الراعي يدعو إلى وقفة فحص ضمير وطنيّ: هناك فرق كبير بين الاعترافِ بلبنان والإيمان به
ما بين المحبة والاعتراف بلبنان والإيمان به، تراوحت عظات اليوم الأحد، على لسان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ومتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة.
فقد ترأس البطريرك الماروني القداس السنوي لراحة أنفس “شهداء المقاومة اللبنانية”، الذي تقيمه “رابطة سيدة إيليج”، في المقر البطريركي في كنيسة سيدة إيليج في بلدة ميفوق – القطارة – قضاء جبيل، عاونه فيه راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون ورئيس دير ميفوق الأب ناجي أبي سلوم، وخدمته جوقة الأحبة بقيادة مرسال بدوي.
حضر القداس النائب نديم الجميل ممثلًا رئيس حزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل، النائبان سليم الصايغ ووليم طوق، الوزير السابق ڤريج صابونجيان، النائب السابق فادي سعد، قائمقام البترون روجيه طوبيا، رئيس البلدية هادي الحشاش، يمنى بشير الجميّل، رئيس الرابطة فادي الشاماتي والأعضاء ومخاتير وفاعليات سياسية وحزبية ونقابية واجتماعية وعائلات وأهالي الشهداء.
وتابع: “كما نحيي اليوم ذكرى شهداء المقاومة اللبنانيّة، مع رابطة سيّدة إيليج التي تنظّم هذه الذكرى السنويّة، وتسهر على غابة أرز الشهداء، ونقدّم معها هذه الذبيحة الإلهيّة مع سيادة أخينا راعي الأبرشيّة المطران ميشال عون ولا سيما رئيس وجمهور دير سيدة ميفوق وجمهور دير مار شليطا القطارة وجمهور دير والآباء وهذا الجمهور المصلّي من أهالي الشهداء وأصدقائهم، لراحة نفوس آلاف الشهداء الذين قدّموا ذواتهم على مذبح الوطن، ولشفاء الشهداء الأحياء حاملي إعاقة في أجسادهم، وهم ذاكرتنا. فلولا استشهادهم لما كان لبنان في صيغته الحضاريّة، ولما كنّا هنا لبنانيّين أحرارًا، وأصحاب كرامة. أجل استشهدوا وماتوا لكي نحيا نحن، ولكن لكي نحيا بثمن دمائهم بالولاء للبنان وحده، الوطن النهائيّ لجميع أبنائة، وطن الولاء له دون سواه. وقد اختارت رابطة سيّدة إيليج شعار الوعد لشهداء المقاومة اللبنانيّة، المعروفين والمجهولين: “أن ننسى.. لن ننسى”. فيبقى ذكرهم حيًّا هنا في كنيسة سيّدة إيليج، سلطانة الشهداء، في ميفوق القطّارة مع كلّ الذكريات. وجسّدت الرابطة هذا الشعار بكلمة “كفى” تقولها للجميع”.
أضاف: “في ذكرى شهداء المقاومة اللبنانيّة، لا بدّ من وقفة فحص ضمير وطنيّ، فنقول: هناك مكوّنات تريد لبنان الكبير أرضًا شاغرة لمشاريعها، ومن دون دولة ونظام ودستور وقانون. تفضّله مساحة تُفرز عقاريًّا، لا وطنًا يضمّ وجدانيًّا. هناك فرق كبير بين الاعترافِ بلبنان والإيمان به. فالاعتراف هو أخذ العلم بوجود لبنان، بينما الإيمان هو أخذ لبنان بجوهره وهوّيته ونظامه وقيمه ورسالته. وهناك فارق بين معيار الولاء للبنان وما نتمثّل فيه: ففي الحالة الأولى إيمان مطلق بلبنان في ما يمثّل بحدّ ذاته، وفي الحالة الثانية حساب ربح وخسارة. وهذه بكل أسف حالتنا في لبنان. دافعنا جميعًا عن لبنان بمقدار ما نحن موجودون فيه، لا بمقدار ما هو موجود فينا. وحين كلّ مكوّن لبنانيّ بدأ يشعر أنّ لبنان هو لمكوّن آخر – وهذا منطق تقسيميّ وامتلاكيّ – لم يعد لبنان لأحد، فتوزّعت المكوّنات بقاياه كالغزاة الذين ينهبون بلدًا لا يملكونه ويضطهدون شعبًا اجتاحوه. أجل، إنّ اللبنانيّين يتعرّضون لغزو أسوأ من الإحتلال. هذه الحالة الغريبة والفريدة أضعفت إيمان اللبنانيّين بوطنهم. فالذين هاجروا غادروا لعدم إيمانهم بمستقبل لبنان. بقاء لبنان رهن بتغيير المسار الإنحداريّ بانتخاب رئيس للجمهوريّة، يعود بنا إلى جوهر الشراكة الوطنيّة، واعتبار دولة لبنان الكبير هي المنطلق وهي مرجعيّة أي تطوّر وطنيّ. غريب الّا تعتبر الدولة اللبنانيّة ذكرى تأسيسها في أوّل أيلول 1920، عيدًا وطنيًّا. فأيّ تاريخ أعزُّ من هذا التاريخ؟ بدونه لا استقلال، ولا شراكة، ولا صيغة، ولا ديمقراطيّة. أليس تجاهُل هذا التاريخ تعبيرًا عن عَطَبٍ في الإعتراف به ونقصٍ في الإيمان”؟
وختم: “فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، لأن تكون دماء شهداء المقاومة اللبنانيّة، حافزًا لنا للإيمان بلبنان، والمطالبة الحثيثة بانتخاب رئيس للجمهوريّة، يعيد لجميع اللبنانيّين الشراكة والوحدة اللبنانيّة”.
عودة: المحبة لا تتحقّق إلاّ بالأفعال
أما في عظة قداس الأحد من كاتدرائية القديس جاورجيوس، فكان متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، يشدد على أن التعبير عن المحبة لا يكون بالكلام لأنّ المحبة لا تتحقّق إلاّ بالأفعال، مشيرًا إلى أن “احترام الحياة، العطاء، المسامحة والتعاطف، قبول الآخر كما هو، عدم إدانته أو ظلمه أو قتله، عدم شنّ الحروب وإبادة البشر، كلّها أفعال محبّة. بذل الذات من أجل خير الآخر فعل محبّة”.
وقال عودة: “دعوتنا اليوم، في هذا الأحد الذي يلي عيد رفع الصليب الكريم المحيي، أن نحمل صليب المحبة ونتبع الرب بلا خجل أو تململ. كثيرون قد لا يقبلون المحبة خوفا من أن تكون زائفة، وما عادوا يثقون بمحبّة أحد من هذا العالم، لأنّ أساسها المصالح الشّخصيّة. عملنا وواجبنا أن ننشر المحبّة الحقيقيّة الّتي أساسها المسيح، لكي يصبح العالم الخاطئ الفاسق فردوسا أرضيّا. لهذا، “أحبّوا بعضكم بعضًا من صميم القلب” (1بط1: 22)، أحبّوا حتّى النّهاية، وابذلوا نفوسكم من أجل محبّة الآخر كائنا من كان، لأنّ المسيح هكذا يرتضي”.
مواضيع ذات صلة :
“في الحرب الجميع خاسرون”… الراعي: لتفريغ المؤسسات التربوية لأن العلم ضرورة | ياسين من بكركي: عدد النازحين بلغ نحو مليون ومئتي ألف | لبنان يتخبّط بأزماته.. دعواتٌ لانتخاب رئيس واتخاذ “موقف تاريخي إنقاذي” |