باريس تتحرّك على خطّين… ومعادلة جديدة!
كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
لم يعد من خيار أمام باريس سوى الرهان -كما يقول مصدر سياسي- على تبني المبادرة التي أطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، والتي يستمد روحيتها من خريطة الطريق التي رسمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان، على الرغم من أن رئيس الجمهورية ميشال عون أطلق عليها النار لحسابات ليست مُدرجة على جدول أعمال القوى السياسية الداعمة لها، وإنما للجنوح بالبلد نحو انقسام مذهبي وطائفي، وهذا ما أخذ يُقلق من لا يريد العودة إلى الطروحات «الحربجية» التي كانت سائدة إبان الحرب الأهلية التي يُفترض أن تكون قد أصبحت من الماضي.
فالسفيرة الفرنسية لدى لبنان، آن غريو، لم تكن مرتاحة لما آلت إليه الأوضاع في لبنان، وهذا ما عبرت عنه في جولتها على الرئيس بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، في محاولة منها لتلمس الأسباب التي ما زالت تعيق تأليفها، والسؤال عما يمكن القيام به للخروج من مأزق التأليف، من دون أن تطرح أي أفكار جديدة -بحسب المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط»- من شأنها أن تؤدي إلى تخطي العقبات، خصوصاً أن جولتها عليهما تزامنت مع لجوء عون إلى إطلاق النار على مبادرة بري.
ويلفت المصدر السياسي إلى أن جولة غريو على بري والحريري تلازمت مع استكمال التحضيرات الفرنسية لاستضافة باريس اليوم، بدعوة من ماكرون، للمؤتمر الدولي المخصص لدعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية المهددة الآن -استناداً إلى البيان الصادر عن البنك الدولي- بأحد أسوأ الانهيارات المالية والاقتصادية، ما يشكل ضغوطاً غير مسبوقة على قدراتها العملانية للحفاظ على الاستقرار في لبنان.
ويؤكد أن باريس قررت التحرك على خطين: الأول باتجاه المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية لرفع ما أمكن من معاناتها المترتبة على تدهور الوضعين الاجتماعي والاقتصادي الذي بات يهدد بانفجار شامل يأخذ لبنان إلى الفلتان الأمني وشيوع الفوضى، ما لم يتم تداركه بتزويدها بجرعة من الأوكسجين تبقيها على قيد الحياة.
أما الخط الثاني للتحرك الذي تتحضر له باريس -بحسب المصدر- فيكمن في توفير الدعم للقطاعات الصحية والتربوية والخدماتية، وأبرزها الكهربائية، إضافة إلى الهيئات العاملة في المجتمع المدني، وذلك بالتحضير لمؤتمر دولي ثانٍ يأخذ على عاتقه تأمين التغطية المالية لتوفير كل هذه الخدمات.
ويتوقع أن يتوصل المؤتمر الخاص لتوفير الدعم للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية الأخرى إلى اتخاذ قرار يؤدي إلى دعمها لتأمين استمرارية النظام الغذائي للجيش والمحروقات والطبابة وصيانة العتاد والأمور الحياتية الأخرى، ولم يستبعد موافقته على تخصيص دفعة أولى قدرها 75 مليون دولار، يفترض أن تغطي احتياجات الجيش لآخر السنة الحالية شرط أن يعود للدولة قوننة هذا المبلغ حسب الأصول. ويرى أن المؤتمر الآخر لتوفير الخدمات التربوية والصحية والكهربائية سيخصص مبالغ مالية، على أن تُدرج تحت بند تقديم المساعدات في هذا الخصوص، وأن تتم عبر قنوات التواصل مع ممثلين عن المجتمع المدني والمؤسسات المستفيدة منها، ويعزو السبب إلى أن باريس لم تعد تثق بالمنظومة الحاكمة، وهي تراهن على الانتخابات النيابية العامة المقررة في ربيع 2022 لتقليص نفوذها لمصلحة الحراك المدني وبعض قوى المعارضة التي كان وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان قد التقاها في زيارته الأخيرة لبيروت، وحثها على توحيد صفوفها لخوض الاستحقاق الانتخابي في موعده.
ويتوقف المصدر السياسي أمام معادلة جديدة رسمتها فرنسا لتحركها في لبنان تقوم على التضامن بين الجيش والشعب، ويقول إن باريس تستثمر أمنياً في المؤسسة العسكرية، بصفتها آخر المعالم المتبقية من الدولة التي تشكل مع القوى الأمنية صمام الأمان لوقف انهيار لبنان.
ويضيف أن فرنسا تلتفت أيضاً إلى هيئات المجتمع المدني لرفع المعاناة عن اللبنانيين بتوفير الحد الأدنى من المقومات المطلوبة لتأمين الأمن الاجتماعي الذي يشكل، إضافة إلى دعمها للأجهزة الأمنية، وأولها الجيش، شبكة الأمان لمنع انهيار المؤسسات لأن الأمن وحده لا يكفي، ما لم يتلازم مع تحصين الشق الاجتماعي للحفاظ على الاستقرار.
لذلك، فإن باريس تتعامل مع لبنان على أنه يمر حالياً في مرحلة انتقالية، مع أنها لن تمانع بالتوصل إلى تشكيل حكومة مهمة تستدعي منها توفير الحماية لتأمين الاندماج بين الشعب والجيش، وهذا ما يشكل قلقاً لبعض الذين لديهم طموحات رئاسية، أو لبعض من لا يروق له تكريس مثل هذا الاندماج، ظناً منه أنه البديل عن «المعادلة الذهبية» التي يتمسك بها «حزب الله» وتجمع الجيش والشعب والمقاومة.
ويرى المصدر السياسي أن الحذر من الاهتمام الفرنسي بالمؤسسة العسكرية والقوى الأمنية الأخرى يتلازم مع التفات باريس إلى معاناة اللبنانيين، في محاولة لخفض منسوبها السلبي المترتب على تركهم يقلعون شوكهم بأيديهم، في ظل غياب الدولة بكل مؤسساتها وإداراتها، بعد أن دخلت في غيبوبة قاتلة، وذلك لضمان بقائهم على قيد الحياة إلى أن تسمح الظروف التي تتيح للدولة أن تستعيد ثقتهم بها التي ما زالت معدومة حتى إشعار آخر.
وعليه، يعد المصدر نفسه أنه ليس هناك من مبرر لاستهداف المؤسسة العسكرية التي نجحت، بالتعاون مع القوى الأمنية، في التعامل بمرونة وانفتاح مع انتفاضة الشعب اللبناني، وبالتالي من المبكر إقحام المؤسسة الأمنية الأم في السباق الرئاسي لأن الأولوية تكمن في إعادة الروح إلى البلد شرطاً لإنجاز الاستحقاقات الكبرى في موعدها. فمن غير الجائز توفير الأجواء لإتمامها ما لم يستعد لبنان دوره، بدءاً بضمان وجوده، وإلا فإن المخاوف تبقى مشروعة بأن يتزامن الاستحقاق الرئاسي هذه المرة مع زوال الجمهورية عن الخريطة الدولية، علماً بأن من يستهدف المؤسسة العسكرية بحملاته ينطلق من حسابات خاطئة، فحواها أن تفعيل دورها يقلص من نفوذ «حزب الله».
مواضيع ذات صلة :
فرنسا: نعمل على تنفيذ القرار 1701 | ماكرون في المغرب لـ3 أيام | السيسي وماكرون: لضرورة احترام سيادة لبنان |