لبنان تحت المجهر الدولي: زيارات رسمية وتأكيد على حصرية السلاح والسيادة

في وقتٍ بالغ الحساسية سياسيًا وأمنيًا، استقبل لبنان وفدًا من مجلس الشيوخ الفرنسي برئاسة إتيان بلان، في زيارة عكست اهتمام باريس المستمر بدعم الدولة اللبنانية ومؤسساتها في مواجهة التحديات المتعاظمة، لا سيّما على المستوى الأمني والاقتصادي والسيادي. اللقاءات التي عقدها الوفد مع كبار المسؤولين اللبنانيين، ومن بينهم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، شكلت مناسبة لإعادة التأكيد على ثوابت فرنسية تجاه لبنان، وأبرزها الوقوف إلى جانب الجيش اللبناني ودعم الدولة في مسار استعادة سلطتها الكاملة.
الرئيس جوزاف عون: “العودة إلى الحرب ممنوعة”
خلال لقائه بالوفد في القصر الجمهوري، في حضور القائم بالأعمال الفرنسي برونو دا سيلفا، شدد عون على أن لبنان يمر بمرحلة دقيقة تتطلب أقصى درجات المسؤولية الوطنية. وأكد، كما نقلت صحيفة الشرق الأوسط، أن قرار “حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية” قد اتُخذ بالفعل، ويتم العمل عليه تدريجيًا وبهدوء، من دون التفريط بالسلم الأهلي. وأضاف أن “العودة إلى لغة الحرب أمر مرفوض”، وهو موقف موحّد على مستوى القيادات اللبنانية كافة، بحسب تعبيره.
في هذا السياق، أشار عون إلى أنّ الجيش اللبناني يواصل تنفيذ واجباته، لا سيما في الجنوب، حيث يضطلع بمهام تطهير البلدات من الذخائر والمظاهر المسلحة، تطبيقًا للاتفاق الذي تم التوصل إليه في نوفمبر الماضي. لكنه نبّه إلى أن “الوجود الإسرائيلي على خمس تلال حدودية يشكل عائقًا حقيقيًا أمام استكمال الجيش لانتشاره حتى النقاط السيادية”، مؤكدًا أن هذه التلال “لا تحمل أي أهمية عسكرية”، ومع ذلك فإن الاحتلال الإسرائيلي يرفض الانسحاب منها.
التنسيق مع سوريا والنازحين
ومن أبرز النقاط التي أثارها عون مع الوفد الفرنسي، التنسيق القائم مع الجانب السوري. وأوضح أنه على تواصل مباشر مع الرئيس السوري أحمد الشرع، بهدف معالجة الملفات الأمنية على الحدود، إلى جانب قضايا عالقة أبرزها ترسيم الحدود وأزمة النازحين السوريين. ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن عون قوله إن “الوجود السوري في لبنان لم يعد أمنيًا بل اقتصاديًا، وأن الدعم الدولي يجب أن يُقدَّم داخل سوريا لتشجيع العودة، لا في لبنان بما يعزز فكرة البقاء الدائم”.
الأمن والانتخابات: تحدّيات المرحلة المقبلة
وأكد عون للوفد الفرنسي أن الأجهزة الأمنية، ولا سيما الجيش، تبذل أقصى طاقاتها لحماية الحدود الشمالية والشرقية، وللتصدي لمحاولات تهريب البشر والمخدرات. لكنه لم يُخفِ حجم التحديات، في ظل ضعف الإمكانات والتجهيزات والرواتب المتدنية للعسكريين. ورغم ذلك، أبدى تفاؤله بشأن الانتخابات البلدية المقبلة، مشددًا على أنها ستُجرى في موعدها المقرر، وأن الدولة جاهزة لتأمين الظروف الملائمة لها.
محطات أخرى للوفد: عين التينة والسراي ومجلس النواب
زيارة الوفد الفرنسي لم تقتصر على القصر الجمهوري. فقد التقى كذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، بحضور مستشاره محمود بري. وتركّز النقاش على العلاقات اللبنانية الفرنسية، إلى جانب قضايا إقليمية وأمنية حساسة.
وفي السراي الكبير، استقبل رئيس الحكومة نواف سلام أعضاء الوفد، ودار الحديث حول آليات عمل المؤسسات، والملف الإصلاحي، والتطورات السياسية الإقليمية، لا سيما تلك التي تمسّ مباشرة بلبنان واستقراره.
كما عقد أعضاء الوفد اجتماعًا موسّعًا في مجلس النواب، ضمّ لجنتي الصداقة البرلمانية اللبنانية الفرنسية، برئاسة النائبين ميشال موسى وسيمون أبي رميا، بالإضافة إلى رئيس لجنة الشؤون الخارجية النائب فادي علامة. وقد شدد النواب اللبنانيون خلال اللقاء على أهمية العلاقات التاريخية مع فرنسا، داعين إلى استمرار الدعم السياسي والاقتصادي والأمني الذي تقدمه باريس للبنان.
مواقف لافتة ورسائل غير مباشرة
زيارة الوفد الفرنسي أتت في ظل تصعيد ميداني متزايد، لا سيما بعد الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية. والتي أعادت المخاوف من اندلاع حرب جديدة إلى الواجهة. وقد أوردت صحيفة “الأنباء” الإلكترونية أن اللبنانيين يعيشون حالة من القلق المتصاعد، في ظل التحليق المتواصل للطائرات المسيّرة الإسرائيلية، ومحدودية التقدّم في ملف سلاح حزب الله.
ونقلت الصحيفة عن مصادرها أن “تطبيق مطلب حصر السلاح بيد الدولة”، وهو ما يشكل أحد مطالب المجتمع الدولي، يستدعي تعاونًا من حزب الله، خصوصًا في ضوء احتمال ظهور تسويات إقليمية جديدة تشمل الملف النووي الإيراني. كما شددت المصادر على ضرورة عدم تحميل الدولة وحدها مسؤولية تأخير إعادة الإعمار، معتبرة أن الانخراط الكامل في مشروع الدولة هو السبيل الوحيد لضمان الاستقرار وإعادة بناء الثقة مع المجتمع الدولي.
خلاصة ورسائل الزيارة
زيارة الوفد الفرنسي إلى لبنان حملت في طياتها رسائل دعم واضحة، لكنها لم تخلُ من إشارات ضمنية إلى الحاجة الملحة للإصلاح، وضبط الأمن، وبسط سلطة الدولة. من ناحية أخرى، أكد المسؤولون اللبنانيون من خلال مواقفهم الموحدة أن مرحلة التفكك السياسي قد ولّت، وأن هناك إرادة داخلية للتمسك بالسلم الأهلي، وإنهاء حالة الانقسام التي طالما أعاقت تقدم البلاد.
وبينما لا تزال الأوضاع الإقليمية ضاغطة، فإن اللقاءات اللبنانية الفرنسية شكلت فرصة لتأكيد التزام باريس التاريخي بدعم لبنان. كما ولحث اللبنانيين على اغتنام الفرص المتاحة لاستعادة الثقة، داخليًا وخارجيًا، وبناء الدولة التي يطمح إليها المواطنون.
زيارة رئيس الجمهورية إلى الإمارات: تعزيز للعلاقات وإجراءات مرتقبة
إضافة الى ذلك، هناك ترقب زيارة رئيس الجمهورية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. حيث أفادت مصادر سياسية مطلعة لـ”اللواء” أن هذه الزيارة ستتضمن بحث عدد من المواضيع ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، في إطار تعزيز علاقات لبنان مع الدول الشقيقة والصديقة. وأشارت المصادر إلى أن الزيارة تكتسب أهمية خاصة في استعادة رونق العلاقات اللبنانية الخليجية، ومن المتوقع أن تخرج عنها مجموعة قرارات تهدف إلى تأكيد الثقة بالعهد الرئاسي. كما سيُبحث خلالها التنسيق في مسألة رفع الحظر المفروض على سفر الخليجيين إلى لبنان، في خطوة تندرج ضمن جهود دعم الاستقرار اللبناني وإعادة فتح قنوات التعاون مع الدول الخليجية.
مواضيع ذات صلة :
![]() زيارة صقر غباش إلى بعبدا: دبلوماسية الانفتاح وعُقد السيادة اللبنانية | ![]() رئيس الإمارات: البابا فرنسيس كان رمزا للتسامح | ![]() الرئيس عون يبحث التحضيرات الجارية لزيارة أبوظبي مع سفير لبنان في الإمارات |