هل الوصاية الدولية ممكنة؟
كتب بول مرقص في “نداء الوطن”:
تضجّ مواقع التواصل الاجتماعي بتصريحات تدعو إلى تطبيق “الوصاية الدولية” على لبنان باعتباره “دولة فاشلة”. وبصرف النظر عن الرغبة المعلنة أو الدفينة لدى كثر من اللبنانيين في أن تأتيه الوصاية لعلّها تنتشلهم من التعاسة والمعاناة، وبصرف النظر عن قدرة الدول على ذلك، وهو أمر مشكوك فيه بسبب الأزمة المالية العالمية التي فاقمتها الجائحة الصحية، فإن السؤال المطروح: هل ما زال نظام الوصاية معمولاً به؟
تقتضي الإجابة الاضاءة على النقاط التالية:
1 – الوصاية الدولية في القانون الدولي: لا تتناول الوصاية الدولية في المبدأ دولة ذات سيادة وعضواً في الأمم المتّحدة كلبنان. لا بل، بالعكس، أخذ نظام الوصاية بالتراجع منذ انهيار “عصبة الأمم” وقيام منظمة “الأمم المتّحدة” التي خلفتها وباشرت بتنظيم كيفية الخروج منها، بموجب الفصلين 12 و13 من ميثاقها لعام 1945، حتّى اضمحلّت مظاهر الوصاية بعد استقلال جزيرة “بالاو” عام 1994… كما لم تعد الدول الكبرى ترغب في تحمّل أعباء الدول الصغرى أو الفاشلة.
2 ـ حالات وحدود تدخّل الأمم المتّحدة: حرصاً على عدم التدخّل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدول الأعضاء فيها، لا تتدخّل الأمم المتحدة عموماً إلا في حال تحقّقت إحدى حالتين: دعوة الدولة المعنية الأمم المتّحدة إلى التدخّل وموافقة هذه الأخيرة، أو تبرير مجلس الأمن تدخّله وِفق المادة 39 وبعض الأحكام التي تليها من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة في حال “تهديد السلم والأمن العالميين”، وهذا يتطلّب موافقة 9 دول على الأقل من الأعضاء الـ 15 التي تؤلّف المجلس، وعدم استعمال دولة دائمة العضوية حقّ النقض- الفيتو، وجميع هذه الشروط غير متوافرة في حالة لبنان راهناً، إذ لا توافق داخلياً على دعوة دول معينة أو الأمم المتحدة للتدخّل، كما ان تدخّلها المباشر غير جائز في وضعية لبنان، ولا هو محلّ اتفاق دولي، أقلّه راهناً.
إلا أن ما تقدّم لا يحجب إمكان أن تتدخّل هذه الدول والأمم المتحدة على سبيل الدعم لأسباب في غاية الخطورة، تجعل الدولة عاجزة تماماً، كإنهيار مؤسسات الدولة والشلل التام في الحكم والفوضى العارمة والحروب وفقدان السلطة والعجز عن تقديم الخدمات العامة وعدم التفاعل مع المجتمع الدولي. وفي حالة لبنان، فإن أبرز ما أراه ممكناً هو تقديم المساعدات للشعب اللبناني وللمؤسسات العسكرية وقيام مؤتمرات دولية لحشد هذا الدعم وللدفع باتجاه تشكيل حكومة تقوم بالاصلاحات وتفاوض صندوق النقد الدولي.
خلاصة القول إن:
1ـ معاناة لبنان في مناخه السياسي المكبّل وضائقته الاقتصادية والمالية لا تُحيي مفهوم الوصاية الدولية الآيل إلى الزوال، وتالياً لا تأتي بها. ربما نشهد تدخّلاً غير مباشر في لبنان عن طريق الدعم والتمويل وبواسطة المنظمات والوكالات التابعة للأمم المتحدة والمؤتمرات… أما إعلان الدولة الفاشلة وفرض الوصاية وإعمال الفصل السابع فأمور مستبعدة.
2ـ الفصلان 12 و13 من ميثاق الأمم المتحدة يذهبان إلى استبعاد الوصاية الدولية وليس استجلابها. كما أن الفصل السابع من الميثاق والمادة 39 منه تحديداً، لجهة تهديد السلم والأمن العالميين، لا يطبّق في حالة لبنان كدولة فاشلة. ولو طُرح يحتاج إلى قرار شبه مستحيل من مجلس الأمن. هذا مع التنبيه إلى أن التدخل الأممي المباشر غالباً ما يُخفق كما في الكونغو، الصومال، ليبيا، هاييتي، العراق واليمن.
3ـ لا سبيل إلا النهوض الذاتي، بدءاً بحكومة مستقلّين اختصاصيين غير مقنّعين تطلق الاصلاحات وتُدير الانتخابات النيابية.
مواضيع ذات صلة :
هل يوضَع لبنان تحت الوصاية في المرحلة القادمة؟ |