خزعبلات ضبابية
ترجمة “هنا لبنان”
كتب Marc Saikali لـ”Ici Beyrouth“:
أي عبارة قد تختصر الصراع الضبابي الذي يغرق فيه لبنان اليوم؟ وكيف يمكن تبديد الغموض المحيط بحرب اندلعت بالتوازي مع صوت شعب يصدح برفضها؟ كيف تفك شيفرة حرب تسلسلت خزعبلاتها ببطء في شرايين البلاد حتى خنقتها؟ وأي لامبالاة بهذا القدر؟!
وفي أي سياق مربك بالقدر نفسه، يمكن تأطير رسالة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى اللبنانيين: “حرروا بلدكم من حزب الله لتنتهي هذه الحرب وإلا سيواجه مصير قطاع غزة”. ولكن حقاً؟ ألم تتوفر لدى إسرائيل في أوقات السلم الوسائل لإبقاء البلاد تحت المراقبة على مدى 24 ساعة في اليوم؟ ألم تستخدم 50 طائرة ومسيرة لتتابع كل شيء وتحدد كل المواقع كما تبيّن دقة النتائج على الأرض؟
فكيف لنتنياهو أن يعتقد جدياً بأنّ اللبنانيين قادرون على “تحرير أنفسهم” من حزب الله؟ وهو على يقين كامل بأنّ الحزب قادر على إخضاع البلاد عسكرياً في ساعات معدودة؟
هل في ذلك تلميح لحرب أهلية؟ النتيجة حاسمة بالفعل بما أنّ التسلح يقتصر على طرف واحد فقط، وسرعان ما ستسقط البلاد بيد حزب الله. وإلا.. مصير قطاع غزة؟ شكراً على هذا الاقتراح! وأي سيناريو أسهل من التدمير الكامل. ولكن ما الفائدة المتوخاة؟ لن يسجل الكثير. ووحدها المعاناة ستتضاعف، دون إضعاف حزب الله فعلاً.
ولكن ربما اقتضت الفكرة بالأساس بتأجيج التوترات، ودفع حزب الله لمغادرة “مناطقه”، وهكذا يصبح شرعياً اعتبار لبنان بأسره “كياناً إرهابياً”. هذا السيناريو ثمرة العرضين السخيين.. ما بين الصراع الداخلي وتحويل لبنان إلى غزة جديدة. “نظرية مورفي” في أبهى تجلياتها، ومنها: “أي شيء بإمكانه أن يسير في الاتجاه الخطأ، سوف يسير بالاتجاه الخطأ”. فهل من أدنى مساحة للأمل؟ للوهلة الأولى، تبدو الإجابة سلبية.. فلا الحزب ولا إسرائيل يفكران في التوصل إلى تسوية.
ربما نواة الأمل تكمن في شجاعة الناس. الشخصيات الدينية في لبنان؟ البابا فرانسيس الذي قد يقلقه وضع آخر المسيحيين في الشرق الأوسط؟ فرنسا؟ الاحتمالات قليلة والمبادرات خجولة للغاية. يعيدنا ذلك إلى العام 1984، حين ردد البابا يوحنا بولس الثاني مقولته عن احترام وحماية سيادة لبنان، وحق الأمة بالعيش بحرية، دون تدخلات خارجية. واليوم، بعد مرور 40 عاماً، لا يزال صدى هذه الرسالة يتردد في فراغ النفوس الجشعة.
وأخيراً، هل بمقدور الشعب القيام بأي شيء؟ في هذه الحالة، لا يمكن أن تكون الإجابة إلا بالنفي.. لا يقوى هذا الشعب العاجز إلا على الانتظار والأمل. فهل تحل المعجزة؟ في أرض المعتقدات المتجذرة منذ آلاف السنين، تبدو المعجزة الخيار الأكثر منطقية.. أليس الإيمان بقادر على اجتراح المعجزات!