فوبيا الشيخوخة لماذا تصيب الشباب؟
قد يعتقد البعض أن الحديث عن الشيخوخة هو موضوع ثانوي أو ترف فكري، أو أنه لا يهم إلا فئة معينة وصلت هذه المرحلة غير المهمة والهامشية.
لكن صفحات التاريخ تزخر بكبار المفكرين الذين تناولوا هذا الموضوع وأولوه اهتماماً بقي كإرث أو مرجع يعود إليه الباحث عن أجوبة في بحر من أسئلة لا تنتهي.
وفي عصر السرعة زاد الخوف من الشيخوخة، من هذه المرحلة التي يتمنى كثيرون ألا يصلوا إليها، فالوعي المجتمعي قد ملأها بأفكار ومشاعر معظمها سلبية.
شيخوخة مبكرة
التعريف الخاص بالشيخوخة يركز على الشكل الخارجي، أي على الجسد الفيزيائي المادي وما يصيبه من تغيرات في قوته وقدراته التي كان يمتلكها في فترة الشباب، من دون مراعاة عامل الزمن المؤثر في أي جسم فيزيائي يتعرض لعوامل الطبيعة والاستهلاك غير الصحيح، من عادات سيئة تمارس بحق الجسد على مدى سنوات طويلة بحجج متعددة، إلى أفكار سلبية ترافق الإنسان وتؤثر بنسبة كبيرة في صحته النفسية، بل تعد أحياناً العامل الأساسي والوحيد لأي مرض أو وهن أو ضعف يصيب الإنسان، ما يؤدي إلى ظهور علامات الشيخوخة المبكرة عليه، وهذا ما أكدته الدراسات الحديثة التي خلصت إلى أن معظم المشكلات الصحية الناجمة عن التوتر تجعل الإنسان يشيخ قبل الأوان.
حالات القلق
فوبيا الشيخوخة أو ما يعرف علمياً باسم الجيروسكوفوبيا – Gerascophobia، تعد من النتائج والأفكار السلبية التي تهيمن على فكر الإنسان، فالفوبيا عموماً مشتقة من كلمة يونانية تعني “الخوف” وتعبر عن مجموعة خاصة من حالات القلق والذعر المرتبط بأشياء وأماكن وتجارب ومواقف محددة.
أما رهاب الشيخوخة الذي يعرف بأنه اضطراب سلوكي، يمكن أن يصيب الإنسان في أي عمر، حتى لو كان شاباً، وقد تستدعي هذه الحالة تدخل المختصين للمساعدة في التغلب على أعراضها.
وقد ارتفعت نسبة المصابين بفوبيا الشيخوخة بعد انتشار وباء كورونا عام 2020، والذي نشر في العالم فكرة مفادها بأن المسنين فئة منبوذة وعالة على المجتمع.
العودة للتاريخ
هذه حينها طرحت أسئلة واستفسارات عدة حول هذه الفئة وعددهم ولماذا يضحى بهم بهذه الطريقة اللاإنسانية، وفتح باب للولوج إلى التاريخ والبحث في قيمة هذه الفئة وكيفية وجودها في المجتمع. وهنا يقول كريستوفر دو جاجيه في كتابه “طب الشيخوخة”: “لقد برزت الشيخوخة بكونها مشكلة اجتماعية في بداية القرن العشرين، وبقيت ردحاً طويلاً من الزمن قضية خاصة، أو متعلقة بشبكة مساعدة تقليدية”.
ويتابع، “ليست الشيخوخة لدى البشر أمراً جديداً، فالجديد هو زيادة معدل الحياة الذي أدى إلى حالات لا سابق لها. فقبل 100 عام كان من النادر الموت في سن التقاعد، وكان معظم المتقاعدين يشاركون مشاركة إيجابية في الحياة حتى أيامهم الأخيرة. وكانت تقدم لهم مجموعة واسعة من الأعمال البسيطة التي هي أقل إجهاداً من غيرها، وأكثر ملاءمة لحالتهم العضوية. فإلى جانب نشاطاتهم العملية، كان المسنون يضطلعون باندماجهم الاجتماعي من خلال مجموعة من الأدوار أو الخدمات. وعند وجود إرث كانوا يستأثرون بالسلطة الاقتصادية إذ يرونها الضمان الرئيس لأمنهم تجاه أبنائهم. وقد سمح هذا الجمع بين الأوضاع والأدوار الكاملة للمسن بإشباع حاجاته النفسية، والبقاء نشيطاً، ومن ثم مندمجاً اجتماعياً وثقافياً في آن واحد”.
هذا الإشباع النفسي يعتبر عاملاً مهماً لحياة المسن، فمعظم البشر ينشدون الحصول على الاهتمام والمساعدة، وإثارة إعجاب الآخرين، والشعور بأن لديهم مكانة اجتماعية تميزهم وتعطيهم نجوماً تجعل رضاهم عن أنفسهم جيداً إلى حدٍ كبير.
هذه المشاعر المشبعة غالباً تكون في مرحلة الشباب، عندما يكون الإنسان في أوج طاقته وعطائه، وقدرته على إظهار نفسه بالطريقة التي يريد للآخرين، فبنيته الجسدية والنفسية تساعده، ودعم الآخرين كذلك. وهذا ما يبدأ في الاضمحلال في مرحلة الشيخوخة، حيث تتراجع قدرات الإنسان الفيزيولوجية ويبدو عرضة أكثر لأي مرض قد يصيبه، فكتلته العضلية تقل بنسبة 40 في المئة، وحجم الدماغ يتقلص ليصل إلى النصف، كما أن مناعته تتراجع، والأهم أنه يصبح وحيداً معزولاً عن الآخرين لشعورهم بعدم قيمة المسن، وأنه أصبح عالة عليهم.
ولذلك يخاف البعض من الشيخوخة حد الوسواس القهري، فهم لا يريدون أن يخسروا طاقة شبابهم ولا يريدون أن يكونوا منسيين أو أن يشعروا بالعجز لمجرد أنهم في مرحلة عمرية معينة.
كما أن تنامي ظهور رواد الأعمال الصغار وزيادة عدد الشركات الكبيرة التي تمنح الشباب مردوداً مالياً عالياً، زاد من عزلة المسنين وقلل من أهمية وجودهم واحترامهم والاعتماد عليهم حتى ضمن عوائلهم، لا سيما أنهم كانوا مصدراً للرزق وتوزيع الثروة أو الميراث.
إكسير الحياة
إن الخوف من الشيخوخة مرتبط كذلك بخوف الإنسان من مواجهة الموت، وتمسكه بغريزة البقاء التي تدفع الإنسان دائماً للبحث عن طريقة ليطيل عمره، ما دفع الإنسان منذ زمن بعيد، للبحث عما يسمى “إكسير الحياة”، مبتغياً جرعة سحرية تضمن له الحياة الأبدية وتمنحه الخلود. وعليه وجدت الأساطير التي تحدثت عن هذا الإكسير الذي كان هدفاً لكثير من العظماء والمفكرين والمخترعين والملوك والأباطرة عبر التاريخ. ولذلك فقد سعى العديد من الكيميائيين (الخيميائيين) للعمل على اكتشافه وجعله علاجاً لجميع الأمراض بشكل كامل، طامحين أن يطيل الحياة إلى الأبد، لكن جميع المحاولات توصلت إلى إيجاد وصفات لعلاج بعض الأمراض فقط، ولم تضمن الحياة الأبدية لأي شخص.
أما الإنسان الحديث فيسعى للبحث عن طرق جديدة تجعله خالداً ولو بالشكل، فعمليات التجميل التي ظهرت لتعالج تشوهات الحروب، أصبحت اليوم طريقاً سهلاً يتبعه البعض لمحو آثار الشيخوخة وبخاصة التجاعيد، معتقدين أنهم بهذا الإجراء يدفعون عنهم هذه المرحلة المحتمة، أو ربما تجعلهم ينسونها أو يتناسونها. ولكن على ما يبدو أن الشعور بها عميق في الجزء اللاواعي من العقل البشري، ويعمل الكثيرون على طمسها بوعي أو بلا وعي، في مكان معتم وكأنهم لن يصلوا إليها.
مرحلة الراحة
إن بلوغ الإنسان سن الشيخوخة لا يعني بالضرورة بداية الانعزال والتدهور، فقد تكون هذه المرحلة هي أسعد مراحل حياته وأكثرها عطاءً وفهماً لمعنى الحياة وتقديراً لقيمتها. إذ تلعب المراحل التي مر بها الإنسان وتجاربه الشخصية وأساليب مواجهته للضغوط وللتغيرات المرافقة لها، دوراً هاماً في ردود أفعاله تجاه نفسه والأحداث في هذه المرحلة، بالتالي فالاستعداد لهذه المرحلة بأفضل الأساليب المعنوية والاجتماعية والفكرية والصحية والمادية أمر ضروري، بحيث تكون حصيلة تلك الاستعدادات هي الرصيد الذي يستمد منه المسن القوة والتوازن والاستقرار، بالتالي تحقيق جودة الحياة بكافة أبعادها الصحية والنفسية والاجتماعية.
والنقطة الأهم التي يعتمد عليها للشعور بالرضا والأمان هو التعاطف مع الذات برأفة ولطف وبعقل منفتح. هذا المفهوم يُعد من المفاهيم الإيجابية الحديثة نسبياً في مجال علم النفس، وهو يمثل اتجاهاً صحياً للتعامل مع الذات، وينطوي على معاملة المسن لنفسه من خلال مشاعر العطف والرأفة بدلاً من النقد والحكم القاسي على الذات، وتقديم الدعم والعون لها في حالات الألم والفشل، والرؤية الواضحة والعقلانية للمواقف التي تواجهه.
لذلك فمواجهة الشيخوخة في هذا الاعتبار يجسد مجمل معرفة الإنسان وقيمه واتجاهاته نحو ذاته ونحو الحياة، وتوضح مدى إيجابيته وقدرته على التكيف مع الشروط المحيطة، فكلما كان الإنسان متعاطفاً مع ذاته ومتفهماً وواعياً ومدركاً لقوانين الحياة ومنفتحاً على الخبرات الإنسانية العامة، انسجم مع تلك القوانين الناظمة للحياة ونجح في التوافق معها من دون أن تحدث لديه تأثيراً سلبياً أو أذى نفسياً.
المصدر: INDEPENDENT عربية
مواضيع ذات صلة :
تأثير الإرشادات المالية الخاطئة على الشباب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي | استثمارات وفرص عمل للشباب… المطاعم في “عزّها” | تحويل أعمال نجيب محفوظ إلى قصص مصورة “لجذب الشباب” |