إيمانويل ماكرون.. رجل العام 2020 في لبنان
كتب نبيل الخوري في صحيفة “المدن” تحت عنوان “إيمانويل ماكرون.. رجل العام 2020 في لبنان”: “تؤثّر التجارب الملموسة على تكوين الانطباعات تجاه الأفراد عامةً والسياسيين وقادة الدول بشكل خاص، أو حيال المؤسسات. ثمّة مثل شهير في هذا الصدد: صاحب دعوى قضائية قد يخرج بانطباع سلبي عن القضاء إذا خسر دعواه، في حين يتكون انطباع إيجابي عنه لدى الرابح. هذه هي الحال في لبنان اليوم، على الأرجح، في ما يتعلق بالانطباعات تجاه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
مؤتمر “سيدر”
هناك من جهة، حكّام لبنان، سياسيين ومصرفيين ورجال أعمال يستغلون جميعهم الفساد لمراكمة الثروات الهائلة. ومن جهة ثانية، السكان، أو قسم كبير منهم، سواء كانوا مودِعين لدى المصارف، أو يد عاملة أو طبقة وسطى، أم سكان بيروت والأحياء التي دمّرها تفجير المرفأ في 4 آب 2020، ضحايا تلك الجريمة ضد الإنسانية التي يتحمل مسؤوليتها النظام والحكّام.
كان ماكرون يمثّل، في نظر الطبقة الحاكمة، قبل حوالى ثلاثة الأعوام، صورة الرجل المُنقِذ للنظام اللبناني. هو الذي خلّص، بدعم أميركي طبعاً، رئيس الحكومة، سعد الحريري، من حادثته السعودية في خريف 2017″.
وأضاف: “صورة الرجل المُنْقِذ تجسدت أيضاً في شخص الرئيس الفرنسي حين نظّم في ربيع 2018، مؤتمر “سيدر” الذي وعد بمنح لبنان حوالى 11 مليار دولار لتنفيذ مشاريع بنى تحتية ولإعادة النهوض باقتصاده. لكن هذا الوعد بالمساعدة أتى مشروطاً بتطبيق إصلاحات بنيوية شاملة من أجل مكافحة الفساد وتكريس الشفافية، منعاً لسرقة أموال المساعدات من قبل المافيات المتحكمّة بالسلطة في لبنان، أي حفنة السياسيين والمتعهدين والمقاولين التابعين لهم.
هنا بدأت صورة ماكرون تتحول في نظر الحكّام. هل هو منقذهم أم كابوسهم؟ السؤال نابع من إلحاحه هو وجميع قادة حكومات الدول المانحة، على ضرورة الالتزام بالإصلاحات وضمان عدم ذهاب أموال المساعدات إلى جيوب الفاسدين. وذلك قبل تقديم أي مبلغ للحكومة اللبنانية.
الإنذار المبكر
بين شهر نيسان 2018 وأيلول 2019، نشطت الدبلوماسية الفرنسية بحيوية من أجل وضع مقررات “سيدر” موضع التطبيق. أجرى المبعوثون الفرنسيون زيارات عديدة إلى بيروت. وكان العنوان السياسي الطاغي في البلد خلال تلك الفترة، يتلخص كالتالي: الإسراع في تنفيذ الإصلاحات، لأن ليس لدى لبنان وحكّامه ترف الوقت، فالبلد مقبل على انهيار مالي واقتصادي ونقدي وشيك. هذا هو مضمون الرسالة الفرنسية الثابتة منذ عام 2018.
آنذاك، امتنع ماكرون عن زيارة لبنان أكثر من مرة. هذا ما كان يعكس ضمنياً امتعاضاً فرنسياً وامتعاض ماكرون شخصياً من حالة اللامبالاة السائدة لدى القادة اللبنانيين، ومن إفراطهم في سياسة المحاصصة والمحسوبية والزبائنية والفساد. لماذا كان على الرئيس الفرنسي أن يأتي إلى بيروت طالما أن لا تقدم ملموساً في شأن تقيّد لبنان بإلتزاماته المنصوص عليها في مؤتمر “سيدر”؟
في أيلول 2019، أدى الضغط الفرنسي إلى نتيجة أولية، ولو خجولة. سرّعت الحكومة اللبنانية الخطوات لإقرار الموازنة العامة لسنة 2020. وبدت باريس مستعدة للتعامل بشيء من الليونة، فقررت إطلاق أول مرحلة من مسار “سيدر” في منتصف تشرين الثاني 2019، إذا استمر التزام بيروت بواجباتها الإصلاحية. لكن هنا انفجرت انتفاضة “17 تشرين الأول”، لتخلط كل الأوراق وتقلب الطاولة على الجميع”.