قمة لبنانية – فرنسية في قصر بعبدا ومحادثات بحضور بري وميقاتي
شدد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون على “أهمية تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل من كل الأراضي التي لا تزال متواجدة فيها ضمن المهلة المتفق عليها في الاتفاق، ووقف انتهاكاتها الفاضحة له”.
كما أكد “أهمية إعادة الأسرى وإعمار القرى والمناطق التي تهدمت جراء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان”.
واعتبر أن “الاتفاق في شأن غزة لا بد أن يحقق نقلة نوعية اذا التزمت به إسرائيل”، لافتا إلى “انعكاس المستجدات الأخيرة في سوريا على الوضع الشرق أوسطي عموما، وعلى لبنان خصوصا لجهة ضبط الحدود ومنع تسلل الأشخاص بصورة غير شرعية والعمل من أجل إعادة النازحين السوريين”.
وإذ شدد على “أهمية العلاقات اللبنانية – الفرنسية لأن ما يجمع بين لبنان وفرنسا إلى الروابط التاريخية العميقة، قيم إنسانية وحضارية وثقافية وتربوية”، تمنى “عودة شركة توتال للتنقيب عن النفط في البلوكات البحرية اللبنانية”.
بدوره، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن “فرنسا، التي كانت إلى جانب لبنان، ملتزمة البقاء الى جانب اللبنانيات واللبنانيين، لكي تساعد رئيس الجمهورية في النجاح على الطريق الذي يسير عليه، فما يجسده ضروري، كونه طريقا جديدا وعهدا جديدا”، وقال: “نحن ندعم رئيس الجمهورية، وندعم أولا أهدافه القائمة على تحقيق سيادة لبنان وقيام دولة تفرض سيادتها على كامل أراضيها، وهو ضروري للغاية، إذ أنه يشكل الشرط لحماية لبنان من التدخلات والاعتداءات المختلفة، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى. كما يشكل الشرط المطلوب لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، ويتوجب انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية، وسيطرة أحادية للجيش اللبناني على السلاح. ولهذا، فإن فرنسا مع تقوية الجيش اللبناني وانتشاره في الجنوب”.
وكشف أن “فرنسا أعدت مركزا جديدا للتدريب لنحو 500 عنصر من الجيش اللبناني، وستواصل العمل مع شركائها الأوروبيين وفي الشرق الأوسط ضمن إطار اللجنة العسكرية التقنية في هذا المجال”.
وشدد على “محورية دور اليونيفيل في تطبيق القرار 1701 الذي يستند اليه قرار وقف إطلاق النار”، لافتا إلى أن “فرنسا ستعمل مع لبنان من أجل ترسيم الخط الأزرق للخروج بحل مستدام لمصلحة أمن الجميع”.
ولفت إلى أن “الإصلاحات المطلوبة معروفة، وعلى الحكومة التي ستشكل ان تحملها وهي غير منفصلة عن هم إعادة الاعمار، وفرنسا ستساعد على تحقيقها”.
وأوضح أنه ما “أن يزور رئيس الجمهورية فرنسا بعد أسابيع عدة، سيتم تنظيم مؤتمر دولي من أجل إعادة الإعمار وتحريك المجتمع الدولي في هذا الاتجاه”.
وتوجه إلى المعرقلين لتشكيل الحكومة بالقول: “لم يعد الوقت من أجل المصالح الفردية”.
وصول الرئيس الفرنسي
مواقف الرئيسين عون وماكرون جاءت خلال القمة اللبنانية – الفرنسية التي انعقدت بعد ظهر اليوم في قصر بعبدا.
وكان الرئيس ماكرون وصل عند الأولى والنصف بعد الظهر، حيث استعرض في الباحة الخارجية، ثلة من الحرس الجمهوري أدت له التحية وعزفت موسيقى الجيش النشيد الفرنسي.
واستقبله الرئيس عون عند مدخل بهو القصر، ودخلا معا وسط صفين من الرماحة إلى مكتب الرئيس ليعقدا لقاء ثنائيا.
لقاء ثنائي
في مستهل اللقاء، رحب رئيس الجمهورية بالرئيس ماكرون، شاكرا له “اهتمامه الدائم بلبنان، منذ توليه سدة رئاسة الجمهورية الفرنسية، بشكل متواصل، جاعلا من هذا الاهتمام أحد أولويات السياسة الخارجية الفرنسية”.
واعتبر الرئيس عون أن “ما يجمع بين لبنان وفرنسا، إلى الروابط التاريخية العميقة، قيم إنسانية وحضارية وثقافية وتربوية يتشاركان بها ويدافعان عنها”، وقال: “أدرك تماما عمق محبتكم للبنان واللبنانيين الذين يذكرون بشكل خاص زيارتيكما إثر انفجار مرفأ بيروت ولمناسبة مئوية لبنان الكبير، وهم يشكرونكم على مساعيكم المبذولة، سواء عبر موفدكم الخاص الى لبنان الوزير جان إيف لودريان أو من خلال اللجنة الخماسية للمساعدة في إنهاء الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعد فترة شغور طالت وتفاقمت فيها التحديات.”
أضاف: “لا يغيب عن بالي مدى تمسككم بدور لبنان ورسالته في محيطه والعالم، كملتقى تعدديات تعمل معا على إرساء حضارة مشتركة، على الرغم من جسامة الصعوبات. وهذا ما أكدتم عليه مرارا واعتباركم ان هذا الأمر ليس بوهم ولا أوتوبيا. ولا انسى حرصكم الدائم على إيلاء الشأن الاقتصادي اللبناني الدعم الكامل المتعدد الأوجه للمساهمة في نهضة البلاد، وأتمنى منكم للمناسبة، الايعاز الى شركة “توتال” بالعودة لمواصلة عمليات التنقيب عن النفط في البلوكات النفطية البحرية اللبنانية”.
وتطرق رئيس الجمهورية مع نظيره الفرنسي إلى “الوضع الراهن في الجنوب”، مشددا على “أهمية تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل من كل الأراضي التي لا تزال متواجدة فيها ضمن المهلة المتفق عليها في ضمن هذا الاتفاق، وضرورة وقف اعتداءاتها وتعدياتها المتمادية في بعض القرى الجنوبية، مما يشكل انتهاكا فاضحا للاتفاق”.
كما شدد على “أهمية إعادة الأسرى، فضلا عن إعادة إعمار القرى والمناطق اللبنانية التي تهدمت من جراء العدوان الإسرائيلي الأخير”.
ونوه الرئيس عون بـ”الدور الذي تقوم به قوات اليونيفيل في الجنوب”، مشددا على “أهمية المشاركة الفرنسية فيها”، ومحييا “التضحيات التي قدمتها الكتيبة الفرنسية على تراب لبنان الجنوبي”.
وتناول الحديث “الوضع في منطقة الشرق الأوسط”، حيث اعتبر الرئيس عون أن “الاتفاق الذي تم التوصل اليه في غزة، لا بد أن يحقق نقلة نوعية إذا ما التزمت به إسرائيل، على ألا يشكل فقط إضافة إلى سلسلة اتفاقات تم التوصل إليها وحالت الانتهاكات الإسرائيلية دون تحقيق أهدافها، ففاقمت الأوضاع صعوبة”.
وقال رئيس الجمهورية: “آن الأوان لوضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني، وفقا لقرارات الشرعية الدولية، والعمل الجدي لإقامة الدولة الفلسطينية وفق مقررات قمة بيروت العربية في عام 2002”.
وعرض مع الرئيس الفرنسي “المستجدات الأخيرة التي حصلت في سوريا ومدى انعكاسها على الوضع الشرق أوسطي عموما، ولبنان خصوصا، لا سيما لجهة ضبط الحدود بين البلدين ومنع تسلل الأشخاص بصورة غير شرعية، والعمل من أجل إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم”.
وتحدث الرئيس عون عن “تطلعه للقاء رؤساء دول الاتحاد الأوروبي، بعد تشكيل الحكومة، وتلبية الدعوة التي وجهها إليه في هذا المجال رئيس الجمهورية القبرصية اثر انتخابه”، مشيرا إلى أن “ما يجمع لبنان وأوروبا شراكة من الواجب تفعيلها في مختلف المجالات التي يمكن للبنان والاتحاد الأوروبي الافادة المشتركة منها”.
أما الرئيس ماكرون فأكد “وقوف فرنسا إلى جانب لبنان وعزمها على تفعيل التعاون في المجالات كافة، وتقديم المساعدات، إضافة إلى دعوة دول الاتحاد الأوروبي إلى المشاركة في إعادة النهوض. كما ستولي باريس اهتماما بالوضع في الجنوب، وصولا إلى تثبيت وقف إطلاق النار وتأمين انسحاب الجيش الإسرائيلي”.
مؤتمر صحافي
ثم عقد الرئيسان عون وماكرون مؤتمرا صحافيا تحدث في بدايته الرئيس عون فقال: “السيد الرئيس، السيدات والسادة في الوفد المرافق،
شهيرة مقولة الجنرال ديغول: “أن في عمق كل فرنسي، شيئا من لبنان”. ونحن في المقابل نقول، إن في قلب كل لبناني، وفي عقله ووجدانه ولغته اليومية وتاريخه الحي وثقافته المبدعة الكثير الكثير من فرنسا، فها هو وادي لامارتين جارنا هنا، وها هو ترابه الذي احتضن شقيقته جولي، وها هي دراسات إرنست رينان، التي حفظت تراثنا وتاريخ بلاد الأرز، وقبلهما بقرون، وبعدهما أيضا، كنا معا وبقينا معا، نتبادل أنوار الحرية والحداثة، من أجل خير إنساننا وخير العالم، ولم يبخل لبنان، ولم يجحد ولم يتكاسل، فرد جميل فرنسا بكل ما هو جميل، من “مهاجر” جورج شحادة إلى “صخرة” أمين معلوف، ومن أنامل غبريال يارد وأوتار ميكا إلى ترومبيت معلوف آخر هو إبراهيم، وما بين هؤلاء من نتاج الكبار أدببا وفنيا وعلميا وفي كل مجال: أندريه شديد وصلاح ستيتيه، فينوس خوري ورينيه حبشي وجو مايلا، والعشرات الذين أغنوا إنساننا والثقافة “.
أضاف: “ما بين بلدينا وشعبينا، يشبه هذا البحر الذي بيننا، مد وجزر جمعانا، “من يوم اللي تكون يا وطني الموج”، كما تغني سيدتنا فيروز،
فيروز التي قمتم بزيارتها عزيزي إيمانوييل، يوم كان لبنان يتألم، وتعودون اليوم لزيارتنا، ولبنان يأمل ويحلم، فعلى مدى الأعوام الأخيرة، دفع شعبي الكثير، من دمائه ومن حجره، من أبنائه ومن ثرواتهم، لكننا فعلا – لا شعرا – شعب الفينيق، وها نحن قد انبعثنا أحياء، لأننا أبناء الحياة وأبناء الرجاء وأبناء القيامة، ولأن فينا شيئا لا ينتهي ولا يفنى، هو خصوصية حياتنا، وقدرتنا الفريدة على اختراع الفرح المستدام”.
وتابع: “السيد الرئيس، تأتون اليوم لتهنئتنا، وأنتم تدركون أن التهنئة هي للبنان، ولكل لبناني، للذين صمدوا وناضلوا وتمسكوا بوطنهم وأرضهم،
للذين عادوا إلى بيوتهم المدمرة أمس، وهم يبتسمون للغد، وللذين رحلوا وعيونهم علينا، أو سافروا، وأيديهم على حقيبة العودة، ينتظرون وننتظرهم”.
وأردف: “قد يطول الكلام عما يحتاج إليه وطننا الآن، في السياسة والاقتصاد والأمن وشتى المجالات، لكنني اليوم، باسم شعبي، وباسمي شخصيا، أتمنى منكم السيد الرئيس أمرا واحدا فقط، أن تشهدوا للعالم كله، بأن ثقة اللبنانيين ببلدهم ودولتهم قد عادت، وأن ثقة العالم بلبنان يجب أن تعود كاملة، لأن لبنان الحقيقي الأصيل قد عاد. أما الباقي كله، فنحن وأنتم وأصدقاؤنا في العالم، قادرون عليه”.
وختم: “السيد الرئيس، يقول الكاتب الفرنسي جان جينيه(Genet)، قوله مرة عنا، “إن لبنان بلد نتعلم فيه كيف نعيش، وخصوصا كيف نموت.
واليوم أقول لكم، لقد أنجزنا القسم الثاني من هذا التعليم، نهائيا وإلى غير رجعة، ومن الآن فصاعدا، نحن طلاب الحياة لا موت فيها، السيد الرئيس، أهلا بكم وبصحبكم في بيروت الحية أبدا”.
الرئيس ماكرون
بعد ذلك تحدث الرئيس ماكرون فقال: “السيد الرئيس، أيها العزيز جوزف، شكرا جزيلا على استقبالكم لنا هنا في قصر بعبدا، وشكرا لكلماتكم تجاه فرنسا. انا سعيد لأكون هنا مجددا. وهي فرحة كبرى تخالجني مع الكثير من التأثر، بعد اربع سنوات على زيارتي الأخيرة للبنان، إثر الإنفجار المأساوي الذي طاول مرفأ بيروت. اربع سنوات ما توقفت عن مساندة لبنان في الساعات الصعبة. أربع سنوات لا يمكن نسيانها. وللتو عشت لحظات قوية حيث كنت وسط اللبنانيات واللبنانيين الذين ينادون بالعدالة ويبكون جرحاهم ومن فقدوهم. لقد لمست الآن قوة هذه الرسالة وهذا اللبنان الذي يستمر، والذي تجسدون الأمل فيه”.
اضاف: “فخامة الرئيس، إن انتخابكم لسدة رئاسة الجمهورية في 9 كانون الثاني، بأكثرية أصوات النواب في المجلس النيابي، أنهى قرابة سنتين من الشغور الرئاسي. كذلك، فإنه من خلال تكليف رئيس جديد للحكومة السيد نواف سلام، بأغلبية واسعة، تم التأكيد على رغبة التغيير، فوضع لبنان على سكة النهوض. ومن ذاك التاريخ الموافق 9 كانون الثاني، وفي قلب الشتاء، ظهر الربيع من جديد. وأنتم تشكلون هذا الأمل، والرئيس المكلف يجسده أيضا. من هنا، فخامة الرئيس، فإن فرنسا التي كانت الى جانب لبنان الحبيب في الظروف الصعبة، ملتزمة بالبقاء الى جانب اللبنانيات واللبنانيين، لكي تساعدكم في النجاح على الطريق الذي تسيرون. إن ما تجسدونه ضروري، كونه طريقا جديدا وعهدا جديدا”.
وتابع: “أنا اعرف مدى إصراركم، وأعرف أنكم لن تتركوا هذا الأمل الذي يبزغ، يضيع في الرمال المتحركة للتسويات. وكما قلتم في خطابكم امام المجلس النيابي، هذه هي ساعة الحقيقة: ساعة مرحلة جديدة، ساعة تغيير في التصرف السياسي وفي العودة الى فكرة الدولة لمصلحة الجميع. إن فرنسا والمجتمع الدولي بأسره، الذي سأواصل تحريكه كما فعلت دائما لوحدي أحيانا، خلال السنوات المنصرمة، في موقف الداعم لكم. هي أيام قليلة في آب من العام 2020 وكنت الى جانبكم، عملت على إحياء موجة تضامن دولي لمساعدتكم على إعادة الإعمار. وكنت اليوم شاهدا على العمل الإستثنائي الذي قام به العديد من المنظمات غير الحكومية، والعديد من اللبنانيين واللبنانيات الذين اعادوا الإعمار وقاوموا”.
وقال: “كما قمنا بتحريك المجتمع الدولي في الأشهر المنصرمة، لا سيما عندما عادت الحرب مجددا الى بلادكم، وتعرضتم الى الغارات الرهيبة الخريف المنصرم وبداية الشتاء. وقمنا بتأمين المساعدات الإنسانية وبدعم القوى المسلحة اللبنانية. نعم، في هذه اللحظة التي نعيشها، نحن ندعمكم، وندعم اولا اهدافكم القائمة على تحقيق سيادة لبنان وقيام دولة تفرض سيادتها على كامل أراضيها. هذا باعتقادي الهدف الأول الذين تعملون له، وهو ضروري للغاية، إذ أنه يشكل الشرط لحماية لبنان من التدخلات والاعتداءات المختلفة، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى. كما يشكل الشرط المطلوب لتثبيت إتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل”.
اضاف: “نحن نعلم، وفق ما عملنا عليه مع الرئيس الأميركي جو بايدن في 26 تشرين الثاني المنصرم، ان وقف إطلاق النار هذا قد وضع حدا لسلسلة جولات من العنف احدثت آلاما جمّة للمدنيين على طرفي الحدود، كما أدت الى نزوح اكثر من مليون وثلاثمئة الف مواطن في لبنان، إضافة الى نحو 4000 قتيل. وشكّل الإتفاق نجاحا ديبلوماسيا، فيما ساهم في إنقاذ حياة مواطنين، وعلينا العمل من أجل تثبيته. إن آلية مراقبته التي تشكل فرنسا جزءا منها ومن واجبها تأمين تطبيق حازم للإلتزامات التي أخذتها السلطات الإسرائيلية واللبنانية على عاتقها من ضمنه، وذلك ضمن المهل الواردة في متنه”.
وتابع: “لقد اطلعت هذا الصباح من القيادتين الفرنسية والأميركية على ما تم إنجازه حتى الساعة، حيث تم انسحاب إسرائيلي في القطاع الغربي، ولكن يجب ان تتسارع وتيرة التطبيق وتتثبت أكثر زمنيا. كما انه يتوجب إنسحاب كامل للقوات الإسرائيلية، وسيطرة آحادية للجيش اللبناني على السلاح. لهذا فإننا مع تقوية الجيش اللبناني وإنتشاره في الجنوب اللبناني”.
وأردف: “إن القوى المسلحة اللبنانية تشكل ركيزة لسيادة لبنان، ويعود لها الدور الذي لا يستغنى عنه لفرض احترام تطبيق وقف إطلاق النار. من هنا وجوب تسريع التطويع في هذه القوى، وتدعيم المساعدة الدولية لجهة التجهيز والتدريب والدعم المالي. وانتم تعلمون حجم الدعم الفرنسي، كما أعلم ان اصدقاءنا في المملكة العربية السعودية وقطر جاهزون لتقديم المزيد، وانا أتمنى مضاعفة هذا الدعم. وعلى أي حال فإن فرنسا اعدت مركزا جديدا للتدريب لنحو 500 عنصر من الجيش اللبناني”.
وقال الرئيس ماكرون: “سنواصل العمل مع شركائنا الأوروبيين وفي الشرق الأوسط ضمن اطار اللجنة العسكرية التقنية في هذا المجال. ان الاتحاد الأوروبي سيعلن قريبا عن جهد إضافي مزدوج لمصلحة القوى العسكرية وقوى الأمن الداخلي بمقدار 130 مليون يورو للعام 2025. كما انه من الواجب تدعيم قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان لكي يكون باستطاعتها ممارسة الدور الملقى على عاتقها. وفي هذا الاطار، فإن الأمين العام للأمم المتحدة هو الآن في الناقورة لمناقشة هذا الأمر، وسوف ألتقي به بعد لحظات لهذه الغاية”.
اضاف: “ان الجهود مبذولة مع الدول المساهمة من خلال قوات لها ضمن اليونيفيل، بالتعاون مع السلطات اللبنانية. وان فرنسا ستساهم بفاعلية من خلال 80 متخصصا في المجال الهندسي يضافون الى ال750 عسكريا فرنسيا الموجودين هنا. وأريد هنا ان أثني مجددا على عمل اليونيفيل، وهو دور محوري في تطبيق القرار 1701 الذي يستند اليه قرار وقف إطلاق النار. نحن لن نتوقف عند هذا الحد بل سنعمل وإياكم من اجل ترسيم الخط الأزرق للخروج بحل مستدام لمصلحة أمن الجميع”.
وتابع: “لقد اعدتم التذكير، فخامة الرئيس ان السيادة لا تعني فقط جنوب لبنان. ولقد شددتم كم ان مراقبة الحدود الأخرى، ولا سيما إثر التحولات الأخيرة الحاصلة في سوريا، تشكل تحديا رئيسيا. لقد وضعتم نصب أعينكم سيطرة آحادية للقوى المسلحة اللبنانية على السلاح، على امتداد الأراضي اللبنانية، والتوصل الى استراتيجية دفاعية وطنية. هذا هو المشروع الوحيد الذي يحول دون إعادة ظهور أنواع من الفوضى معروفة للغاية. نحن ندعم هذا المشروع، كما فعلنا ذلك خلال مؤتمر الدعم الدولي الذي انعقد لهذه الغاية في باريس، في شهر تشرين الأول الماضي. نعم، سندعم هذا المشروع على المدى البعيد. وهذا يؤدي الى نهضة لبنان ليتمتع بالرفاهية لمصلحة الجميع، هذا هو الهدف الثاني لإلتزامنا تجاه لبنان، يأتي في الطليعة تشكيل حكومة بأسرع وقت. والقوى السياسية هي اليوم امام ضرورة تحمل مسؤولياتها، لمواكبتكم ومواكبة الرئيس المكلف. وسنلتقي بعد قليل رئيس مجلس النواب بهدف التحرك الى جانبكم، للتوصل الى حل، وانا ممتن له”.
وقال: “من دون ادنى شك، ان زمن الطوارئ الإنسانية لم ينقضِ. وستسهر فرنسا من اجل الالتزام بالتعهدات التي تم التوصل اليها في 24 تشرين الأول الماضي في باريس، وان تتم ترجمتها ماديا لمصلحة الذين نزحوا عن قراهم، نتيجة الحرب. وحتى اليوم فإن اكثر من ثلثي مبلغ ال 800 مليون دولار التي تم التعهد بها، حتى الآن دفعت فرنسا 83 مليون يورو من اصل ال100 مليون التي كانت تعهدت بها. كما قدمت حتى نهاية كانون الأول 100 طن من المساعدات. ولكن، بما يتخطى هذه التقديمات، فإن المجتمع الدولي مدعو إلى استباق تقديم دعم كبير من اجل إعادة بناء البنى التحتية والمباني التي تهدمت نتيجة العدوان، وبصورة خاصة في الجنوب، حيث ان العديد من اللبنانيين الذين نزحوا، عادوا ليجدوا منازلهم وقراهم باتت رمادا. ولقد أثرنا المسألة مع السيد الرئيس الذي ما ان يأتي الى فرنسا بعد عدة أسابيع، فإننا سوف ننظم مؤتمرا دوليا من اجل إعادة الاعمار وتحريك المجتمع الدولي في هذا الاتجاه”.
أضاف: “إن فرنسا ستكون الى جانبكم، مع اوروبا، والمنطقة بأسرها، لتحريك أصدقاء لبنان بهدف تحقيق هذه الغاية، وسوف تؤمّنون العناية اللازمة ليكون الاطار السياسي واضحا ولتكون طريقة توزيع هذه المساعدات وطرق إعادة الاعمار ضامنة لحكمة شفافة في خدمة الشعب اللبناني والأراضي اللبنانية”.
وتابع: “بالإضافة الى كل هذا، فإن الإصلاحات المطلوبة معروفة. انتم تنادون بها وتدافعون عنها، وهي منتظرة من قبل مواطنيكم، من الإصلاح المصرفي الى إصلاح قطاع الطاقة ومحاربة الفساد. إن كافة هذه الإصلاحات الضرورية، على الحكومة التي ستشكل ان تحملها وهي غير منفصلة عن همّ إعادة الاعمار. وفرنسا ستكون الى جانبكم للمساعدة في تحقيقها. وأدرك انكم ستعرفون اختيار مسؤولين مثاليين للقيام بها. ان مجموع هذه النقاط سوف يساهم في تحقيق الهدف الثالث الا وهو التوصل الى امّة لبنانية متصالحة وموحدة بتعدديتها”.
وقال: “لقد ذكرتم للتو رينان والجنرال ديغول، السيد الرئيس العزيز جوزف، انهما حملا صورة فرنسا حيث المواطنة تتفوق على كافة انواع الانتماءات الأخرى. وبالواقع، فإن اقوى أنواع الانتماءات هي لجمهورية في قوامها الكوني. وما تحملونه يشكل هذا الوعد، وعد تعددية تحترم كافة الديانات والطوائف وحيث لكل احد مكانه، وفي خلق هذه التعددية تكمن إرادة خدمة الوحدة، وحدة الامة. في هذه الوحدة وهذه التعددية المتصالحة، السبيل الصحيح. ولأن لبنان يحمل في جيناته هذا الوعد، لطالما ذكرت ان وطنكم هو اكبر من ذاته لأنه يحمل بالواقع، ما هو ابعد من تلك اللحظات المظلمة التي يذكرها جينيه والتي ذكرتموها، انه يحمل امكانية العيش معا في هذه المنطقة”.
اضاف: “ان لبنان هو الوعد بأن هناك طريقا أخرى غير الانكفاء خلف التقوقع الاتني او الديني، طريق المواطنة المتصالحة. هذا هو النفس الذي تحملونه، وهذا هو الأمل الذي تدافعون عنه. وانني أتمنى بعمق ان تندرج الإصلاحات المقبلة والمشاريع السياسية التي ستحملونها، في هذا السياق”.
وختم: “هذا ما وددت قوله هنا، السيد الرئيس إنما حضوري هدفه شكركم وتهنئتكم، وشكر الذين انتخبوكم، وتوجيه الثناء والتقدير للشعب اللبناني، محييا ذكرى الاف الضحايا الذين فقدهم لبنان منذ اندلاع الحرب مع إسرائيل في أيلول الماضي. وهي حرب أغرق فيها لبنان بالرغم من ارادته، من خلال لامسؤولية البعض، وواجهها اللبنانيون بتضامن مذهل، مرة جديدة، لمساعدة العدد الكبير من النازحين. فلأجل توجيه التحية الى هذا الشعب الذي يتألم، منذ سنوات طوال، اتيت. ان الأمل يعلو من جديد. انتم هنا، ونحن الذين كنا الى جانبكم في الظروف الصعبة، سنكون معكم في هذا العهد الذي بدأ”.
اجتماع رباعي
وبعد انتهاء اللقاء الثنائي، انضم رئيسا المجلس النيابي نبيه بري وحكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى الرئيسين عون وماكرون ليعقد اجتماع موسع استمر ثلث ساعة.
كلمة في السجل الذهبي
ثم دوّن الرئيس ماكرون في السجل الذهبي للقصر الجمهوري، العبارة التالية:
“في هذا اليوم انطلق نفس جديد كما ولد امل للبنان. ان فرنسا كانت وستبقى الى جانبكم كما دائما ولا سيما في الظروف الصعبة، وذلك من اجل سيادة ووحدة ومسؤولية الجميع لتوطيد رفاهية لبنان. ان لبنان لطالما كان اكبر من ذاته. والشكر للرئيس عون ومع كل دعم فرنسا له”.
مأدبة غداء
بعد ذلك أقام الرئيس عون مأدبة غداء على شرف ضيفه، شارك فيها الرئيسان بري وميقاتي اللبنانية الأولى السيدة نعمت عون ووزيرا الخارجية والمغتربين والدفاع في حكومة تصريف الاعمال عبد الله بو حبيب وموريس سليم ومدير عام رئاسة الجمهورية الدكتور أنطوان شقير والمستشارة الدبلوماسية السفيرة جان مراد.
كما شارك عن الجانب الفرنسي وزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكورنو، وزير أوروبا والشؤون الخارجية جان-نويل بارو، وزير الخارجية السابق والمبعوث الخاص لرئيس الجمهورية إلى لبنان جان إيف لو دريان، السفير الفرنسي في لبنان هيرفيه ماغرو، مديرة شؤون شمال افريقيا والشرق الأوسط في وزارة أوروبا والشؤون الخارجية آن غريو، الجنرال تيري بورخاد، رئيس هيئة الأركان الخاصة لرئيس الجمهورية فابيان ماندون، المستشارون: إيمانويل بون، كزافييه شاتيل، وآن-كلير ليجيندر، والمديرة العامة للعلاقات الدولية بوزارة الجيوش أليس روفو.
واستكمل خلال مأدبة الغداء التي أقامها الرئيس عون على شرف الرئيس ماكرون، الحديث في المواضيع التي تهم البلدين، ولا سيما تطوير التعاون المشترك، والوضع في الجنوب وضرورة تثبيت وقف اطلاق النار وانسحاب إسرائيل وتطبيق القرار 1701 وإعادة اعمار القرى والمنازل المهدمة.
وجدد الرئيس ماكرون تأكيده على دعم فرنسا للجيش اللبناني، وعلى دعم المؤسسات اللبنانية لا سيما تلك التي تعنى بالشؤون الإنسانية والاجتماعية والتربوية. وتطرق الحديث ايضا، الى الوضع في سوريا وانعكاسه على عدد من دول المنطقة ومنها لبنان.
لقاء الرئيسين ماكرون وبري
وبعد انتهاء الغداء، عقد الرئيس الفرنسي خلوة مع الرئيس بري استمرت ثلث ساعة، غادر بعدها رئيس مجلس النواب قصر بعبدا، وقال ردا على سؤال صحافي عن إمكانية تشكيل الحكومة الجديدة بسرعة: “ان شاء الله خير”.
وعلى الأثر، غادر الرئيس ماكرون قصر بعبدا، رافقه الرئيس عون حتى المدخل الرئيسي، وتعانقا على امل اللقاء القريب خلال زيارة سوف يقوم بها الرئيس عون الى باريس، تلبية للدعوة التي وجهها له الرئيس ماكرون.
وقبيل مغادرته، قال الرئيس الفرنسي ردا على سؤال عمن يعرقل تأليف الحكومة: “ان مسؤوليتهم هي بذل جهودهم لمساعدة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على استعادة السيادة وبناء الازدهار وتحقيق الوحدة لما فيه مصلحة الشعب اللبناني. لم يعد الوقت من اجل المصالح الفردية”.
مواضيع ذات صلة :
برّي يهنّئ “الميدل إيست” على تفانيها في فترة الحرب | بري بحث مع رئيس مراقبة الهدنة المستجدات | جلسة انتخاب الرئيس… هل تكون آخر ” أرانب” بري؟ |