أن تكون دائماً على حق

لبنان 13 آب, 2021

كتب زياد شبيب في النهار:

رغم الأضرار الكبيرة التي لحقت بالأحزاب والتيارات السياسية والتراجع في حجم تأييدها، ولئن ثبت بالدليل القاطع أنها عاجزة عن تقديم الحلول وعن إنقاذ البلد من الانهيار وبغض النظر عن دور كل منها في ما وصلنا إليه، احتفظت الأحزاب والتيارات بنواة صلبة من المؤيدين غير القابلين للهزيمة.
الحاجة لأن نكون على حق في مواجهة الآخر وأمام الرأي العام هي من صفات البشر ولا سيما من يتعاطون شؤون العامة. الغرور والاعتداد بالنفس صفة تتمثل بأن يكترث المرء بظاهر الأمور وليس بحقائقها، أن يكون اهتمامه بالحقيقة أقل من اهتمامه بظاهر فكره. فوفق هذا المنطق لا يمانع المرء أن يكون على خطأ في مضمون طرحه شرط الفوز بتأييد العامة. البشر يفضلون الثناء على الحقيقة والفوز على الحكمة. ولهذا يلجأون إلى إجادة فن الكلام والنقاش.

ومن هذا المنطلق يكثر التشبّث بالخطأ لأن الإقرار به يؤدي إلى فقدان المصداقية والإقرار بالضعف. نرى الإمعان في الإنكار لحفظ ماء الوجه بدل الإقرار بالخطأ. يظنّ المرء بأنه ينقذ نفسه بالحفاظ على الظاهر الصائب وبأن الآخرين لن يكتشفوا زيفه ما دام يتمسّك بموقفه مدافعاً عنه بقوة. هذا وهمٌ طبعاً ولكنه حاجة نفسية، أن يثبت المرء لنفسه وللغير بأنه على صواب.

لكل إنسان منظومة قناعات ومواقف تشبه البناء الذي ينهار إذا ألغيت إحدى طبقاته. ولذلك تصبح المنظومة غير قابلة للتغيير ويصبح المرء أسيراً لها. ولهذا يدافع الناس عن آرائهم ليس لأنها صحيحة بل لأنها تعبّر عن ذواتهم وعن هويّتهم. قد يكون الناس على صواب ولكنهم يلجأون إلى حجج مزيفة للدفاع عن هذا الصواب.

ولدى الدفاع عن النفس تصبح الوسيلة أمراً ثانوياً وتصبح جميع الأسلحة مباحة. وبالتالي فإن تقييم الحجة لا يتم بالنظر إلى مدى صوابها إنما تبعاً لتوافقها مع قناعة المرء الخاصة ومع الحاجة لديه للاستمرار بالاعتقاد بآرائه. وهكذا يكون الميل طبيعياً إلى تأييد الحجج التي تصب في تأييد وجهة النظر الخاصة حتى وإن كانت واهية. فالشخص الذي ينتمي أو يميل إلى تيار أو حزب أو معسكر يرفض بصورة تلقائية كل حجج المنافسين ويعتبر بشكل آلي كل الأفكار والمواقف المناوئة باطلة.

هذا هو المنطق الذي يحكم تصرفات الناشطين في السياسة و”المناضلين” في صفوف الأحزاب والتيارات وفي صفوف معارضيها. وقد برع بعضهم في التدرب على فنون الكلام والإقناع دفاعاً عن القناعات أو تدميراً لمواقف الآخرين.

في كتابه “فن الظهور دائماً على حق” عرض “شوبنهاور” مجموعة من الخدع للظهور بشكل دائم على حق، انطلاقاً من الحاجة البشرية إلى ذلك. منها الازدراء بالآخر أو برأيه، ومنها اختيار الكلمات والعبارات للتعبير عن الموقف بحيث يكون لها تأثير سلبي أو إيجابي تبعاً للحاجة، وكيفية التركيز على الاستثناء من القاعدة عندما يصب ذلك في مصلحة الفكرة وغيرها. والخدعة الأهم لديه هي اللجوء إلى اتهام الخصم بميول أو انتماءات من شأنها الحط من قدره وبهذه الطريقة لا يعود من حاجة لتفنيد فكره وموقفه.

منذ أن أعلن البطريرك الراعي موقفه المنادي بحياد لبنان تعرض لهجوم مستمر في محاولة لتشويه صورته والحدّ من تأثيره على الرأي العام، بدل مناقشته بالحجة والإقناع. هذا النهج عزّز الانطباع بضعف موقف من يعارضون البطريرك. وتبين أن محاولة ضرب المصداقية تجنباً لتفنيد الطرح تؤدي أحياناً مفعولاً عكسياً أمام الرأي العام.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us