آخر رجال الدولة.. رحيل سليم الحص صاحب الكف النظيف

لبنان 25 آب, 2024

ورحل دولة الرئيس سليم الحص، الذي لم يترك خلال عمله السياسي إلا أثره الحسن فترى جميع الأفرقاء على تناقضاتهم يكتبون رحيله بحزن.
عندما تسأل عارفيه عنه، يبادرونك بالقول سليم الحص “رجل الدولة”، وسرعان ما يضيفون “صاحب الكف النظيف”، هو الذي ترفع عن الانقسام، وبنى نفسه بنفسه، فكان عصامياً وكان يطمح لدراسة الأدب، غير أنّ عائلته لم ترَ مستقبلاً له بهذا الاختصاص، فذهب نحو عالم الأعمال، وحصل على شهادة في الاقتصاد والعلوم السياسية من الجامعة الأميركية في لبنان، ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية ليحوز شهادة الدكتوراه في الاختصاص ذاته من جامعة أنديانا.
الحص الذي غادرنا اليوم عن 95 عاماً، لم يكن سياسياً بالمعنى الجامد، بل كان رجلاً ومواطناً وإنساناً، عرف بتواضعه، وبأخلاقه، وبعدم دخوله السجالات، وأكثر ما يتحدث عنه جيرانه هو تواضع أثاث منزله وخاصة مكتبه،وهو المكتب الذي كان يستقبل به السفراء وأرفع الشخصيات.

مسيرة الحص المهنية بدأت من الكويت، فتولى مهمة المستشار المالي للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وبالرغم من سعادته هناك غير أنّ قلبه بقي بالوطن.

في الوقت الذي تفجرت فيه أزمة بنك أنترا، عيّن الحص أول رئيس للجنة الرقابة على المصارف، وباشر عمله قبل شهر واحد من تعيين إلياس سركيس حاكماً لمصرف لبنان.

وحين انتخب سركيس رئيساً للجمهورية بدأ يعمل على تأليف حكومة فعاليات، ووفق الذين واكبوا تلك الحقبة، فقد التفت سركيس إلى الحص سائلاً: “أيا من الحقائب الوزارية تريد؟” فاختار أن يكون وزيراً لشؤون الإنماء والإعمار لكن الظروف قادته لتولي رئاسة الحكومة للمرة الأولى.

الحص الذي ولد في بيروت عام 1929، شغل خلال مسيرته السياسية منصب رئاسة الوزراء خمس مرات، وانتخب عضوًا في مجلس النواب لدورتين متتاليتين، كما لديه في رصيده العديد من المؤلفات.

عاصر الحص السياسة اللبنانية، وحقبة الطائف حيث قام بدور مهم، وآمن أنّ لبنان “الدولة” هي فقط من تنتصر.

وحينما لم يفز في الانتخابات النيابية في العام 2000، قرر الاعتكاف، والتفرغ إلى المواطنة.

للزواج وقصته حيّز في حياة الحص، فهو تزوج من السيدة ليلى فرعون، وقد سبق أن كتب عن هذا الزواج في صحيفتي “السفير” و”الخليج”، فقال: “أنا مسلم من لبنان. تزوجتُ من سيدة مسيحية من بلدة دير القمر (ليلى فرعون)، أحببتُها حباً جماً، واحتفظَت هي بعقيدتها الدينية طوال حياتنا الزوجية السعيدة التي دامت أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، ولم يكن في الأمر أدنى إشكال أو مشكلة. وما كان هذا خروجاً على الإسلام من قريب أو بعيد، فقد كانت إحدى زوجات الرسول قبطية. وقبْل أشهر من وفاتها – رحمها الله – وكانت على فراش المرض العضال في حال من المعاناة الشديدة، توجَّهَت إليَّ بكلمة مقتضبة تنم عن تصميم قاطع قائلة: أريد أن أعتنق الإسلام. فسألتها للتو: لِم تقررين ذلك الآن؟ هل أنتِ مقتنعة بما تقولين؟ وعندما أكدتْ عزْمها، كررتُ السؤال: هل أنتِ واثقة مما تطلبين؟ فأفحمتْني، لا بل سحقتْني، ببساطة الجواب: صممتُ على أن أُدفن في قبر واحد معك. وأنا اليوم على موعد مع الغائبة”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us