سلام في دمشق… والملفات الثقيلة على الطاولة

لبنان 14 نيسان, 2025

منذ اتفاق الطائف، مرّت العلاقات اللبنانية – السورية بمراحل من التداخل والتوتر، من الاحتلال المقنّع إلى الانسحاب المفروض، ومن الوصاية إلى القطيعة، وصولًا إلى الفتور البارد خلال العقد الأخير. اليوم، وفي مشهد إقليمي مختلف، تتحرّك هذه العلاقات في اتجاه جديد، لا يُشبه ما سبق.

لم تعدْ سوريا التي اعتادت التأثير المباشر في القرار اللبناني، ولم يعدْ لبنان الذي يقبل بالوصاية تحت عنوان “الخصوصية”، بل بلد يبحث عن ترسيم علاقاته وحدوده، وعن إعادة تموضع سياسي يراعي توازناته الداخلية وخياراته الإقليمية.

وهكذا، في ظلّ هذا المناخ، يتوجّه اليوم رئيس الحكومة نوّاف سلام إلى دمشق، في زيارة وُصفت بـ”التأسيسية”، لا لأنها تندرج في سياق زيارات عادية أو مجاملة، بل لأنها قد تمهّد – إذا ما كُتب لها النجاح – لتحوّلٍ في طبيعة العلاقة بين الدولتيْن، من علاقة سلطة وهيمنة إلى علاقة دولتيْن متجاورتيْن، لكلّ منهما سيادتها وحدودها وقراراتها الخاصة.

ملفات شائكة… على الطاولة

بحسب ما كشفته صحيفة “اللواء”، فإن سلام سيلتقي الرئيس السوري أحمد الشرع، في جلسة محورية يتناول فيها الوفد اللبناني ملفاتٍ متعددة، تبدأ بإلغاء المجلس الأعلى اللبناني – السوري، وهو الرمز الأبرز للحقبة السابقة، ولا تنتهي عند ترسيم الحدود وضبط المعابر ومنع التهريب، بل تمتدّ إلى ملفات النازحين، والمفقودين اللبنانيين، والسجناء، واتفاقيات الزراعة والنفط والتبادل التجاري.
مصادر “السراي” أكّدت للصحيفة أن هذه الزيارة تأتي بعد جهود تمهيدية، أبرزها اللقاء الذي جمع وزيريْ الدفاع اللبناني والسوري في جدّة برعاية سعودية. وقد أسّس هذا اللقاء لآلية تفاهم أمني، تمكّنت من تخفيف التوتّرات المتكرّرة على الحدود الشرقية، خصوصًا مع مواجهات عشائرية شارك فيها مسلحون من “هيئة تحرير الشام”.

وبحسب “الجمهورية”، فإن أوساطًا مطلعةً ترى في الزيارة فرصةً حقيقيةً لـ”هندسة جديدة للعلاقة”، تنطلق من مبدأ احترام سيادة الدولتيْن وعدم التدخّل المتبادل، وهو ما يُعدّ تحوّلًا جذريًا في المفهوم الكلاسيكي للعلاقة الثنائية التي كانت تقوم على منطق الهيمنة والمرجعية الواحدة.

الحدود: بين التهريب والترسيم

أحد أهم الملفات المطروحة هو ملف الحدود، حيث لا تزال خطوط الجغرافيا مفتوحةً على احتمالات التهريب، وتعديات المسلحين، والاختراقات الأمنية. وبينما يشكل القرار الدولي 1701 الإطار الناظم لضبط الحدود مع إسرائيل، فإنّ القرار 1680، الأقل تداولًا، يعود اليوم إلى الواجهة كمرجعية لترسيم الحدود مع سوريا، وهو ما أشار إليه مراقبون سياسيون عبر “اللواء”، معتبرين أن “ساعة التطبيق قد حانت”.

وبالفعل، فإنّ التنسيق الأمني بين البلديْن لم ينقطع كليًا، على الرغم من الجفاء السياسي، خصوصًا في الملفات العاجلة مثل ملف الكبتاغون. فقد أعلنت قيادة الجيش اللبناني أمس ضبط شاحنة تحتوي على معدّات لتصنيع المخدرات في منطقة الهرمل، كانت معدّة للتهريب إلى سوريا، ما أعاد تسليط الضوء على أهمية التعاون الأمني لضبط هذه الظاهرة العابرة للحدود.

ملف النازحين: بين الداخل والمجتمع الدولي

يشكّل ملف النازحين السوريين في لبنان أحد أعقد الملفات التي تتطلب توازنًا بين الواقعية السياسية والحسّ الإنساني. وأكدت مصادر وزارية لـ”نداء الوطن” أن سلام والوفد المرافق، الذي يضمّ وزراء الخارجية والدفاع والداخلية، سيطرحون هذا الملف بشكل مباشر مع القيادة السورية، في ظلّ إعداد خطة لإعادة 400 ألف نازح، يشرف عليها نائب رئيس الحكومة طارق متري، الذي من المتوقع أن يزور دمشق لاحقًا لمتابعة الجوانب التنفيذية.

اللافت في هذا الملف هو انتقال الطرح من مستوى “الشكوى الداخلية” إلى مستوى “الخطوة السياسية”، بما يتوافق مع المزاج الشعبي اللبناني الذي يرى في أزمة النزوح عبئًا وجوديًا لا يحتمل التأجيل، بالتوازي مع مساعٍ لبنانية – سعودية – أوروبية للبحث في سبل تمويل العودة الآمنة، بدلًا من تمويل البقاء القسري.

في هذا السياق، قالت أوساط مطلعة لـ”الجمهورية”، إنّ هذه الزيارة تكتسب أهميةً كبيرةً، كونها ستشكّل فرصة لإيجاد أرضية صلبة من أجل إعادة ترتيب العلاقات اللبنانية – السورية على أسس سليمة، ومعالجة الملفات العالقة بين البلدين، والتي تشمل ضبط المعابر الحدودية لمنع التهريب وتفادي تكرار المواجهات المسلحة، وترسيم الحدود البرية والبحرية، وعودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وكشف ملف المفقودين اللبنانيين، وإلغاء المجلس الأعلى، ومراجعة الاتفاقيات الثنائية، والتعاون الاقتصادي.

وأشارت هذه الأوساط إلى أنّ “اتفاق جدة” الذي رعته القيادة السعودية بمشاركة وزيريْ الدفاع في البلديْن، مهّد الطريق أمام تخفيف التوتر الذي ساد قبل فترة بفعل الاشتباكات على الحدود الشرقية والشمالية بين عشائر لبنانية ومسلحين من “هيئة تحرير الشام”، ما سمح بالانتقال إلى المرحلة التالية وهي إعادة هندسة مجمل العلاقات الثنائية وفق قواعد ثابتة تراعي مصالح الدولتين وشعبيْهما.

المفقودون والسجناء: جرح وطني مفتوح

في ساحة الشهداء، أمس، قال نوّاف سلام إنه يأمل أن يعود من دمشق بـ”أخبار طيبة بشأن المفقودين اللبنانيين في السجون السورية”، وهو ملف كان وما زال موضع ألم واتهام ومزايدة.

مصادر مطلعة لـ”اللواء” أفادت بأن اللجنة القضائية الأمنية اللبنانية استأنفت أعمالها مؤخرًا، بعد الاستماع إلى معتقلين محرّرين، في محاولة لتقفّي أثر المختفين، وسط معطيات غير مؤكدة تشير إلى أن العديد منهم قضى في الاعتقال، ويجري العمل على معرفة مصير جثامينهم.

وعلى الرغم من أن الحديث عن هذا الملف يتجدّد في كل مناسبة، فإن الفرق اليوم هو وجود نيّة رسمية واضحة بطرحه في دمشق كأولوية، لا كمجرد بند رمزي.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us