لا دولة مع سلاح الحزب… ولا سلم أهلي في ظل الدويلة

بات واضحًا أنّ السلاح المتفلّت خارج شرعية الدولة لم يعد “سلاح مقاومة” بل عبئاً قاتلاً على ما تبقّى من لبنان. حزب الله، الذي يقدّم نفسه على أنه حامٍ للسيادة، هو اليوم أبرز العوائق أمام قيام دولة فعلية تحكم بالقانون والدستور. لا يمكن لدولة أن تنهض وجيشها مغلول اليد، ولا يمكن لسلام أن يُبنى تحت فوهة بندقية لا تخضع لمساءلة.
لقد تحوّل “سلاح المقاومة” إلى ذريعة دائمة للهيمنة على القرار السياسي، وسلاح ضغط بيد محور خارجي يُقحم لبنان في حروب لا شأن له بها، ويجعل من أراضيه منصة لصراع الآخرين. عشرات الغارات الإسرائيلية اليومية، عشرات القتلى، الدمار، التهجير، اقتصاد يحتضر، وكل ذلك تحت شعار “المقاومة”… ولكن مقاومة من؟ ومن أجل ماذا؟ المقاومة الحقيقية تبدأ من استعادة القرار الوطني من قبضة السلاح غير الشرعي.
لقد آن الأوان لأن يُحصر السلاح بيد الدولة، ويُفتح الباب لحوار وطني مسؤول بشأن الاستراتيجية الدفاعية، حوار لا يبدأ من شروط الحزب ولا ينتهي عند سقف المصالح الإيرانية.
في تصريح لافت يوم أمس الأحد، اعتبر رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أنّ سحب سلاح حزب الله مسألة “محسومة من حيث المبدأ”، لكنها رهن توافر الظروف الملائمة، مشدّداً على أنّ معالجتها لا بد أن تكون “بروية ومسؤولية”. وهو موقف يعكس حجم الإرباك الرسمي في مقاربة هذا الملف، الذي ظلّ لسنوات ورقة إقليمية بامتياز، تتجاوز حدود لبنان الجغرافية والسياسية.
عون شدّد على أهمية الحوار في مقاربة هذا الملف، محذّراً من تحويله إلى صدام داخلي قد يهدد السلم الأهلي. لكن هذه المقاربة، رغم واقعيتها السياسية، لا تلغي جوهر المسألة: لماذا لا يزال سلاح حزب الله خارج الدولة بعد كل هذه السنوات، وبعد كل الخسائر؟
ضغط دولي متصاعد
الملف اكتسب زخماً جديداً في الأشهر الأخيرة، لا سيما بعد أكثر من عام من المواجهات المفتوحة مع إسرائيل والتي كلفت حزب الله مئات العناصر، وأوقعت أضراراً جسيمة في البنى التحتية اللبنانية. هذه الكلفة الباهظة أعادت إلى الواجهة مسألة حصر السلاح بيد الدولة، لا فقط من منطلق قانوني، بل من منطلق إنقاذي.
الولايات المتحدة، عبر نائبة مبعوثها إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، جددت الضغط على السلطات اللبنانية للإسراع في تنفيذ بنود اتفاق وقف الأعمال العدائية، ومن ضمنها نزع سلاح حزب الله، معتبرة أن الأمر بات “ملحًّا”، وأنه يشكل شرطاً ضرورياً لأي دعم دولي فعلي للبنان.
ردّ الحزب
على الضفّة المقابلة، جاء الردّ سريعاً من نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، الذي كرّر الموقف المعروف للحزب: “لن ينزع أحد سلاح المقاومة”، لكن في الوقت نفسه أبدى انفتاحاً على حوار بشأن “الإستراتيجية الدفاعية”، مشروطاً بانسحاب إسرائيل من الجنوب وبدء عملية إعادة الإعمار.
تصريحات قاسم تؤكد أنّ الحزب لا يرى نفسه طرفاً داخلياً خاضعاً لمعادلات الدولة، بل طرفاً عابراً لها، يتحاور معها من موقع القوة لا من موقع التبعية. وهو بذلك يُعيد إنتاج معادلة قديمة جديدة: سلاح المقاومة ليس مطروحاً للنقاش قبل إنهاء الاحتلال.
الجيش اللبناني: المعادلة الصعبة
في خضم هذه المعمعة، يحاول الجيش اللبناني لعب دور الحامي للدولة، دون التورط في صراع داخلي مع الحزب. وقد أعلن مؤخراً عن تفكيك منصات صواريخ كانت معدّة لإطلاقها نحو إسرائيل، واعتقال أشخاص تورطوا في عمليات مماثلة.
وفي حادثة أخرى، أدى انفجار ذخائر أثناء نقلها إلى مقتل 3 عسكريين، ما يسلّط الضوء على خطورة وجود ترسانة عسكرية خارج سيطرة الدولة، تُخزن وتُنقل دون إشراف رسمي.
رئيس الوزراء نواف سلام اعتبر ما قام به الجيش دليلاً على التزام الحكومة ببسط سيادتها، لكن التحدي الحقيقي يبقى في القدرة على تنفيذ هذا الالتزام على الأرض، لا فقط في البيانات.
السلاح أو الدولة
لا يمكن للبنان أن يخرج من دوّامة الحروب والانهيارات ما دام السلاح موزعاً بين الأيدي، وما دامت الدولة لا تملك قرار السلم أو الحرب. تسليم سلاح حزب الله ليس إعلان عداوة، بل إعلان سيادة. وهو ليس استسلاماً، بل انتصار لفكرة الدولة.
فإلى متى يبقى لبنان يعيش على إيقاع “المقاومة”، بينما تُقاوم الدولة بقاءها؟
مواضيع ذات صلة :
![]() سلاح “الحزب”… العقبة الأخيرة أمام الدولة | ![]() سلاح “الحزب” على طاولة المؤسّسات الدستورية | ![]() بشأن حمل الكاهن سلاح في الكنيسة… توضيح من أبرشية أنطلياس! |