الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان: استحقاق طال انتظاره وسط تحديات الواقع اللبناني

بعد سنوات من التأجيل والتسويف، تعود الانتخابات البلدية والاختيارية إلى الواجهة السياسية والإدارية في لبنان، مع إعلان وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجار دعوة الهيئات الناخبة للمشاركة في الاستحقاق المنتظر في شهر أيار المقبل 2025. وبين الحماسة الشعبية للتمثيل المحلي وتجديد المجالس من جهة، والتحديات اللوجستية والمالية والسياسية من جهة أخرى، تبدو الصورة ضبابية نسبيًا، لكنها تتجه إلى حسم إجراء الانتخابات في موعدها.
نشأة البلديات وتطورها في لبنان
تعود جذور البلديات في لبنان إلى العهد العثماني، حين أُنشئت أول بلدية في دير القمر عام 1864. ثم تطورت خلال فترة الانتداب الفرنسي، حيث وُضعت أنظمة بلدية عام 1922 في ظل قيام “دولة لبنان الكبير”. أما القانون البلدي المعتمد حاليًا فقد صدر بموجب المرسوم التشريعي الرقم 118 في 30 حزيران 1977، وتم تعديله لاحقًا عام 1997.
يعرّف القانون البلدية على أنها “إدارة محلية تمارس صلاحياتها ضمن نطاقها الجغرافي، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، وتخضع لسلطة وزارة الداخلية والبلديات”.
التركيبة البلدية والاختيارية بالأرقام
وفقاً لأرقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) و”الدولية للمعلومات”:
• عدد البلديات: 1064 (منها 35 بلدية استُحدثت بعد 2016)
• عدد أعضاء المجالس البلدية: 12,744 عضوًا.
• عدد المخاتير: 3,080 مختارًا.
• عدد أعضاء المجالس الاختيارية: 4,101 عضوًا.
• عدد البلدات والقرى اللبنانية: 1,436
• بلديات منحلّة: 125 بلدية (تُدار موقتًا من القائمقام أو المحافظ).
• بلديات مشلولة: 640 بلدية (لا تجتمع مجالسها بسبب الخلافات).
• بلديات تسيّر أمورها نسبياً: 250 بلدية.
يتراوح عدد أعضاء المجالس البلدية بين 9 و24 عضوًا، بحسب عدد سكان كل بلدة، ويشكل كل مجلس سلطة تقريرية، في حين أن رئيس البلدية يمثل السلطة التنفيذية.
الانتخابات البلدية عبر التاريخ
شهد لبنان ست دورات انتخابية بلدية منذ الاستقلال: 1952 – 1963 – 1998 – 2004 – 2010 – 2016.
أما أطول فترة فراغ بلدي فكانت بين 1963 و1998 بسبب الحرب الأهلية، حيث صدر أكثر من 20 قانون تمديد. أما آخر تمديد للمجالس الحالية فكان عام 2023، حين تقرّر تأجيل الانتخابات إلى أيار 2025 بسبب الظروف الأمنية والمالية.
تُجرى الانتخابات البلدية كل 6 سنوات، بخلاف الانتخابات النيابية التي تُجرى كل 4 سنوات. لكن عمليًا، لم تُحترم هذه المدة سوى في ثلاث محطات انتخابية فقط، مما يدل على هشاشة انتظام هذا الاستحقاق.
موعد انتخابات 2025: مؤكد أم قابل للتأجيل؟
على الرغم من إعلان وزير الداخلية تحديد موعد الانتخابات في أربع مراحل ما بين 4 و25 أيار 2025، لا تزال الشكوك قائمة، إذ تقدم النائبان وضاح الصادق ومارك ضو باقتراح قانون لتأجيل الانتخابات مجددًا لأسباب تقنية وتشريعية.
لكنّ الوزير الحجار أصرّ على المضي قدمًا، من خلال توقيعه دعوة الهيئات الناخبة في جبل لبنان في 4 أيار، ما يشير إلى نية واضحة بإجراء الانتخابات في موعدها، بانتظار صدور الدعوة الرسمية للترشح قبل 4 نيسان كحد أقصى، بحسب القانون.
تعديل موعد الانتخابات البلدية في الجنوب والنبطية بسبب عيد المقاومة والتحرير
أعلن وزير الداخلية والبلديات، أحمد الحجار، اليوم، عن تعديل موعد الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي الجنوب والنبطية، والتي كانت مقررة في 25 أيار المقبل، نظرًا لتزامنها مع العطلة الرسمية لعيد المقاومة والتحرير. ووفق القرار الجديد، ستُجرى الانتخابات في هاتين المحافظتين السبت 24 أيار 2025.
ويأتي هذا التعديل في سياق التحضيرات اللوجستية والتنظيمية التي تواصلها الوزارة استعدادًا للاستحقاق البلدي. وكان الحجار قد ترأس قبل أسبوعين اجتماعين تحضيريين منفصلين خصصا لمتابعة جهوزية المحافظات. ضم الاجتماع الأول محافظات بيروت، البقاع وبعلبك – الهرمل، بمشاركة محافظ بيروت القاضي مروان عبود، ومحافظ البقاع القاضي كمال أبو جودة، ومحافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر.
أما الاجتماع الثاني، فخُصّص لمحافظتي الجنوب والنبطية، بحضور محافظ الجنوب منصور ضو، ومحافظ النبطية هويدا الترك.
وحضر الاجتماعين أيضاً المدراء العامون في وزارة الداخلية، القائمقامون، وممثلون عن قوى الأمن الداخلي، إلى جانب ضباط وأعضاء فريق عمل الوزارة. واستمع الوزير الحجار خلالهما إلى تقارير عن التحضيرات الجارية، واطلع على الاحتياجات والتحديات، كما راجع الإجراءات والتدابير الأمنية والإدارية المتخذة لتأمين حسن سير العملية الانتخابية.
وستُجرى الانتخابات البلدية وفق البرنامج الزمني التالي:
• السبت 4 أيار 2025: محافظة جبل لبنان.
• السبت 11 أيار: محافظتا لبنان الشمالي وعكار.
• السبت 18 أيار: محافظات بيروت، البقاع وبعلبك – الهرمل.
• السبت 24 أيار: محافظتا الجنوب والنبطية (بعد التعديل).
البلديات والاختيارية: أكثر من مجرد تمثيل
البلدية ليست فقط إطارًا لتمثيل محلي، بل هي سلطة أساسية في التنمية. تقع على عاتقها مهمات كبرى تبدأ من إدارة البنى التحتية، إلى الخدمات اليومية، مروراً بإعادة الإعمار في المناطق المتضررة، وصولًا إلى التعامل مع أزمة النزوح السوري.
في السنوات الأخيرة، ومع تدهور الوضع المالي في لبنان، عانت البلديات من شحّ التمويل. وأصبح بعضها عاجزًا عن دفع رواتب الموظفين، أو حتى جمع النفايات، مما أدى إلى تراجع شديد في الخدمات.
ووفق شهادات رؤساء بلديات، فإن البعض قادر على تأمين المصاريف التشغيلية فقط، فيما تفتقر الغالبية إلى الأموال اللازمة للمشاريع المستقبلية. وهنا يبرز التفاوت بين البلديات الكبيرة التي تحتاج إلى ميزانيات ضخمة، وتلك الصغيرة ذات الحاجات المحدودة.
هل تكون الانتخابات مدخلًا للإصلاح والإنماء؟
في ظل الواقع المتردي، يعلّق اللبنانيون آمالًا كبيرة على هذه الانتخابات، ويرون فيها فرصة نادرة لإعادة تكوين السلطات المحلية، وضخّ دم جديد في المجالس، خصوصًا من الشباب والكفاءات.
ويأمل كثر أن تفرز الانتخابات مجالس بلدية منسجمة وقادرة على تنفيذ مشاريع تنموية شفافة بعيدًا عن الزبائنية والمحاصصة التي طبعت العمل البلدي في السنوات الماضية.
كما يُنظر إلى الانتخابات الاختيارية باعتبارها مكمّلة للعمل البلدي، إذ يشكل المختار حلقة وصل بين المواطنين والدولة، وله دور كبير في تسيير شؤون الأحوال الشخصية والمعاملات الرسمية.
التحديات أمام العملية الانتخابية
1. الوضع الأمني: خصوصًا في ظل التوترات الحدودية والهجمات الإسرائيلية.
2. الوضع المالي: صعوبة تأمين تكاليف الانتخابات واللوجستيات المرافقة.
3. التجاذبات السياسية: إمكانية تطيير الانتخابات مجددًا إذا تعذر التوافق بين القوى الأساسية.
4. غياب الثقة العامة: فقدان الناس الثقة بالمنظومة، ما قد ينعكس ضعفًا في نسب المشاركة.
انتخابات مفصلية في لحظة حرجة
بين الأزمة السياسية وتعطّل مؤسسات الدولة، تُطلّ الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان كاستحقاق مفصلي. فهل تكون مناسبة لتجديد الطبقة المحلية، وإعادة الاعتبار لمبدأ المحاسبة؟ وهل سيشهد اللبنانيون تراكمًا إيجابيًا من هذه الانتخابات نحو الرئاسية فالحكومية ثم النيابية؟
اللبنانيون يتوقون إلى التغيير. لكنّ ذلك لن يتحقق إلا إذا جرت الانتخابات فعلًا، وشارك فيها المواطنون بكثافة، وانتخبوا من يمثلهم لا من يستغلّهم. فهل يكون أيار 2025 موعدًا للانطلاق نحو إدارة محلية فاعلة وفعّالة؟.