عون للأمم المتحدة: لاستئناف محادثات الترسيم..
شدد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على ان “الحكومة اللبنانية تألفت وفق الآلية الدستورية بعد أزمة سياسية طالت، وقد التزمت تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية الملحة والمطلوبة، ومكافحة الفساد، وكانت البداية مع دخول التدقيق المالي الجنائي الذي التزمت أمام الشعب اللبناني والمجتمع الدولي بتنفيذه عملا بمبادىء الشفافية والمحاسبة، في حسابات مصرف لبنان حيز التنفيذ، وسينسحب على كل الحسابات العامة. ونحن، وإذ نعول على المجتمع الدولي لتمويل مشاريع حيوية في القطاعين العام والخاص من أجل اعادة إنعاش الدورة الاقتصادية وخلق فرص عمل، فإننا نعول عليه أيضا في مساعدتنا على استعادة الأموال المهربة والمتأتية من جرائم فساد”.
وتطرق رئيس الجمهورية الى موضوع النازحين السوريين والاعباء التي يلقيها على لبنان، وكرر النداء للمجتمع الدولي للمساعدة “ولكن عليه بالدرجة الأولى أن يعمل لعودة النازحين الآمنة الى بلادهم. ولبنان، يؤكد موقفه الرافض لأي شكل من أشكال إدماج النازحين، كما يجدد موقفه الرافض لأي شكل من أشكال التوطين للاجئين الفلسطينيين”.
ودان رئيس الجمهورية “أي محاولة للاعتداء على حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان والتمسك بحقه في الثروة النفطية والغازية في جوفها”، وقال: “يطالب لبنان باستئناف المفاوضات غير المباشرة من أجل ترسيم الحدود المائية الجنوبية وفقا للقوانين الدولية ويؤكد أنه لن يتراجع عنها ولن يقبل أي مساومة. ودور المجتمع الدولي أن يقف إلى جانبه”.
وعرض الرئيس عون للمشاكل التي واجهت لبنان على الصعد الصحية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية، اضافة الى مأساة انفجار مرفأ بيروت، شاكرا كل المساعدات الانسانية التي وصلت الى أهلنا، مرحبا بأي جهد دولي لتأهيل وتطوير المرفأ. واكد ان المساعدة التي تريدها بيروت أيضا هي في ما قد يطلبه التحقيق لمعرفة الحقيقة إنفاذا للعدالة، وكرر الطلب من الدول التي تملك معلومات وبيانات تساعد التحقيق أن تمد القضاء اللبناني بها عند الاقتضاء.
ولفت الرئيس عون الى ان “أزمات العامين المنصرمين في لبنان والعالم أدت الى تأخير استكمال الإجراءات المتعلقة بإنشاء “أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار”، غير ان سير الأحداث واحتدام الصراعات في المحيط يعيدان التأكيد على أهمية هذه المبادرة”، داعيا “الدول الصديقة والشقيقة كافة للانضمام الى تلك التي أعربت عن رغبتها بتوقيع اتفاقية انشاء الأكاديمية”.
واعتبر رئيس الجمهورية ان “ما تعرضت له نيويورك منذ 20 عاما من اكبر عملية ارهابية، كان له أيضا تداعيات ضخمة على مستوى العالم، وحرب على الإرهاب أصابت أحيانا وخابت أخرى، ودفعت شعوب عدة وخصوصا في منطقتنا أثمانا غالية لتلك الحرب، موتا ودمارا وتهجيرا، وهي اليوم تلملم الجراح وتحاول النهوض كما سبق أن نهضت نيويورك، لأن إرادة الحياة تبقى أقوى من أي إرهاب”.
مواقف الرئيس عون اتت خلال الكلمة التي القاها باسم لبنان، في اعمال الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للامم المتحدة المنعقدة في نيويورك، والتي شارك فيها رئيس الجمهورية عبر تقنية الفيديو، تطرق فيها الى الواقع الذي يعيشه لبنان والتحديات التي تواجهه.
نص الكلمة
وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي القاها رئيس الجمهورية:
“معالي السيد عبدالله شاهد رئيس الجمعية العامة، سعادة السيد أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، السادة رؤساء الدول والحكومات، السيدات والسادة،
بداية أهنئكم حضرة الرئيس، على انتخابكم لرئاسة الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة وأتمنى لكم التوفيق في مهامكم خصوصا في ظل السعي العالمي المتواصل للتعافي من تداعيات جائحة كوفيد 19، وكنت أود أن تكون التهنئة مباشرة وليس عبر تقنية الفيديو التي فرضها وللسنة الثانية على التوالي الوضع الصحي العالمي.
كما أتوجه بالشكر لمعالي السيد فولكان بوزكير Volkan Bozkir على حسن إدارته لشؤون الجمعية العامة للسنة الفائتة وأهنىء أيضا سعادة الأمين العام السيد أنطونيو غوتيريش على انتخابه لولاية ثانية على رأس المنظمة الدولية، وأشكره على جهوده من أجل لبنان ومساهمته في تنظيم ثلاثة مؤتمرات لدعم الشعب اللبناني بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت،
والشكر أيضا لكل السادة رؤساء الدول الذين شاركوا بتلك المؤتمرات وللمنظمات الحكومية وغير الحكومية ولكل من ساهم في هذا الدعم، وأخص بالشكر فرنسا التي سارع رئيسها الى الحضور شخصيا ومؤازرة لبنان في مصابه، والدول الصديقة والشقيقة التي تساهم بتعزيز قوانا المسلحة التي تكافح الارهاب وتتعاون مع قوات حفظ السلام للمحافظة على الهدوء والاستقرار على حدودنا الجنوبية وتنفيذ القرار 1701.
الحكومة والتحديات
السيدات والسادة،
منذ عشرين عاما، وعلى مقربة أميال من مقر هذا المؤتمر، وقعت أكبر عملية إرهابية في قلب نيويورك سقط بنتيجتها آلاف الضحايا والجرحى وتركت آثارا عميقة في الوجدان العالمي، وكان لها أيضا تداعيات ضخمة على مستوى العالم، وحرب على الإرهاب أصابت أحيانا وخابت أخرى، وفي كل الأحوال دفعت شعوب عدة وخصوصا في منطقتنا أثمانا غالية لتلك الحرب، موتا ودمارا وتهجيرا، وهي اليوم تلملم الجراح وتحاول النهوض كما سبق أن نهضت نيويورك، لأن إرادة الحياة تبقى أقوى من أي إرهاب، وهي لا شك تلاقي عنوان هذه الدورة “الصمود من خلال الأمل”.
الحضور الكريم،
أما وقد تألفت الحكومة اللبنانية وفق الآلية الدستورية بعد أزمة سياسية طالت على مدى سنة ونيف، فإن لبنان دخل معها في مرحلة جديدة نسعى لتكون خطوة واعدة على طريق النهوض. والحكومة العتيدة تنتظرها لا شك تحديات كبرى داخلية ودولية لتنال ثقة الشعب وثقة المجتمع الدولي بعد أن نالت ثقة البرلمان اللبناني.
لقد مر لبنان خلال السنتين الأخيرتين بأصعب أوقاته، بحيث انفجرت في آن أزمات متلاحقة، منها الموروث والمتناسل، ومنها الطارىء، وقد طالت كل القطاعات، فالسياسات المالية والاقتصادية المعتمدة منذ عقود والقائمة على النمط الريعي، مضاف اليها الفساد والهدر المتأتي عن سوء الإدارة، وانعدام المحاسبة أوقعت لبنان في أزمة مالية ونقدية غير مسبوقة كان من نتائجها ضمور الاقتصاد وأزمة معيشية خانقة وارتفاع معدلات البطالة والهجرة والفقر. وقد التزمت الحكومة تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية الملحة والمطلوبة، ومكافحة الفساد، ووضع خطة تعاف مالي في إطار استكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي، تترافق مع خطة لتعميم شبكة الأمان الاجتماعي، وخطة اصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته حيث يلزم واستكمال تنفيذ خطة قطاع الكهرباء.
وكانت البداية مع دخول التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان حيز التنفيذ بعد أن استكملت كل الإجراءات اللازمة، وسينسحب على كل الحسابات العامة. هذا التدقيق الذي التزمت أمام الشعب اللبناني والمجتمع الدولي بتنفيذه عملا بمبادىء الشفافية والمحاسبة.
ونحن، وإذ نعول على المجتمع الدولي لتمويل مشاريع حيوية في القطاعين العام والخاص من أجل اعادة إنعاش الدورة الاقتصادية وخلق فرص عمل، فإننا نعول عليه أيضا في مساعدتنا على استعادة الأموال المهربة والمتأتية من جرائم فساد.
اعباء النزوح ومفاوضات الترسيم
السيدات والسادة،
لقد ساهمت حروب المنطقة من حولنا في تفاقم أزماتنا، وخصوصا الحرب السورية التي أرخت بثقلها علينا سواء من ناحية الحصار المفروض والذي حرم لبنان من مداه الحيوي أو من ناحية تمدد الإرهاب على أرضنا، أو من ناحية الأعداد الضخمة للنازحين السوريين الذين تدفقوا الى لبنان، وقد بلغت الأرقام حتى اليوم ما يتخطى المليون ونصف المليون نازح.
لقد رفعت الصوت عاليا من على جميع المنابر وتحديدا منبر الأمم المتحدة بالذات عارضا النتائج الكارثية المترتبة عن النزوح على جميع النواحي اقتصاديا اجتماعيا صحيا وأمنيا، وناشدت المجتمع الدولي مساعدتنا على تأمين العودة الآمنة للنازحين وللأسف لم يستجب أحد لمناشداتنا، واستمر منح المساعدات للسوريين في أماكن إقامتهم في لبنان عوضا عن إعطائهم إياها في وطنهم، مما يشجعهم على البقاء حيث هم.
اليوم، وفيما لبنان يقاوم ليعيش ويستمر، أكرر النداء، نعم على المجتمع الدولي أن يساعد لبنان على تحمل الأعباء المرهقة الناتجة عن أزمة النزوح ولكن عليه بالدرجة الأولى أن يعمل لعودة النازحين الآمنة الى بلادهم. ولبنان، الذي وضع خطة متكاملة لهذه العودة، يؤكد موقفه الرافض لأي شكل من أشكال إدماج النازحين، كما يجدد موقفه الرافض لأي شكل من أشكال التوطين للاجئين الفلسطينيين إنطلاقا من ضرورة حل القضية الفلسطينية وفق القرارات الدولية ذات الصلة لا سيما تلك التي تضمن حق العودة.
في المقابل، تبقى التهديدات الإسرائيلية المستمرة ضد لبنان، الهم الشاغل للدولة اللبنانية، وآخر مظاهرها يتصل بالسعي الإسرائيلي للتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها على الحدود البحرية.
ولبنان يدين أي محاولة للاعتداء على حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة التي يتمسك بحقه في الثروة النفطية والغازية في جوفها، لا سيما وأن أعمال تلزيم التنقيب بدأت منذ أشهر ثم توقفت نتيجة ضغوط لم يعد مصدرها خافيا على أحد.
ويطالب لبنان باستئناف المفاوضات غير المباشرة من أجل ترسيم الحدود المائية الجنوبية وفقا للقوانين الدولية ويؤكد أنه لن يتراجع عنها ولن يقبل أي مساومة. ودور المجتمع الدولي أن يقف إلى جانبه.
مأساة انفجار المرفأ
الحضور الكريم،
لقد ضرب وباء كوفيد-19 العالم بنتائجه الكارثية على الصحة والاقتصاد والتربية وسواها من القطاعات، أما في لبنان فكانت تداعياته أضعافا مضاعفة لأنها زادت على أزماته أزمات ولما تزل، فعلى الرغم من تعاطي السلطات المعنية والأجهزة الصحية مع الوضع الطارىء بحرفية واستباقية جعلت أرقام الإصابات تبقى ضمن الأطر المقبولة، ولكن التداعيات كانت صعبة جدا على الاقتصاد المترنح أصلا، وعلى القطاع الصحي في ظل النقص المتصاعد في الأدوية وفي المستلزمات الطبية وفي المحروقات، إضافة الى النزف البشري في ميدان الطب والتمريض والناتج عن الهجرة لأسباب اقتصادية.
أما من ناحية التلقيح فيسجل للبنان أنه كان من الدول السباقة في هذا المضمار، وقد بلغت نسبة الملقحين حتى اليوم ثلاثين بالمئة، ونعمل لتتخطى الأربعين بالمئة في نهاية العام.
وفي خضم تلك الأزمات جاءت كارثة انفجار مرفأ بيروت لتفاقم المعاناة، واليوم وبعد مضي أكثر من عام لا تزال عاصمتنا ساكنة معتمة ولا تزال مدينة منكوبة.
نريد لقلب وطننا ان يعود نابضا، ونريد أيضا أن يعود مرفأ بيروت مركز استقطاب.
نشكر كل المساعدات الانسانية التي وصلت الى أهلنا، وتبقى الحاجة الملحة اليوم الى مستلزمات إعادة الاعمار والانماء، ونرحب بأي جهد دولي لتأهيل وتطوير المرفأ وصولا الى إعادة التشغيل الكامل له وفقا للقوانين المرعية الإجراء.
إن التضامن الدولي مع عاصمتنا ومع شعبنا مشكور، وقد ساهم في بلسمة بعض الجراح، ولكن المساعدة التي تريدها بيروت أيضا هي في ما قد يطلبه التحقيق لمعرفة الحقيقة إنفاذا للعدالة. فعزاء أهالي الضحايا وبلسم الآم الجرحى لا يكتملان إلا بإحقاق العدالة.
إن القضاء اللبناني يحقق في مسببات الانفجار وظروفه، وفي المسؤوليات الإدارية، ولديه العديد من المدعى عليهم ومن الموقوفين. ويبقى أن يظهر التحقيق، وهو لا يزال سريا، من أين أتت المواد المتفجرة، ولماذا دخلت الى مرفئنا، ومن هي الجهة الحقيقية التي تقف وراءها، هل التقطت الأقمار الاصطناعية شيئا لحظة التفجير؟
من هنا نكرر طلبنا من الدول التي تملك معلومات وبيانات تساعد التحقيق أن تمده بها عند الاقتضاء.
السيدات والسادة،
لقد أدت أزمات العامين المنصرمين في لبنان والعالم، الى تأخير استكمال الإجراءات المتعلقة بإنشاء “أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار” التي أطلقتها من على منبر الأمم المتحدة في العام 2017، والتي حازت على دعم الجمعية العامة في العام 2019 وبموجب القرار رقم 344/73، غير ان سير الأحداث واحتدام الصراعات في المحيط يعيدان التأكيد على أهمية هذه المبادرة، وما نتوخاه منها على صعيد التواصل الانساني والحضاري. تم تخصيص قطعة أرض واسعة قريبة من بيروت لاستقبال الأكاديمية، وبدأ إعداد الدراسات اللازمة لمباشرة أعمال البناء. وأدعو الدول الصديقة والشقيقة كافة للانضمام الى تلك التي أعربت عن رغبتها بتوقيع اتفاقية انشاء الأكاديمية.
الحضور الكريم،
إن “الصمود من خلال الأمل” الشعار الذي اخترتموه لهذه الدورة ليس عنوانا إنشائيا بالنسبة للشعب اللبناني بل هو حياة معاشة يوميا، فالصمود هو مسيرة حياتنا، ولم يحدث يوما أن خبا أملنا أو خفت نور رجائنا. وعلى الرغم من كل الصعاب والأزمات والمآسي التي تطوقنا فإن شعبنا يكافح من أجل غد أفضل. ولبنان الذي يحاول بعناد أن يشق طريقه نحو التعافي يعول على التضامن الدولي معه لتحقيق أهدافه”.
مواضيع ذات صلة :
تنديد أممي بغارة الجناح… ومطالبة بتحقيق سريع | الفقر يغزو العالم.. والقصر الضحية الأولى | ميلوني: انسحاب “اليونيفيل” سيكون خطأ فادحًا |