3 أسباب وراء تصعيد “التيار الوطني الحر”
مع أنّ “التيار الوطني الحر” دأب في الشهرين الأخيرين على الأقل على مهاجمة رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بشكل مستمر ومنهجي بما لم يعد يفاجئ أحداً إلّا أنّ بيانه التصعيدي الحاد الذي أصدره أمس متّسماً بنبرة شديدة الانفعال والعصبية حيال الحريري اتخذ دلالات لجهة الخلفيات التي دفعت تيار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ينفجر سخطاً. ولعلّ أكثر ما يلفت في البيان المنفعل والانفعالي الذي صدر عن المجلس السياسي للتيار برئاسة جبران باسيل جنوحه الحاد مجدّداً إلى إلباس الأزمة مع الحريري قسراً طابعاً طائفياً الأمر الذي يرسم فوراً علامة التشكيك في واقع التيار في صلب هذه الأزمة التي يتحمّل تبعاتها سواسية مع رئيس الجمهورية من خلال افتضاح هدفهما الحصري الذي فشل وهو إزاحة الحريري ودفعه إلى الاعتذار. يمكن تالياً إدراج التصعيد الذي اتسم به موقف “التيار” ضمن مجموعة عوامل أولها انزعاجه الكبير كما انزعاج رئيس الجمهورية من التقارب الكبير بين الحريري وبكركي التي حل الحريري ضيفاً عليها لساعات طويلة يوم عيد البشارة وبدا التفاهم سيد الموقف بينه وبين البطريرك مار بشارة بطرس الراعي. وهو ما يفسّر الإمعان غير المقنع إطلاقاً في اتهام الحريري بالسعي إلى الاستئثار بالتمثيل المسيحي في الحكومة العتيدة للعب على الوتر الطائفي ومحاولة إحراج الراعي.
العامل الثاني يتأتى من شعور “التيار” والعهد بالإحراج الضمني حيال الاندفاعة الأخيرة لعدد من سفراء الدول المؤثرة لحضّ الحكم تحديداً على تسهيل تشكيل الحكومة بما يعتبر ضمنا بلورة لموقف دولي واسع يضع تبعة ومسؤولية تعطيل وعرقلة تشكيل الحكومة على عاتق العهد في المقام الأول.
العامل الثالث الذي يقف وراء هذه التصعيد يعود إلى المعطيات التي سادت عن تجدد وساطة الرئيس نبيه بري بعد اجتماعه البعيد عن الإعلام مع الحريري. بذلك يكون “التيار الوطني الحر” أثبت أنّه يطلق النار على كل تحرك أو وساطة وينبغي البحث في الأيام القليلة المقبلة عما يمكن أن ينشأ عن هذه النهج التصعيدي الذي يتجاهل “التيار” عبره ما تمر به البلاد وما هي مقبلة عليه من انهيارات مخيفة فيما هو يتوغّل في ترف التعطيل والتصعيد.
ففي البيان الذي أصدره إثر اجتماعه الدوري إلكترونياً برئاسة باسيل، حذّر المجلس السياسي لـ”التيار الوطني الحر” من “خطورة المنحى الإقصائي الذي ينتهجه الرئيس المكلّف في تعامله مع رئيس الجمهورية ومع الكتل البرلمانية المعنيّة”، ورأى “في هذا السلوك رغبة واضحة بأن يسمي بنفسه الوزراء المسيحيين فيكون له نصف أعضاء الحكومة زائداً واحداً”. وفيما كرّر “أنّ “التيّار” لن يشارك في الحكومة ولن يعطيها الثقة على الأسس التي يطرحها الرئيس المكلّف”، قال: “يرفض التيار إعطاء الرئيس المكلّف وفريقه النصف زائداً واحداً في الحكومة لأنه سيستعمله لمنع الإصلاح وتعطيل التدقيق الجنائي وفرملة كل محاولات محاربة الفساد”، معرباُ عن “اقتناعه بوجود أسباب داخلية وخارجية منعت الرئيس المكلّف حتى الآن من التصميم جدّيًا على تأليف الحكومة والتمويه على هذه الأسباب باختلاق حجج واهية”، معتبراً “الوقت لصالحه طالما أنه لا يحمل مسؤولية مباشرة عن وقف الإنهيار بل يرميها على رئيس الجمهورية وعلى حكومة تصريف الأعمال”.
وردّ المكتب السياسي لـ”تيار المستقبل” متّهماً باسيل، بأنّه “يصر على تطييف الأزمة الحكومية وتغليفها بشروط تتلاعب على الوتر الطائفي وحقوق المسيحيين ويبدو أن باسيل قد نسي أو هو يتناسى المعايير التي جرى الاتفاق عليها في قصر الصنوبر والتي تقوم حصراً على تأليف حكومة من الاختصاصيين غير الحزبيين.
لكن في اعتقادنا أنّ الوزير السابق باسيل لم ينسَ ولا يتناسى، بل هو يتعمد اللعب على حافة التحريض الطائفي، ويقفز من معيار الى معيار ليضمن الوصول إلى الثلث المعطل، ويخترع للرأي العام اللبناني حجة جديدة وبعبعاً سياسياً اسمه النصف زائد واحد للرئيس المكلف”. وأضاف: “هناك من يعتبر الغش والكذب والاحتيال من المهارات الخاصة لبعض البشر. لكن استخدام هذه المهارات في العمل السياسي ومواجهة مخاطر اقتصادية ومعيشية يصنف في خانة الجرائم الوطنية. وهذه هي مع الأسف حال اللبنانيين مع الوزير جبران باسيل، الذي يقول إنّه يرفض المشاركة في الحكومة ثم يحدد المعايير لتأليفها ويبرر لرئيس الجمهورية المطالبة بالثلث المعطل وينصب نفساً ولياً حصرياً على حقوق الطوائف المسيحية، ثم يلوّح للرئيس المكلف بأنّه لن يعطي الثقة للحكومة. نتفهم التخبط الذي يعانيه جبران باسيل، لكننا لا نتفهم ان يعتبر القرار السياسي لرئاسة الجمهورية خاتماً في اصبعه، وان يرمي على الرئيس المكلف تبعات ردود الفعل التي تسبب بها فريقه الخاص العامل في قصر بعبدا، وحشر الرئاسة بممارسات تعرضها للانتقاد والسخرية والطعن بدستوريتها، على مثال النموذج التوجيهي الفضيحة الذي لا سابق له في مسار التأليف من قيام دولة لبنان الكبير”.
وشدد على أنّ “الرئيس المكلف يتولى مسؤولياته الدستورية والوطنية على أكمل وجه، وهو لن يتنازل عن القواعد التي اعتمدها لتأليف الحكومة، والتي تتكامل مع المبادرة الفرنسية المشكورة، ولن يكون بعدها ثلث معطل لاحد، بل حكومة من غير الحزبيين واصحاب الكفاءة والنزاهة والاختصاص، حكومة مهمة تتولى دون إبطاء العمل على وقف الانهيار وتجديد ثقة الاشقاء والاصدقاء بدور لبنان ورسالته”.
وسط هذا الإجراء، كانت للسفير السعودي وليد البخاري محطة بارزة، أمس، في المختارة، حيث التقى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس كتلة “اللقاء الديموقراطي” تيمور جنبلاط والنائبين نعمة طعمة ووائل أبو فاعور. ومن المختارة، أعلن البخاري موقفاً بارزاً من الاعتداءات الحوثية على المملكة ولكن امتدادات الموقف بلغت إيران وبيروت، إذ قال إنّ “اعتداءات الميليشيا الحوثية الإرهابية لا تستهدف أمن المملكة العربية السعودية ومقدراتها الاقتصادية فقط وإنّما تستهدف الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي”، مضيفاً أنّ “لوثة القوى الظلامية تقتات على إلقاء مسؤوليّة خياراتها السياسية على جهات خارجية هروباً من الفشل”. وفهمت عبارته الأخيرة بانها تتضمن ردّاً ضمنياً على الذين اتهموا في لبنان المملكة بعرقلة تاليف الحريري للحكومة.
المصدر: النهار
مواضيع ذات صلة :
الخلافات تعصف مجدداً داخل التيار الوطني الحر… هل تُستكمل لائحة الفصل والاستقالات؟ | الخطيئة المميتة | باسيل: لسنا حلفاء “الحزب” في بناء الدولة ولكن! |