في الخرق المزدوج للدستور
كتب زياد شبيب في “النهار”:
أثارت مسألة تصريف الأعمال من قبل الحكومات المستقيلة الكثير من النقاش الحقوقي والسياسي وكُتِب عنها الكثير، لكنها لم تصل إلى الحدّ الذي بلغته اليوم من التشويه الذي أصبح يطال المفاهيم الأساسية في كل المجالات. وبالعودة إلى أساس الفكرة نجد أن نظرية تصريف الأعمال وُجدت لتلافي الفراغ الذي يحصل بين حكومتين وتقوم على التوفيق بين اعتبارين متضاربين:
الأوّل: أنّ الحكومة المستقيلة تفقد كيانها الشرعي الذي يؤهلها ممارسة شؤون الحكم، وهذا يعني تجريدها من صلاحياتها لأنها لم تعد مسؤولة سياسياً أمام البرلمان.
والثاني: أن مبدأ الاستمرارية يوجب استمرار عمل المرافق العامة دون انقطاع أو توقف وإلاّ تعرّضت مصالح الأفراد والنظام العام للضرر.
وانطلاقاً من ذلك تولى القضاء الإداري صياغة مفهوم تصريف الأعمال وحدوده، على اعتبار أن الحكومة المستقيلة تصبح غير خاضعة للرقابة البرلمانية ولكنها تبقى خاضعة للرقابة القضائية على قانونية أعمالها.
صدرت في اليومين الأخيرين مراسيم أبرزها المرسوم المتعلق بإعطاء وزارة المال سلفة خزينة بقيمة 600 مليار لإعطاء “مساعدة اجتماعية طارئة” لجميع موظفي الدولة بما يساوي راتب شهر، والمرسوم الذي تم بموجبه رفع قيمة البدل اليومي للنقل.
المسألة التي تثيرها هذه المراسيم لا تتعلق بمدى أحقية الموظفين بالحصول على المساعدة، بل تثير أسئلة حول اتخاذها خارج مجلس الوزراء. ومعلوم أن الحكومة الحالية المستقيلة لا تجتمع، حتى لتصريف الأعمال، لأن رئيسها لا يدعو مجلس الوزراء للاجتماع بحجة أنها حكومة تصريف أعمال. وهو يرفض دعوتها للانعقاد لأنه يعتبر اجتماع مجلس الوزراء خرقاً للدستور أي أنه يعتبر أن إقفال مؤسسة دستورية نص الدستور على وجوب استمرارها بالعمل لأجل تصريف الأعمال، هو تطبيق سليم للدستور.
لا حاجة لتفنيد وجهة النظر هذه لأنها ليست وجهة نظر بل مجرد خرق واضح ومباشر للدستور بالمعنى الحقوقي وليس السياسي. ولا حاجة للعودة إلى المؤلفات الحقوقية والاجتهاد القضائي الواضح في المسألة، بل يكفي التوقف عند المعنى اللغوي للعبارة. ففي معاجم اللغة العربية، صَرَّفَ أَعْمَالَهُ : دَبَّرَهَا ، أدارها. وتصريف الأعمال يعني التفعيل وليس التعطيل، وعدم الدعوة تعطيل، بغض النظر عن وصف نطاق التصريف المتاح دستورياً على أنه “ضيّق” أو واسع.
هذا فضلاً عن أن المسألة تتعلق بالموضوع وليس بالشكل أي أن مضمون القرار المطلوب اتخاذه ويحتاج إلى اجتماع مجلس الوزراء هو الذي يجب تقييمه والقول بأنه يدخل في نطاق تصريف الأعمال أم لا. المراسيم التي صدرت مؤخراً تضمنت نفقة مالية كبيرة. والتوقيع يعني أن موضوع المرسوم، بنظر الموقّعين عليه، هو من الأعمال العادية التي يجوز إقرارها أو من الأعمال الطارئة التي لا تحتمل التأجيل والتي يجب إقرارها. وإذا كان الأمر كذلك كيف يصدر المرسوم من دون انعقاد مجلس الوزراء وهو من المراسيم التي ينص القانون على أنها تتخذ في مجلس الوزراء وليس من المراسيم العادية التي تقترن فقط بتواقيع الوزير المختص ورئيس الحكومة وتصدر عن رئيس الجمهورية.
عدم الدعوة لانعقاد مجلس الوزراء لإقرار الأمور الداخلة في نطاق تصريف الأعمال خرق للدستور. وإصدار مراسيم من دون اقترانها بموافقة مجلس الوزراء مخالفة للدستور. أما “الموافقات الاستثنائية” التي يعطيها رئيسا الجمهورية والحكومة المستقيلة على مواضيع تحتاج أصلاً إلى موافقة مجلس الوزراء، فهي غير دستورية وليس من شأنها إضفاء الشرعية على تلك المراسيم لأن توقيعهما لا يمكنه أن يختصر عمل مؤسسة دستورية هي مجلس الوزراء.
مؤخراً عمد ديوان المحاسبة إلى ملاحقة وزراء وموظفين في وزارة الأشغال رغم استنادهم في الإنفاق إلى موافقات استثنائية وذلك لأنها مخالفة للدستور، وهذا يعني أن المعنيين بتنفيذ المراسيم الأخيرة معرضون أيضاً للملاحقة.
مواضيع ذات صلة :
نقابة المالكين: لا تجوز مصادرة حق الملكية تحت أي ظرف | الحواط: “الحزب” لن يفرج عن الاستحقاق الرئاسي… إلا إذا | الحاج: المعارضة ليست ضد الحوار… ولكن |