العين على “البحر الأحمر”.. كارثة عالمية دفعت ثمنها التجارة!
المواجهات المتكررة بين الحوثيين والولايات المتحدة وبريطانيا تصاعدت في الآونة الأخيرة في البحر الأحمر (أحد أهم طرق الشحن في العالم) فقد تعرضت كثير من السفن لهجمات الحوثيين الذين قالوا إنهم يسعون إلى قطع روابط الشحن مع إسرائيل، لإجبارها على إنهاء حربها على غزة، وبعد استهداف أميركا وبريطانيا مواقع متعددة في جميع أنحاء اليمن، وسع الحوثيون هجماتهم لتشمل السفن البريطانية والأميركية.
ونتيجة لذلك، تتجنب مئات السفن قناة السويس التي تقع في الطرف الشمالي الغربي للبحر الأحمر، وتبحر مسافة 4000 ميل إضافية حول أفريقيا، لتستهلك مزيداً من الوقود، وتضيف 10 أيام من السفر أو أكثر إلى رحلتها.
كيف أثّرت عمليات الحوثيين على التجارة عبر البحر الأحمر ؟
نشر موقع “فاينانشال إكسبرس” الدولي تقريراً تحدث فيه عن أزمة البحر الأحمر وتأثيرها على التجارة العالمية، مستعرضاً الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة.
وقال الموقع، في تقريره، إن حركة المقاومة اليمنية “أنصار الله” أطلقت وابلاً من الصواريخ والقذائف على إسرائيل رداً على القصف الإسرائيلي ضد قطاع غزة.
وأشار الموقع إلى أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أطلقت في 12 كانون الثاني عملية بحرية لدعم وحماية السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، مستهدفة مواقع متعددة في جميع أنحاء اليمن ردًا على الهجمات على السفن المتجهة إلى إسرائيل. وهذه الهجمات الأميركية والبريطانية على اليمنيين لها أجندة أوسع بكثير؛ كما أنها تساعد إسرائيل على الاستمرار في تحدي حكم محكمة العدل الدولية الذي يطالبها بوقف الإبادة الجماعية في غزة. وترسل هذه الهجمات أيضًا رسالة واضحة إلى إسرائيل مفادها أن الحلفاء الأميركيين والأوروبيين سيواصلون الوقوف إلى جانبها حتى في ظل ارتكابها إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة.
وأضاف الموقع أنه في حين تصر الولايات المتحدة على أنها لا تسعى إلى الصراع في المنطقة، فإن هدفها الوحيد هو الإطاحة بالحكومتين السورية والإيرانية – اللتين ظلتا ثابتتين في دعمهما للفلسطينيين. وقد صمدت حركة أنصار الله أمام الأعمال العسكرية طويلة الأمد للدول المجاورة التي تلقت المساعدة العسكرية من الولايات المتحدة.
وبينما هاجمت قوات أنصار الله في البداية السفن المرتبطة بإسرائيل فقط في البحر الأحمر تضامناً مع الفلسطينيين، فقد وسعت الآن هجماتها لتشمل السفن البريطانية والأمريكية بعد أن شنت واشنطن ولندن ضربات جوية في اليمن. ويقولون الآن إن الهجمات الموسعة، التي عطلت التجارة العالمية، ستتوقف عندما توقف إسرائيل الحرب في غزة.
تفاقم “خطير”
وأكد الموقع أن الوضع في البحر الأحمر تفاقم بشكل خطير للغاية بعد الهجمات التي قادتها الولايات المتحدة على اليمن والتي بدأت في 11 كانون الثاني، كما يتضح من البيان الذي أدلى به عمرو الصمدوني، الأمين العام لقسم النقل الدولي واللوجستيات في غرفة تجارة القاهرة في الثاني من كانون الثاني 2024. وقال إن التوترات التي تشهدها منطقة البحر الأحمر بسبب جماعة أنصار الله لم تؤثر بشكل كبير على الملاحة في قناة السويس.
ووفقًا لقناة الجزيرة، فإن إسرائيل، أول هدف مباشر مقصود للحوثيين، قد شعرت بالفعل بتأثير التجارة البحرية المعطلة. وتوقفت حركة المرور عبر ميناء إيلات الجنوبي، الواقع في المدينة التي تعد أيضًا مقصدًا سياحيًا، ويبدو المستقبل المنظور غير مؤكد مع احتدام الحرب. في الوقت نفسه، تواصل سفن الحاويات الصينية المرور عبر قناة السويس دون أي عوائق. والآن، بسبب الهجمات الأمريكية على اليمن وردها العسكري على تلك الهجمات الأمريكية والهجمات المستقبلية المحتملة، قامت العديد من أكبر شركات الشحن في العالم بتحويل سفنها بعيدًا إلى طريق أطول بكثير حول رأس الرجاء الصالح في إفريقيا ثم إلى الساحل الغربي في أفريقيا.
ووفقاً لشركة “إس إن بي غلوبال ماركت إنتليجنس”، فإن ما يصل إلى 15 في المئة من البضائع المستوردة إلى أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا تم شحنها من آسيا والخليج عن طريق البحر. ويشمل ذلك 21.5 في المئة من النفط المكرر وأكثر من 13 في المئة من النفط الخام. كما تضم القائمة جميع أنواع السلع الاستهلاكية مثل الإلكترونيات والملابس والأحذية. والتفاف السفن عبر رأس الرجاء الصالح سيضيف حوالي 20 يومًا إضافيًا لمدة شحن البضائع إلى الموانئ الأوروبية. وينعكس هذا بالفعل في انخفاض أحجام التجارة المجمعة لأوروبا.
وتظهر مؤشرات التجارة الصادرة عن معهد كايل للاقتصاد العالمي لشهر كانون الأول أن الصادرات من الاتحاد الأوروبي والواردات إليه انخفضت بنسبة 2 في المئة و3.1 في المئة على التوالي. ويضيف التقرير أن الولايات المتحدة شهدت انخفاضًا بنسبة 1.5 في المئة في الصادرات وانخفاضًا بنسبة 1.0 في المئة في الواردات، على الرغم من أن طريق قناة السويس يلعب دورًا أقل بكثير بالنسبة للولايات المتحدة مقارنة بأوروبا.
وأشار معهد كايل للاقتصاد العالمي إلى أن التجارة العالمية انخفضت بنسبة 1.3 في المئة في الفترة من تشرين الثاني إلى كانون الأول 2023 نتيجة للهجمات في البحر الأحمر، كما انخفض حجم الحاويات المنقولة عبر البحر الأحمر بأكثر من النصف اعتبارًا من كانون الأول ويبلغ حاليًا ما يقارب 70 في المائة أقل من الحجم المتوقع عادة.
ونوه الموقع بأنه من المتوقع أن تتكبد أوروبا ودول منطقة البحر الأبيض المتوسط أكبر الخسائر إذا استمر الهجوم الذي تقوده الولايات المتحدة على اليمن. ومن المرجح أن يستمر الوضع على المدى الطويل، حيث تأثرت العديد من السفن التي تنقل البضائع من وإلى تلك البلدان.
أبرز الشركات التي علقت أو غيّرت مسار سفنها بعد الهجمات على البحر الأحمر
تصاعدت قرارات شركات وهيئات ملاحة بحرية دولية وعالمية بإيقاف وتعليق وتغيير مسار مرور سفنها عبر البحر الأحمر، في أعقاب هجمات (الحوثيين) على سفن قالوا إنها متجهة لإسرائيل.
وقالت المجموعة اللوجيستية العالمية (سي إتش روبنسون) أنها غيّرت مسار ما يربو على 25 سفينة لتبحر حول طريق رأس الرجاء الصالح الأسبوع الماضي، ومن المرجح أن يستمر هذا العدد في النمو.
وأضافت “من المتوقع إلغاء المرور بموانئ أو مناطق في مسارات السفن، وارتفاع الأسعار فيما يخص العديد من تحركات التجارة في الربع الأول من 2024”.
بدورها، قالت مجموعة الشحن الفرنسية “سي إم إيه- سي جي إم” إنها أعادت توجيه بعض السفن عبر طريق رأس الرجاء الصالح، وأصدرت تعليمات لجميع سفن الحاويات الأخرى التي كان من المقرر أن تمر عبر البحر الأحمر للوصول إلى مناطق آمنة وإيقاف رحلاتها حتى إشعار آخر.
كما أوضحت المجموعة أنها ستفرض رسوماً إضافية على عمليات الشحن بسبب طول المسافة.
أما شركة ناقلات النفط البلجيكية “يوروناف” قالت إنها ستتجنب منطقة البحر الأحمر حتى إشعار آخر، في حين قالت مجموعة “فرونت لاين” لناقلات النفط -ومقرها النرويج- في اليوم نفسه إن سفنها ستتجنب المرور عبر البحر الأحمر وخليج عدن.
من جهتها، قالت شركة إيفرغرين التايوانية لشحن الحاويات الاثنين الماضي إن سفنها في الخدمات الإقليمية المتجهة إلى موانئ البحر الأحمر ستبحر إلى المياه الآمنة القريبة في انتظار إشعار آخر، في حين ستتم إعادة توجيه السفن المقرر أن تمر عبر البحر الأحمر إلى طريق رأس الرجاء الصالح، كما توقفت مؤقتاً عن قبول نقل البضائع الإسرائيلية.
أما شركة الشحن النرويجية المتخصصة في ناقلات شاحنات السيارات قالت إن سفنها مُنعت من المرور عبر البحر الأحمر، في حين أعلنت شركة شحن الحاويات الألمانية هاباغ لويد في اليوم نفسه أنها ستعيد توجيه 25 سفينة بحلول نهاية العام لتجنب قناة السويس والبحر الأحمر، مشيرة إلى أنها ستتخذ قرارات أخرى نهاية العام.
كما قالت شركة شحن الحاويات الكورية الجنوبية “إتش إم إم” إنها أمرت منذ 15 كانون الأول الجاري جميع سفنها القادمة من أوروبا والتي عادة ما تمر من قناة السويس بأن تغيّر مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح لمدة زمنية غير محددة.
من جانبها، قالت شركة الشحن النرويجية “هوغ أوتولاينرز” إنها ستوقف العبور في البحر الأحمر بعد أن رفعت هيئة الملاحة البحرية النرويجية مستوى الإنذار بالنسبة للجزء الجنوبي من البحر إلى أعلى مستوى.
وأوقفت مجموعة الشحن الدانماركية جميع الشحنات عبر البحر الأحمر مؤقتاً حتى إشعار آخر في أعقاب “حادث وشيك” كاد يقع لسفينة تابعة لها.
وذكرت “ميرسك” أنها ستغير مسار سفنها لتبحر حول طريق رأس الرجاء الصالح، وأنها ستفرض رسوماً إضافية على نقل الحاويات في المسارات المتأثرة بذلك.
أما شركة البحر المتوسط للشحن “إم إس سي” قالت إن سفنها لن تمر عبر قناة السويس، وإن بعضها تم تحويل مساره بالفعل لرأس الرجاء الصالح بعد يوم من إطلاق الحوثيين صاروخين باليستيين على إحدى سفنها.
كما قررت “أوشن نتورك أكسبرس” (وان) -وهي مشروع ياباني مشترك بين شركات ميتسوي أو إس كيه لاينز ونيبون يوسن وكاواساكي كيسن كايشا- الثلاثاء الماضي تغيير مسار السفن بعيداً عن قناة السويس والبحر الأحمر. بدلاً من ذلك، ستبحر سفنها حول رأس الرجاء الصالح، أو توقف رحلاتها مؤقتاً وتنتقل لمناطق آمنة.
وأعلنت شركة “أورينت أوفرسيز كونتينر لاين”، ومقرها هونغ كونغ، أنها أمرت سفنها بتغيير مسارها أو وقف الإبحار إلى مياه البحر الأحمر، كما أوقفت شركة الشحن المملوكة لشركة “أورينت أوفرسيز (إنترناشونال)” المحدودة قبول البضائع من إسرائيل وإليها حتى إشعار آخر.
كما قالت مجموعة “ولينيوس فيلهلمسن” النرويجية إنها ستوقف جميع رحلاتها في البحر الأحمر حتى إشعار آخر، مشيرة إلى أن تغيير مسار السفن إلى رأس الرجاء الصالح سيزيد زمن الرحلات من أسبوع إلى أسبوعين.
بدورها، قالت شركة الشحن البحري التايوانية “يانغ مينغ” إنها ستحوّل مسار سفنها المبحرة عبر البحر الأحمر وخليج عدن إلى رأس الرجاء الصالح خلال الأسبوعين المقبلين.
يذكر أن الولايات المتحدة أعلنت عبر وزير دفاعها لويد أوستن تشكيل تحالف متعدد الجنسيات، تشارك فيه بريطانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج والبحرين وسيشيل وإسبانيا، عبر دوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وذلك ضمن ما أطلق عليها عملية “حارس الازدهار”.
كما قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن أكثر من 20 دولة في المجمل وافقت على المشاركة في التحالف الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة لحماية حركة التجارة في البحر الأحمر.
ومع ذلك، فإن العدد الإجمالي الجديد يشير إلى أن 8 على الأقل من الدول التي قررت الانضمام لتلك الجهود ترفض الكشف عن مشاركتها علناً، في إشارة إلى الحساسيات السياسية للعملية مع تصاعد التوترات الإقليمية نتيجة الحرب بين حماس وإسرائيل.
كما ردت جماعة الحوثي أن هذا التحالف لن يوقف عملياتها بالبحر الأحمر، التي تأتي بهدف مساندة الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، و”ليست استعراضاً للقوة ولا تحدياً لأحد”، وفق المتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام.
مواضيع ذات صلة :
هل تعود السفن غير المرتبطة بإسرائيل إلى البحر الأحمر؟ | وفاة سائح في “هجوم لسمكة قرش” بمرسى علم | غرق شاب في بحر عمشيت |