بعد رحلة مريرة مع المرض.. الشاشة اللبنانيّة تُودّع هدى شديد

بعد صراع طويل مع مرض السرطان، خسر لبنان الإعلامية هدى شديد اليوم بعد رحلةٍ مريرةٍ حاربت بها المرض، قبل أن تستسلم له.
هدى شديد التي واكبت أبرز المحطات السياسيّة في لبنان، وخاضت تجربة التغطيات المباشِرة للرؤساء والشخصيات السياسيّة البارزة، ودّعت الشاشة لتترك فراغًا في الإعلام اللبناني.
لم ترحل هدى قبل أن تروي رحلة نضالها وحربها مع المرض الخبيث، خلال تكريمها في قصر بعبدا من قبل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، حيث كان وداعها الأخير في ذاك الاحتفال قبل أسابيع ثلاثة.
وقالت شديد بتأثر كبير: “قبل ان ابدأ كلمتي، أودّ أن اشكر الزميلات والزملاء الذين رافقوني وساعدوني في مسيرتي الطويلة، وخصوصًا في قصر بعبدا حيث كنت حاضرة كمراسلة طوال خمسة عهود. لقد اعتدنا في لبنان ان يتمّ تكريم الانسان بعد وفاته، لذلك أود أن اشكركم على تكريمي وأنا على قيد الحياة، خصوصًا أنه يأتي في بداية عهدكم، فخامة الرئيس”.
وأكملت: “تأثرت كثيرًا بالعاطفة الكبيرة وباللفتة الإنسانية الراقية التي خصّصتموني بها، فخامة الرئيس العماد جوزاف عون والسيدة الأولى نعمت او “نانو” كما اعتدت أن اسمّيك منذ تعرّفت إليكِ، وأيضًا نزولًا عند رغبتِكِ ورغبة فخامة الرئيس بأن أبقي على هذا الاسم، واعتدنا في لبنان أن يتم تكريم المرء بعد مماته، إنّما قد يكون التكريم حياة ثانية وقوة دفع وتشجيع للتسليم بإرادة الرب الذي قال لا تسقط شعرة من رؤوسكم الا بإرادتي”.
وأضافت: “الشكر يبدأ عندكم فخامة الرئيس والسيدة الأولى، ويمتدّ الى رفيق شلالا، الإنسان الذي اعتدنا أن يكون أستاذنا وراعينا، وهو الذي رافقني من خلال رعايته واحتضانه وإرشاداته، طوال 30 سنة قضيتها في القصر الجمهوري أتولى فيها، في مهنة المتاعب، التغطية ليلًا نهارًا، حتى قيل عنّي إنني كبيرة المراسلين او عرّابتهم في القصر الذي بتّ أحفظ عواميده، وقد أمضيت اكثر من نصف حياتي فيه، وهو الذي كان، وسيبقى رمز وحدة الوطن وسلطة الدولة وسلامة المؤسسات، وعند إقفاله تكون الدنيا كلها قد أقفلت في وجهنا، لكنه عاد الى الحياة معكم، فخامة الرئيس”.
وتابعت: “حظيت بشرف مواكبة أربعة رؤساء، قدّموا للبلد كل ما أمكنهم في عهودهم، من الرئيس الراحل الياس الهراوي، الى الرؤساء العماد إميل لحود والعماد ميشال سليمان والعماد ميشال عون، أطال الله بعمرهم، إضافة الى فترات الفراغ التي أقفلت القصر ولبنان، مع غياب الرأس”.
وزادت: “فخامة الرئيس، رأيت فيك عند دخولك الى هذا القصر، كما جميع اللبنانيين، خطوات واثقة، ملكًا، لا ينقصك دعم السياسيين ولا ثقة الداخل والخارج التي استحققتها بجدارة. اللبنانيون المخلصون كلهم يقفون الى جانبك لقيادة سفينة هذا البلد المرمي وسط الأمواج العاتية، والى جانبك امرأة تصلي وتعمل على مساعدتك في متابعة القضايا وأبرزها تلك الإنسانية والاجتماعية وغيرها”.
أضافت: “أشكر كل الحضور في هذا التكريم الغالي على قلبي في هذه اللحظة من حياتي، وهي لائحة شكر طويلة لكلّ من رافقني طوال السنوات الـ30: الأستاذ صلاح سلام والأستاذ المرحوم عبد الغني سلام، وهما كانا أول من حملني من زغرتا الى القصر الجمهوري كمراسلة. “جريدة النهار” مع الشهيد جبران تويني الذي أبى إلّا أن يثبّتني كمراسلة دائمة في القصر، الى حاملة الأمانة السيدة نايلة التي حافظت على هذا الاعتماد، والزملاء فرنسوا عقل، نبيل بو منصف وغسان حجار. أما ميشال حلو، الشاب الذي ترك كل شيء وعاد ليحفظ إرثًا غاليًّا فاق عمره الـ130 عامًا، أي L’Orient Le Jour، أول صحيفة باللغة الفرنسية في لبنان والمنطقة، وهو الذي عندما أبلغته بأنه لم يعد بامكاني الاستمرار في عملي بسبب المرض، اجابني: انت ابنة هذه المؤسسة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وستبقين معنا، ولن يهزمك مرض او غيره”.
وأضافت: “الشكر الكبير للكثير من الزملاء الذين تعاونوا معي خلال السنتين الأخيرتين، ومنهم زملائي الاوفياء في وكالة “رويترز” الذين رافقوني وأمسكوا بيدي ووقفوا الى جانبي، رفيقات العمر: سامية نخول، ليلى البسام، مايا جبيلي، وكلّ من رافقني خلال مسيرتي الإعلامية، أنتقل الى عائلتي، والدي وإخوتي وأخواتي وأزواجهن، ووالدتي التي ودّعتها منذ فترة غير طويلة، وهم جميعًا فخورون بهذا التكريم، وإن لائحة الشكر لا تنتهي، وضيق الوقت لا يسمح لي بأن أذكر بالاسم جميع الأطبّاء الذين رافقوني، وهم لا يزالون يناضلون وواثقون أن أبواب العلاج لا يمكن إغلاقها في وجهي، وهم اليوم معي يشرّفونني بمشاركتي في هذه المناسبة الاجمل على قلبي”.
وتابعت: “أصل اخيرًا الى الجوهر، الى القلب، الى روح إنسان ترك كل شيء ليقف الى جانبي، والذي كنت استمدّ منه القوة والهمّة والإرادة والعزم وعدم الاستسلام: الشيخ بيار الضاهر، الذي لو قدّر له شراء روح لي، لما تأخّر. اعطاني المناعة المادّية، وكلّ المساحة على الأثير لأبقي على إطلالتي على الشاشة بمختلف ظروفي الصحية، ولسان حاله: اختاري الوقت الذي يناسبك، وبالشكل الذي يناسبك “بفولار او بلا فولار، بشعر مستعار او من دونه”، وهذا ما ساعدني على أن أشعر، كلما توجهت الى المؤسسة اللبنانية للارسال، أن الحياة لا تزال جميلة وهي تتجدّد. هو الانسان الصارم جدًا عند اللزوم، وصاحب قلب الاطفال عندما يتعلق الامر بالانسانية”.
ولفتت إلى أنَّ “ان الفرحة اليوم عارمة، وكنت أمضيت اكثر من أسبوع أجاهد من اجل ان تكون روحي في هذا التكريم أقوى من مرضي الجسدي، كما رغبت بشدة ان أحضر اليوم وانا واقفة على رجليّ بدل أن أكون على الكرسي المتحرّك الذي رافقني في الفترة الأخيرة، وأرغب في استئذانك، فخامة الرئيس، لكي اقدّم هذه الدرع التكريمية الى الشيخ الضاهر وأسرة المؤسسة اللبنانية للارسال، التي بقيت أحتفل فيها بالحياة، هذه المؤسسة التي توّجت فيها مسيرتي واستمددت منها القوة، وساهمت في نشر رسالة لكل مريض بأنّ الحياة لا تنتهي مع المرض، لا بل يجب ان تتجدد”.
ورأت شديد أنّ “الـ LBCI هي أجمل مكان أضع فيه هذا التكريم الرئاسي، هي بيتي وعائلتي، وأهدي هذا الدرع الى الشيخ الضاهر وأسرته التي هي أسرتي، وزوجته السيدة رندا التي غابت قسرًا عن هذه المناسبة لتكون، عند رغبتنا جميعًا، الى جانب ابنتها يارا التي تنتظر مولودها”.
ثم توجّهت مجدّدًا الى رئيس الجمهورية والسيدة الأولى، معربة عن فرحتها الكبيرة بهذه اللفتة وبالعاطفة الصادقة تجاهها من قبلهما، مشيرة الى ان الحياة لا تتوقف عندما يكون هناك دعم وحب، معربة عن ارتياحها الكبير لتتويج مسيرتها المهنية في هذا المكان الذي تحب، وثم استأذنت الرئيس عون والسيدة الأولى، وطلبت تقديم الدرع الى الشيخ الضاهر، والتقاط صورة تذكارية للمناسبة.
الرئيس عون: لو تحدثت عن مسيرتك فلن أفيَكِ حقّك
أمّا الرئيس جوزاف عون، فقال خلال تكريم شديد: “العزيزة هدى، أتوجَّه إليكِ بكلماتٍ من القلب، وأنت تواجهين المرض بقلب نقي وروح متَّحدة بالايمان والعزم، رافقتُ مسيرتك مع المحنة فاستمدَدتُ من بسمتك الإلهام والأمل. تعلّمت من صمتك كيف نخوض الحياة بسلام ورجاء، ومن كلامك كيف يتغلَّب الصبر والمحبة على روح الاستسلام”.
وأضاف: “ثقي يا هدى بأنّ الحبَّ يحيط بك من كلِّ الجهات، وأن لك تقديرًا عاليًا في قلبي وفي قلوب الكثير من اللبنانيين، ولو تحدثت عن مسيرتك الإعلامية وكتاباتك فلن أفيكِ حقك. تدركين جيدًا أنَّك دخلتِ البيوت والقلوب بحِرَفيتك ومهنيتك العالية وحضورك المتَّقد على الشاشة وفي الإعلام. والأهمّ أنكِ حافظت على موضوعيتك ووطنيتك الراسخة في ممارستك لرسالتك الإعلامية. أقول رسالة وأنا اؤمن بذلك بكلِّ قواي، لأنَّ الإعلام مهنة مقدَّسة، مكرَّسة لنقلِ الحقيقة، ولاحتضان واقع الناس وآمالهم”.
وتابع: “هدى العزيزة، هذه الرسالة شئتها أن تكون دعوة للأمل، وصلاة من أجل شفائك وتعافيك. عجنتك الحياة بكل التحديات والآلام، ومن لا يعرفك جيدًا، لا يعرف مقدار القوة التي تتحلين بها، والتي جعلتك تتخطّين الحواجز والصعاب، وحين شهدتِ في كتابك “ليس بالدواء وحده”، على أن الانتصار في النهاية هو اتحاد مع الله تعالى، ألهمتِ الكثير من المرضى الذي يواجهون السرطان. واليوم أنت المثال الأعلى في قوة الإنسان الباطنية، حتى في عزِّ ضعفه وسقطاته”.
وزاد عون: “أنحني أمام قوَّتك يا هدى، وما تعيشينه وتمرِّين به بكلِّ إيمان ورجاء. لا يمكن لأيّ كلام، أو شهادة، أو تكريم، أن يسموَ إلى اختبار أوجاعك بصبر المؤمنين، وتقديري لكِ بلا حدود، وأسأل ابن الله شفيعك وشفيعي، أن يرافقك في هذه المرحلة الصعبة، ويمسك بيدك بمحبته اللامحدودة”.
جاهدت هدى شديد وتحمّلت المرض، وظهرت دائمًا ببسمة أقوى من الآلام، غير أنّها استسلمت اليوم تحت جناح الألم لتودّع محبيها وتترك أثرًا إعلاميًّا في الشاشة اللبنانية، لن يُمحى، ولتبقى قصتها درسًا في الصمود حتى الرّمق الأخير.
يتقدّم موقع “هنا لبنان” بأحرّ التعازي من عائلة الزميلة شديد، متمنيًا لها الصبر والسلوان.
مواضيع ذات صلة :
![]() بالفيديو – الوداع الأخير للإعلامية هدى شديد | ![]() معوّض: هدى شديد واكبتني مثل الملاك الحارس | ![]() الخوري: سلام إلى هدى شديد الاحترافية المرحة |