“فقاعة الميسيسبي”

أخبار بارزة, لبنان, مباشر 17 كانون الأول, 2021

كتب زياد شبيب في “النهار”:

في تموز من العام 2019 كتبت مقالاً بهذا العنوان، عن النتائج الكارثية التي قد تترتب على التحالف بين الإدارة السياسية والمالية الخاصة والعامة وتوريط القطاع العام في مضاربات القطاع الخاص، وعدلت عن نشره بعد أن أرسلته إلى إدارة التحرير في “النهار”.

القصة أنه في مطلع القرن الثامن عشر كانت المستعمرات التابعة للدول الأوروبية آنذاك تقوم على شكل شركات مساهمة تجمع رؤوس الأموال اللازمة للسيطرة على المستعمرات الجديدة واستثمار ثرواتها. وفي فرنسا قام مدير الخزانة في بلاط الملك لويس الخامس عشر ومؤسس المصرف المركزي الملكي جون لو الأسكتلندي، بتأسيس شركة خاصة مساهمة لاستثمار موارد مستعمرة الميسيسبي الفرنسية. وحظيت اسهم الشركة بتسويق كبير وارتفعت أسعارها في بورصة باريس بعد ان اقتنع المستثمرون انها وسيلة مضمونة لتحقيق الربح السريع، كما حصل مع كثير من المودعين في لبنان من المقيمين والمغتربين الذين أغرتهم الفوائد ودعاية القطاع المصرفي.

عندما تبين للمضاربين أن أسعار الأسهم غير واقعية بدأوا بالبيع للخروج بأسعار عالية وتسارعت عمليات البيع وأدت إلى انهيار كبير. فما كان من مصرف فرنسا المركزي الذي يرأسه رئيس الشركة المساهمة نفسه، الا ان باشر بشراء اسهم الشركة في محاولة للحد من تدهور الأسعار في البورصة إلى ان نفد الاحتياطي. وعمد إلى صك النقود بهدف شراء الأسهم وهذا ما ادى إلى سقوط النظام المالي للمملكة. وعندما استلم لويس السادس عشر العرش اكتشف ان موازنته السنوية تتمحور حول خدمة الدين العام وأنه يتجه نحو الإفلاس. ووجد نفسه في العام ١٧٨٩ مجبراً على دعوة البرلمان لفرض الضرائب ومحاولة ايجاد حل يجنبه الافلاس. وهكذا انطلقت الثورة الفرنسية.

ربما أحسنت بعدم نشر المقال في العام 2019 لأنه في خريف ذلك العام اندلعت التظاهرات التي أسميت لاحقاً ثورة 17 تشرين وكنت سأُتهم بالتآمر كما قال لي أحد الأصدقاء. وفي ذلك العام كنت عقدت العزم على الاستقالة بعد أن أدركت عقم الاستمرار في الوظيفة بعد الاصطدام المتكرر مع أصحاب القرار، والسبب هو رفضي لبعض المشاريع ومنها محرقة بيروت لأسباب قانونية ومالية وبيئية، والسبب الأبرز أن العقد يلزم البلدية الدفع بالدولار وهو ما كان سيؤدي إلى الإفلاس، وهذا قبل الأزمة بشهور.

عدلت عن الاستقالة لعلمي أن خروجي سيؤدي إلى إطلاق حملة كان بدأ الإعداد لها لتشويه سمعتي، وهذا ما حصل لاحقاً وبعض من شارك في الحملة ظن أنه يفعل الصواب وكثيرون تواطأوا أو خضعوا…

بعد كل المآسي لم ينفرط عقد تحالف السلطة والمال، أو العلاقة الحميمة الثلاثية الأطراف كما وصفها نائب الكورة سليم سعادة، رغم كل الضجيج والاتهامات بين بعض أطرافها. وما يحصل أنه يتم تحميل الناس نتائج الكارثة المالية، عبر الاستمرار باحتجاز ودائعهم وتصفية ما تبقى منها، بالتعاميم المتنوعة أو باستبدال الودائع بالمال النقدي مقابل فروقات هائلة. في المقابل يتم تحصين المصارف وأصحابها ومجالس إدارتها تشريعياً لتحييد ثرواتهم العقارية وودائعهم واستثماراتهم الداخلية والخارجية، وأيضاً تحييد المسؤولين عن الإدارة السيئة للدولة التي أدت إلى تبديد مواردها.
اليوم يجب تحديد المسؤوليات قبل تحديد الخسائر ومحاولة تحميلها للناس، والتشريع المطلوب يجب أن يطاول الأماكن التي ذهبت إليها القِيَم المفقودة ومنها، توزيعات أرباح المصارف وفوائد سندات الخزينة من التسعينات وفوائد الودائع التي تخطت المعدلات الطبيعية والحسابات التي تم تحويلها إلى دولار بالسعر الرسمي بعد انهيار الليرة وأموال كل من تولى مسؤولية عامة وأثرى من خلال سلطته.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us