستعادة مكانته الإقليمية والدولية، بل هي تتجاوزها إلى ماهو أبعد وأعمق.
هل لبنان موجود؟
وهناك سؤال أساسي يطرحه الحريري على رؤساء الدول: هل لا يزال لبنان محط اهتمام إقليمي ودولي، وهل هناك حرص على بقائه كياناً مستقلاً؟ أم أن هناك تعمّداً في إهماله وإدارة الظهر له، ليتهدم ما تبقى من لبنان الكبير وما يسمى دولة المؤسسات، لصالح صيغة جديدة على غرار ما حصل في سوريا والعراق واليمن؟
وهذا سؤال لبناني وجودي، يحاول الحريري إثارته في جولاته، لاستشراف آفاق المرحلة المقبلة، في ضوء إدارة أميركية جديدة متحمسة جداً لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران. ومن أسئلة هذه المرحلة أيضاً ما إذا كان الاتفاق الجديد يشمل الصواريخ البالستية والنفوذ الإيراني في المنطقة، أم أنه يهملها لمزيد من التغول الإيراني؟ على غرار ما حصل أثناء ولاية باراك أوباما.
ويمكن القول إن الحريري هو أكثر من تلقى صدمات وإخفاقات وإحباطات منذ دخوله الحياة السياسية في العام 2005. وهذا فيما كان حزب الله ومن ورائه إيران يحققان انتصارات متلاحقة، ليتحول لبنان ساحة من ساحات السيطرة الإيرانية غير القابلة للتفاوض الكلّي، إنما للتفاوض على بعض النقاط والمسائل التفصيلية، كتهدئة الجبهة الجنوبية، وتشكيل الحكومات. وحالياً، تضاف إلى ذلك مسألة ترسيم الحدود الجنوبية، وإعادة النظر في الحدود المفتوحة والمشرعة بين لبنان وسوريا بحماية طهران وحلفائها.
تدويل تلقائي
لم يتخذ الحريري موقفاً واضحاً من دعوات البطريرك الماروني بشارة الراعي لتدويل الأزمة اللبنانية. لكن حركته الإقليمية والدولية، كافية للتأكيد أن الأزمة اللبنانية مدولة، في سياق واضح: سعي لبناني لاستقطاب الاهتمام العربي الدولي، بدلاً من استمراره مهملاً. وهو إهمال سمح ويسمح لحزب الله ومن خلفه إيران، بالتحكم أكثر فأكثر بالوضع اللبناني.
لكن الحريري لا يريد المطالبة بالقرار 1559، كما حصل في العام 2005، كي لا يصطدم مجدداً بالنتائج نفسها. ولا يريد الدخول في مواجهة مباشرة مع حزب الله، فتنعكس توتراً مذهبياً سنياً – شيعياً في الداخل. لذلك يفضل التحرك تحت سقف الاستقرار السياسي، والتعاطي بواقعية مع موازين القوى القائمة. وهذا من دون أن يعارض ما يطرحه البطريرك، ولا يكون رأس حربة فيه.
هذه الفكرة تلازم الحريري في جولاته، من زيارته الإمارات إلى مصر وفرنسا، وحالياً في تحضيره لزيارة موسكو، يلتقي خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهي استكمال لزياراته دولاً مهتمة بالملف اللبناني، للبحث في إمكان وجود رؤية دولية موحدة تجاه لبنان، وما إذا كانت هناك رغبة للحفاظ عليه أم إسقاطه، على طريقة إسقاط النموذج العراقي والسوري؟
معادلة حريرية جديدة
ويأتي هذا التحرك بعد موقف روسي داعم للحريري في تشكيل الحكومة. وبعد رسالة واضحة أبلغها نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لجبران باسيل في اتصال بينهما، بأن موسكو تؤيد الحريري، ولا بد من تسهيل تشكيل الحكومة من دون فرض شروط من نوع الثلث المعطل.
ويسعى الحريري في جولاته إلى توفير طوق إقليمي ودولي لحركته ودوره، يعزز مكانته السياسية مستقبلاً، ويدفعه إلى الإمساك بخيوط خسرها سابقاً، ومن شأنها أن تفتح له أبواباً سياسية جديدة، سواء مع الولايات المتحدة الأميركية، أو مع المملكة العربية السعودية. وهذا من دون الانجراف خلف أي مشروع سياسي من شأنه أن يخسره ما راكمه داخلياً، ومن دون الاستسلام لواقع داخلي يحجب عنه الغطاء الخارجي.
مواضيع ذات صلة :
بعد قرار بايدن.. أوكرانيا تنفذ أول هجوم بصواريخ “أتاكمز” | بوتين يُحدّث “العقيدة النووية”.. محاولة روسيّة لرسم “خط أحمر” للولايات المتحدة وحلفائها | روسيا تدخل المشهد بقوة… |