اللبنانيون باتوا فقراء.. فمن يصحّح الدَّعْم؟
بموازاة التسابُق مع الوقت في العمل على الملفات المعيشية والمالية والإقتصادية، وفي رسم خريطة طريق “البطاقات التمويلية”، نجد أنفسنا في ما يشبه التقاتُل مع طواحين الهواء.
لا شيء يوحي بالاطمئنان، ولو بالحدّ الأدنى، وذلك رغم الكثير من الكلام حول آليات مُحتملَة لدعم من هم أكثر حاجة مستقبلاً.
“حمايات”
فمن يضمن مثلاً دقّة وصحّة العمل على تلك الآليات؟ ومن يُحاكم من، إذا تمّ التلاعُب بهذا المسار، فيما المسارات القضائية تتحطّم في العادة على صخور “الحمايات” السياسية والحزبية، وحتى الطائفية؟
عدالة إجتماعية
ونلفت أيضاً الى أن عدداً لا بأس به من المنتمين الى الشرائح الإجتماعية الفقيرة، يستفيدون من مصادر تمويل مُوازِيَة. فبعض هؤلاء يتمتّعون منذ وقت سابق ببدائل غذائية واستشفائية وطبية وحياتية… تأتيهم من أحزاب معيّنة. وبالتالي، من يضمن العمل على ضبط استفادة هؤلاء ممّا تبقى من احتياط مالي في الدولة اللبنانية، في شكل يسمح بتركه للفقراء الذين لا يمتلكون “حمايات” ومساعدات حزبية؟
ونشير الى تلك النّقطة من باب العدالة الإجتماعية. فلا يجوز لفقير أن يستفيد من مصدرَيْن وثلاثة وأربعة… غذائياً وطبياً…، فيما شريكه في المواطَنَة، الفقير أيضاً، لا يحصل ولو على جزء يسير.
توقيع
أشار الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقة الى أنه “يتوجّب على من هم أكثر حاجة أن يقدّموا طلباً للاستفادة من دعم الدولة، يحوي معلومات دقيقة عمّا إذا كانوا يتمتّعون بمصادر معيشية أخرى، يتمّ التحقيق فيها. والتركيز في هذا الإطار يجب أن يتمحور حول وجوب التوقيع على هذا الطلب من قِبَل المُستفيد، كما من جانب المخاتير، وربما أعضاء في البلديات، في شكل يُضفي طابعاً قانونياً على هذا العمل”.
ولفت في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” الى أن “الاستعانة بالسلطات المحلية من بلديات ومخاتير يبقى إجبارياً، لأنهم يعرفون حقيقة أوضاع الناس. ومن هذا المُنطَلَق، يتمّ تحديد من يتوجّب أن يستفيدوا، بحسب الأولويات”.
فوضى؟
وعمّا إذا كان يُمكن الوثوق بهذه الآلية، إذا تمّ تطبيقها بحسب الفوضى اللبنانية المُعتادة، قال حبيقة:”لا يُمكن الوثوق بأي شيء بالمُطلَق، مع الأسف، خصوصاً أن المحاسبة غائبة في لبنان”.
وأضاف: “لكن الدّعم الحاصل حالياً ما عاد سليماً، لأنه يساعد المُحتاج وغير المُحتاج معاً. وهذا الواقع يتطلّب القيام بتغيير يبدأ من مكان ما، ويؤدّي الى حلول. وفي هذا الإطار، يُمكن لتوقيع المخاتير مثلاً أن يشكّل مساراً جدياً لضبط احتمالات الغشّ بنِسَب كبيرة بالفعل، انطلاقاً من أن التوقيع يجعل صاحبه مُلزَماً قانونياً. فكثيرون لن يقبلوا بأن يخاطروا بسمعتهم أو بمستقبلهم إذا وقّعوا على معلومات مغلوطة ومستندات مزوّرة، قد تدخلهم الى السّجون في ما بَعْد. فهذا المسار يرتبط بأبعاد مالية وقانونية، وقد يكون مفيداً إدخال بعض الأشخاص الى السّجون إذا مارسوا الغشّ، كعامل ردع”.
إجحاف
وردّاً على سؤال حول الإجحاف المُحتمَل في التصنيفات، انطلاقاً من أن كثيرين يمتلكون بيوتاً وسيارات… ولكنّهم تحوّلوا الى فقراء عملياً بسبب تآكُل الرواتب، أجاب حبيقة:”النّسبة الأكبر من اللبنانيين باتت فقيرة، إذا أخذنا هذا المقياس في التصنيف. ولكن لا قدرة لدى الدولة على مساعدة الجميع”.
وشرح:”من يتقاضى راتباً قيمته خمسة ملايين ليرة لبنانية شهرياً مثلاً، ما عاد ميسوراً، أو قادراً على تغيير سيارته، إذا باتت تحتاج الى الكثير من الصّيانة المُكلِفَة. ولكن الأولويات تقتضي مساعدة من يتقاضى أقلّ من مليونَي ليرة لبنانية. مبدأ الأفضلية في هذا الإطار شديد الأهميّة، خصوصاً أن الإمكانات المالية الرسمية التي لا تزال متوفّرة، لم تَعُد مرتفعة”.
انتظارات؟
وعن الإنتظارات المالية والإقتصادية المتوقّعَة للبنان بعد رحيل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لفت حبيقة الى أن “الرئيس الأميركي المُنتخَب جو بايدن لديه الكثير من العمل في الداخل الأميركي أوّلاً، على صعيد تصحيح ما تركه ترامب من صراعات عرقية وطبقية وقضائية، وفي ما يتعلّق بترميم علاقات بلاده بأوروبا والصين، كأولوية، والعودة الى اتّفاقية المناخ، والى “الإتّفاق النووي” مع إيران، مع تعديلات”.
وختم:”هذا يعني أن الشرق الأوسط سيكون في خلفية بعيدة، ولبنان في خلفيّة أبعَد، على جدول اهتمامات بايدن. ولذلك، يكمُن الحلّ اللبناني باتّفاق داخلي ولو بالحدّ الأدنى، يؤدّي الى تشكيل حكومة، والى البدء بالإصلاحات، وبغير ذلك “فالج لا تعالج”.