الأبيض: التحلي بإرادة التغيير السبيل لتخفيف تكاليف القطاع الصحي وتحويله إلى منتج
نظم اتحاد رجال الأعمال للدعم والتطوير “إرادة” في فندق فينيسيا، مؤتمره الثاني للصحة العامة تحت عنوان “قطاع الصحة العامة في لبنان: مشاكل وحلول” برعاية وحضور وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الاعمال فراس الأبيض، العميد احمد شمص ممثلا قائد الجيش والمقدم حبيب عبده من جهاز الطبابة العسكرية وعدد من الشخصيات النقابية الطبية والاستشفائية والجامعية والشركات الضامنة والمتخصصة باستيراد الادوية والمستلزمات الطبية وأركان القطاع الصحي والطبي والنقابي من مختلف الاختصاصات.
افتتح المؤتمر بالنشيد الوطني، فكلمة فداء صيداني التي رحبت بالمشاركين في المؤتمر. وبعدها عرض فيلم وثائقي يعرف بجمعية “إرادة” تضمن اشارة الى نشاطاتها واهدافها منذ التاسيس والبرامج التي نظمتها لترجمة الأهداف التي شكلت من أجلها.
بداية كانت كلمة لرئيس جمعية “إرادة” المهندس عبد السميع الشريف الذي رحب براعي المؤتمر والمشاركين فيه من أركان القطاع الطبي والصحي، معبرا عن سروره بعقد هذا المؤتمر، واضعا إياه في اطار المبادرات والنشاطات التي اطلقتها “إرادة” ايمانا منها بواجباتها تجاه مجتمعها.
وبعدما أشار الى ما تقوم به الجمعية، عدد المشاريع الانمائية والاجتماعية التي نفذتها مثل اضاءة طريق المطار واستكمال اضاءة وسط بيروت وشارع فردان وتشغيل العديد من إشارات السير. وقال: “ان العمل جار اليوم لاضاءة نفق صائب سلام”.
كما تناول التحضيرات الجارية من أجل المساعدة في دفع العجلة الاقتصادية وتشغيل اليد العاملة كما على المستوى الثقافي. وبعدما كشف عن خطة لنشر مكاتب الجمعية في طرابلس والبقاع والجنوب، تحدث عن مذكرة تعاون مع وزارة البيئة لزرع مليون شجرة في مناطق عدة من لبنان.
وعدد الصعوبات غير المسبوقة التي نعيشها معتبراً ان الطريق طويل في مواجهة التحديات التي فرضتها اسرائيل وازمة النازحين السوريين والتلوث البيئي الى باقي المشاكل التي يعانيها لبنان.
وختم بالدعوة الى “العمل في مواجهة التحديات التي نواجهها من أجل إسترجاع دور لبنان الصحي إقليميا ودوليا وتحقيق الأهداف المنشودة”.
وبعدها كانت كلمة رئيس المؤتمر الدكتور عبد السلام حاسبيني الذي عدد الصعوبات التي تواجهنا في لبنان وفي الصحة العامة خصوصا و”هي لن تثنينا عن العمل سويا كوني اخصائيا في جراحة الأذن والأنف والحنجرة وترميم الوجه والعنق”.
أضاف: “لكنني كطبيب أرى ان الاهم هو العمل الدؤوب لدعم مراكز الرعاية الصحية الاولية، ودعم “رؤيا 2030″ لوزارة الصحة العامة. وبذلك نستطيع الوصول الى الطب الوقائي الذي يساعد المواطنين اللبنانيين اولا وخفض الفاتورة الاستشفائية تاليا”.
وختم حاسبيني: “ان الاهم من كل ذلك ان نعمل سويا في القطاع العام والخاص، داعمين “رؤيا 2030″ للمضي قدما في اصلاح القطاع الصحي وتطويره لنعود كما كنا مستشفى الشرق الاوسط”.
بعدها كانت كلمة راعي المؤتمر الذي استهل كلمته بالتنويه بـ”الإصرار على انعقاد مؤتمر جمعية إرادة وسط الظروف البالغة الصعوبة التي يشهدها لبنان، لأنه يظهر أن لدى لبنان قطاع أعمال مهما يدفع البلد ليس فقط إلى الصمود بل التقدم إلى الأمام، وهو ما يحفز على الأمل الكبير باستعادة لبنان مكانته في مقدمة الأنظمة الصحية في المنطقة”.
ثم توقف الأبيض أمام العلاقة بين قطاعي الصحة والأعمال، وما إذا كان قطاع الصحة قطاعًا مكلفًا أم قطاعًا منتجًا. وقال: “مما لا شك فيه أن التغطية الصحية تشكل جزءا مهما من الموازنات التشغيلية للشركات، وان تراجع المؤشرات الصحية سوف تؤدي إلى زيادة هذه النفقات، قلقًا جديًا في هذا المجال، فمثلا سبعين في المئة من المجتمع في لبنان بحسب منظمة الصحة العالمية هم مدخنون ما يعني تزايد احتمالات الإصابة بأمراض متعددة. وبالفعل تتزايد في لبنان الإصابات مثل السرطان لدى الفئات الفتية والشابة ويشير بعض الدراسات إلى إمكان أن يصيب السرطان أعمارًا في لبنان أصغر بعشر سنوات من أعمار في بلدان أوروبية، وكذلك يلاحظ تزايد عدد المصابين بالأمراض المزمنة”.
أضاف أن: “هذا الواقع يؤدي إلى زيادة تكلفة تغطية العاملين على المؤسسات وكذلك على الدولة. ولفت في هذا المجال إلى أن المؤشرات الحالية تحتم تخصيص جزء كبير من موازنة الدولة لوزارة الصحة لإعطاء الأولوية لتغطية تزايد أعداد المرضى وذلك على حساب النفقات الإستثمارية الضرورية لتطوير البلد”، مشددا على “ضرورة تغيير هذا الواقع غير الجيد من خلال إرساء مقاربة تكون ركيزتها العمل على الوقاية وتمتّع أفراد المجتمع بعادات وحياة صحية جيدة ما يحقق استقرارًا وتوازنًا يصبان في مصلحة الجميع أفرادًا ومؤسسات قطاع خاص ومؤسسات قطاع عام”.
واسف الأبيض في هذا السياق للمعارضة التي لقيها مجلس الوزراء لدى محاولته زيادة الضرائب على التبغ، وذكر أن هناك دراسات تشير إلى زيادة بنسبة ثلاثين في المئة للمدخنين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و16 سنة. وسأل: “عن أي مستقبل صحي نتحدث وسط هذا الواقع؟”
وتطرق الى مسألة إنتاجية قطاع الصحة، فلفت الى أن “قطاع الصحة يشكل في عديد من الدول ما نسبته 18 إلى 20 في المئة من الناتج القومي. فهذا القطاع يفتح الباب لاستثمارات كبيرة من خلال إنشاء مصانع وشركات ومؤسسات متعددة ويفسح المجال تاليًا لتوظيف أعداد كبيرة من الاختصاصيين والعاملين. وبالفعل شكلت هذه الأزمة فرصة لقطاعات معينة بالصحة مثل قطاع صناعة الدواء لتتوسع من إنتاجيتها”.
وقال: “إن رؤيتنا بالنسبة إلى قطاع الصحة لا تقتصر فقط على التخفيف من تكاليفه، إنما تتعدى ذلك إلى تحويله إلى قطاع منتج جدا بشرط إدارته بطريقة جيدة تحقق الفائدة للبلد على الصعيدين الصحي والإقتصادي”.
وتابع محذرًا من أن “جهات عدة في لبنان تبدي رغبتها في الوقت الراهن بالعودة إلى ممارسات 2018 وما قبل، فيما من المعروف أن هذه الممارسات هي التي أسهمت في الأزمة المالية ولا يمكن العودة إليها بل يجب إيجاد السبيل الجديد للمضي قدمًا بنظام صحي مستقر ومتوازن وعادل”. وقال: “يجب أن نتحلى بإرادة للتغيير. هناك بلدان مرت بأزمات على غرار أزمة لبنان واستطاعت أن تغير وتتقدم للأفضل ولكل بلدانًا كثيرة أخرى لم تستطع أن تحقق شيئًا. نحن في هذا الوقت أمام هذا الخيار بين التغيير والتقدم أو العودة إلى ممارسات سابقة ثبت خطرها وعدم جدواها”.
وختم الوزير الأبيض مشددًا على “ضرورة أن تكون الرؤيا للقطاع الصحي بعيدة المدى بهدف إصلاح النظام، ولا تقتصر على إدارة الأزمة بل أن نمضي قدمًا في التأسيس لنظام يغلّب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية وإلا فمن المستحيل أن نتقدم”.
بعد ذلك عقدت الجلسة الاولى التي ادارها الدكتور في كلية الصحة العامة في الجامعة الاميركية فادي الجردلي التي تناولت مصير توصيات المؤتمر الأول لجمعية “إرادة” الذي عقد في شباط العام الماضي وآلية تنفيذها من ضمن “رؤيا 2030” . وشارك فيها الى جانب الوزير الابيض كلا من النائب الدكتور غسان سكاف، نقيب المستشفيات سليمان هارون، نقيب الاطباء يوسف بخاش، المقدم حبيب عبده من جهاز الطبابة العسكرية، ايلي نسناس من شركات التامين، الدكتورة عبير كردي علامة من نقابة الممرضات ويحيى حلواني.
وتناول المتحدثون التحديات المطروحة على القطاعات الطبية و الصحية والاستشفائية والدوائية من مختلف جوانبها في ظل الاوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد ومعها مختلف المؤسسات الضامنة الرسمية والخاصة وما يمكن القيام به من أجل مواجهة المصاعب التي يواجهها القطاع على مختلف المستويات بعد تحديد العقبات التي حالت دون تحقيق ما تقرر حتى اليوم. واجمع المنتدون على اهمية التعاون بين مختلف القطاعات الطبية والاستشفائية لتطبيق القوانين واستكمال وضع المراسيم التطبيقية لعدد منها وتلك التي لم تطبق حتى اليوم.
وبعد استراحة قصيرة، عقدت الجلسة الثانية التي تحدثت فيها كلا من رئيسة نقابة الصناعات الدوائية في لبنان الدكتورة كارول أبي كرم، وكبيرة المسؤولين عن السلامة والجودة التنظيمية في شركة “مِرساكو” الدكتورة نظيرة حمادة
تحدثت رئيسة نقابة الصناعات الدوائية في لبنان ومديرة عامة شركة “فارمالاين” الدكتورة كارول أبي كرم عن “إبراز إمكانات صناعة الأدوية في لبنان نحو رؤية 2030”. فألقت الضوء على مجموعة من النقاط الرئيسية التي شملت نظرة عامة على صناعة الأدوية اللبنانية، والتطور الذي شهدته بحيث أصبحت تغطي جزءاً كبيراً من احتياجات السوق المحلي وتساهم بالتصدير في تعزيز الاقتصاد الوطني.
وعن السياسات الداعمة للصناعة، أشارت إلى السياسات الحكومية التي تساهم في دعم الإنتاج المحلي، مؤكدة “أهمية تطوير استراتيجيات وطنية تركز على تعزيز الابتكار وتوسيع الإنتاج المحلي ليشمل الأدوية الأساسية والمكملات الغذائية”. وحددت الفجوات الحالية في القطاع والتحديات وخصوصا تلك التي تواجهها الصناعات المحلية في تصدير منتجاتها إلى الأسواق العالمية على الرغم من مطابقة الجودة للمعايير الدولية. وطرحت تساؤلات حول كيفية معالجة هذا التحدي ضمن رؤية 2030.
وعن التوصيات التي تامل بها، دعت إلى “وضع خطة وطنية متكاملة تدعم قطاع الأدوية المحلي وتعزز من تنافسيته في الأسواق الدولية”، مشددة على “أهمية التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص لتحقيق هذه الأهداف”.
من جهتها تحدثت حماده عن “التأثير الاستراتيجي لموزعي الأدوية اللبنانيين نحو التميز في الرعاية الصحية”. فركزت على عدد من النقاط أولها: دور الموزعين في الأزمات، وحددت الخطوات التي اتخذها موزعو الأدوية لضمان توفر الأدوية الأساسية والمنقذة للحياة خلال الأزمات، مشيرة إلى “أهمية خطط الاستمرارية ووجود لجنة قيادة للأزمات لضمان التوزيع المستمر للأدوية”.
وعن التعاون المطلوب بين الموزعين والحكومة، أكدت “أهمية التعاون الوثيق بين موزعي الأدوية ووزارة الصحة والجهات الحكومية الأخرى لضمان التدفق السريع للأدوية وتسهيل إجراءات الاستيراد في الأوقات الحرجة”.
وعن التحديات التنظيمية والاقتصادية، تناولت تلك التي تواجه موزعي الأدوية في ظل البيئة التنظيمية والاقتصادية الحالية، مشيرة إلى “ضرورة تعزيز سلاسل التوريد الدوائية واتخاذ تدابير إضافية لضمان استقرار السوق”.
وفي نهاية كلمتها أوصت بتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، وضمان استدامة توفر الأدوية وتحسين جودة الرعاية الصحية في لبنان، وخاصة في ظل الأزمات.
وفي نهاية الجلسة الثانية عقدت حلقة حوارية أدارها الأستاذ الجامعي كمال ميرزا وشارك فيها بالاضافة الى كل من الدكتورة أبي كرم والدكتورة حماده، كلا من ممثل جهاز الطبابة في الجيش المقدم حبيب عبده، رئيسة نقابة مستوردي المستلزمات الطبية سلمى عاصي، رئيسة نقابة تجار ومستوردي التجهيزات والمواد الطبية رندى الرز والدكتور وليد مينا.
وتركزت المناقشات حول أوضاع القطاع ومعاناته في ظل الظروف الراهنة وما يمكن القيام به من اجل تعزيز وتسهيل أعماله وما هو مطلوب من أركان القطاع ووزارة الصحة والجهات الرسمية المعنية.
وفي نهاية المؤتمر شكلت لجنة لوضع التوصيات النهائية التي سيصار الى الإعلان عنها في وقت لاحق.