مصير مليون طالب لبناني في مهبّ الريح
كتب ريمون ميشال هنود في “اللواء”:
بتاريخ 14 آب 2021، أعلن نقيب المعلّمين في المدارس الخاصة رودولف عبّود، أنّ المعلّمين لن يتسنّى لهم العودة الى المدارس في شهر أيلول المقبل، كما أنّ أولياء الطلاب لن يتمكّنوا من إرسال أولادهم للتعلّم، مع تعملق المأساة المعيشية أضعافاً وأضعاف، وتدهور القدرة الشرائية للرواتب بالتزامن مع استمرار تفشّي فيروس كورونا. وأضاف عبود بأنّ الاجتماعات سوف يتتالى انعقادها في الأيام المقبلة في وزارة التربية للعثور على المخارج المناسبة والملائمة التي تخرج المشكلة من عنق الزجاجة. فبعد أن اتسعت رقعة هجرة أساتذة التعليم في لبنان أسوة بهجرة الأطباء. لا غبار على أنّ طاقم القطاع الصحي الذي ضُرِبَ كما سواه من القطاعات الحيوية في لبنان، حيث هجر العديد من المدرّسين في التعليم الخاص مدارسهم العام المنصرم، وخصوصاً أولئك المتمتّعين بالخبرات والكفاءات والمهارات الحديثة، جعل مستقبل مليون تلميذ لبناني يمسي في مهبّ الريح. وبالمناسبة، لقد وضع القطاع التربوي بالأرقام ما أصدره مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت من خلال تقريره الدوري الذي تناول أزمة قطاع التعليم في لبنان. وأشارت المبادرة البحثية التي أعدّت تحت إشراف الدكتور ناصر ياسين في الجامعة الأميركية الى انه ومع بداية العام الدراسي، تظهر الصورة قاتمة في قدرة حوالي مليون تلميذ على الرجوع الى مقاعد الدراسة، بعد زهاء سنتين انقضتا، كان خلالهما القطاع التربوي في لبنان عرضة للقصف بسهام ونبال الانهيار الاقتصادي – المالي وجائحة كورونا.
وأشار التقرير بأنّ الأزمة الاقتصادية تلقي بثقلها الشديد على التعليم في لبنان، وإنّ أكثرية الأسر اللبنانية أي ما نسبته حوالي 70 بالمئة كانت تعتمد على المدرسة الخاصة، وقُدِّرت حصة قطاع التعليم الخاص في لبنان قبل الأزمة بنحو 1,3 مليار دولار، وتعذرت تغطية كلفة الأقساط المدرسية من خلال المدخرات التي لقيت حتفها واندثرت بفعل الأزمة في المصارف. وهذا يؤهل الى الانتقال نحو غرف المدارس الرسمية، والتي يتشكّل الملاذ الطبيعي لحوالي 55000 طالب ذووهم تبلغ نسبتهم نصف اللبنانيين الذين باتوا يحيون تحت نير خط الفقر المدقع والعوز الشديد، لذا فإنّ كل هذا المتغيّرات ليست سوى مؤشر هام على تحوّل نسبة عارمة من الأسر الى مصاف المدارس الرسمية. وألمح التقرير الى تدنّي قيمة رواتب المعلّمين في القطاع الرسمي والتي كانت تقدّر قبل الأزمة بــ 1556 دولاراً سنوياً لمعلم الصفوف الأساسية، و2428 دولارا لمعلم الصفوف المتوسطة والثانوية.
ومع الانهيار الحالي تراجعت قيمة الرواتب الى 120 و150 دولاراً شهرياً، ما أدّى الى تهجير أو هجرة نسبة كبرى من المعلّمين والمعلمات خلال العام الحالي الى أقطار الخليج العربي وأستراليا، وهذا بالإضافة الى كلفة التدفئة الباهظة في المدارس الواقعة على ارتفاع 700 متر عن سطح البحر خلال فصل الشتاء وأيضاً تكاليف الكتب والقرطاسية. ورأى مرصد الأزمة ضرورة القيام بخطوات سريعة، منها بناء صندوق دعم لكل مدرسة رسمية وتوأمة المدرسة مع مدارس في دول غنية، والإسراع في تنفيذ مندرجات الاتفاقية الموقّعة من البنك الدولي لمشروع شبكات الأمان الاجتماعي بحذافيرها الكاملة، بهدف تأمين معونة نقدية إضافية لأسر التلامذة، واستخدام مساعدات مؤتمر دعم لبنان الذي انعقد في 4 آب 2021 للاستثمار في المدارس والمعاهد المهنية والتقنية التي تشكّل نسبة 23 بالمئة فقط من مدارس لبنان، وعدا ذلك سيكون مستقبل مليون تلميذ في مهبّ الريح. وبدوره قال رئيس مصلحة التعليم الخاص في لبنان عماد الأشقر لموقع «سكاي نيوز» الناطق بالعربية، بأنّ المشهد التربوي أمسى قاتماً هذا العام وينذر بخطر كبير، وأشار إلى أنّه ومنذ عام 2019 والقطاع دخل في نفق الموت البطيء، وأضاف بأنّ الوضع إذا بقي على حاله سيكون قطاع التعليم في حالة حرجة جداً وسيفارق حيويته، لأنّ المؤسسات متجهة الى زيادة الأقساط بنسب لا يُستهان بها وذلك جراء انهيار العملة اللبنانية، ومدى تأثير ذلك على ميزانية المدارس، ولا ندري كم هي أعداد المدرّسين الذين هاجروا من لبنان نحو دول الخليج وغيرها. وتابع الأشقر قائلاً، كل شيء يبدو مقلقاً بدءاً من كلفة سندويش الطالب وصولاً الى سعر النقل وزيادة الأقساط. وتوقّع الأشقر أن يصبح التعليم الخاص في لبنان تعليماً مقتصراً على الطبقة البورجوازية والمخملية، وإذا افتتحت المدارس الخاصة أبوابها سيكون طلابها أبناء نوعيّة ومستوىً معيناً.
المصدر : اللواء