6 طرق يختلف بها دماغ الرياضي عن دماغ الشخص العادي
جاء أولمبياد باريس 2024 كي يعيد تذكيرنا بأنه كي ينتصر الرياضيون على منافسيهم، يجب أن يكونوا الأسرع والأقوى والأكثر رشاقة في سباقاتهم، ويجب على محطمي الأرقام القياسية أن يبذلوا مزيداً من الجهد، متجاوزين حدود القدرات البشرية المعروفة.
وإلى جانب براعتهم البدنية، يسخّر الرياضيون مجموعة فريدة من المهارات الذهنية التي تتيح لهم بالنجاح في تخصصاتهم. وقد أظهر عدداً من الدراسات أن أدمغة الرياضيين تختلف عن أدمغة غيرهم. وبقول آخر، إن ممارسة الرياضية تسهم أيضاً في تشكيل أدمغة الرياضيين، وفق موقع “لايف ساينس” Live Science في تقرير أورد جمعاً من الأمثلة عن ذلك.
التعامل مع الإشارات البصرية
وجدت الدراسات أن الرياضيين المحترفين، مثل لاعبي هوكي الجليد، أفضل بكثير في معالجة الإشارات البصرية من غير الرياضيين. وتُعد القدرة على استيعاب المعلومات البصرية بسرعة واتخاذ القرارات وفقاً لذلك مهارة حاسمة بالنسبة للرياضيين، خصوصاً من يمارسون الرياضات الجَماعية، مثل كرة القدم أو كرة السلة.
وكشفت دراسة نُشرت عام 2023 في مجلة “تقارير علمية” أن الدماغ يخطط وينسق الحركات المتكررة مثل تلك التي يؤديها الرياضيون والموسيقيون المدربون، عن طريق “ضغط” و”فك” المعلومات المهمة عنها بسرعة. في البداية، تتم برمجة تسلسل وتوقيت الخطوات بشكل منفصل في الدماغ، ولكن مع التدريب، تصبح هذه العناصر الفردية مدمجة بسلاسة في دفعة واحدة من النشاط الدماغي المنسق. تتضمن هذه العملية شبكة من الخلايا العصبية في قشرة الدماغ، وهي الطبقة الخارجية فيه، التي ترتسم عليها الحركات، إضافة إلى عمل المراكز الدماغية في تنسيق الحركات وحفظ أنساقها.
التقديرات واحتساب المسافات
في لعبة البيسبول، يجب أن يقوم الضارب بتوقعات سريعة ودقيقة حول مصير كل كرة يقذفها الرامي باتجاهه. ومثلاً، هل ستدخل منطقة الضربة، وما مدى سرعة وصولها إليهم؟
اتضح أنه بناءً على ما يتوقعه الضارب، يتغير نشاط دماغه. على وجه التحديد، وضمن تلك السيناريوهات، تظهر اختلافات في الخلايا العصبية داخل منطقة من الدماغ تسمى القشرة الخارجية البطنية اليسرى، وفق دراسة أجريت عام 2022 في مجلة “سربرال كورتيكس” Cerebral Cortex. وقد رجّح مؤلفو الدراسة أن ذلك يعود إلى قدرة الضاربين الفريدة على الربط بين الإشارات البصرية حول حركات الرامي وبين المسار المحتمل للكرة.
ومن ناحية البنية الهيكلية، أظهرت الأبحاث أيضًا أن الغواصين المحترفين، على سبيل المثال، لديهم ثنية سمكية عند أعلى منطقة الصدغ في الدماغ، أكبر من نظيراتها لدى المبتدئين. وتؤدي تلك المنطقة دوراً مهماً في إدراك حركة الكائنات الحية الأخرى، وتساعد أيضاً في فك رموز النوايا الكامنة وراء تلك الحركات. وبحسب المؤلفون أنفسهم، إن هذا الأمر منطقي في سياق الغوص، إذ يتعلم هؤلاء الرياضيون غالباً من خلال مشاهدة أداء الغواصين الآخرين. وبالطبع، ينطبق هذا الأمر على عدد من الرياضات.
التوازن
يتمتع رياضيو الألعاب الأكروباتيكية، كلاعبي الجمباز، بمهارات استثنائية في الحس الحركي، أو القدرة على الإحساس بمكان أجسامهم وحركته في الهواء. وتتيح شبكة معقدة من الخلايا العصبية في المخيخ، وهي منطقة في قاعدة الدماغ، لهؤلاء الرياضيين تصحيح مسارهم بسرعة في الهواء أو الحفاظ على توازنهم على الجهاز، حينما لا تسير حركاتهم وفق الخطة.
التركيز والانتباه
يجب أن يكون الرياضيون قادرين على تقسيم انتباههم بشكل مناسب والتبديل الديناميكي بين طرق التفكير المختلفة. ويتضمن ذلك الأمر مزيجاً من التركيز على شيء ما، وسرعة الانتقال إلى التركيز على أمر اخر. ومثلاً، خلال مباراة ما، قد يحتاج لاعب كرة القدم الذي يراوغ الكرة إلى التركيز على اتجاه واحد، لكنه يحتاج أيضاً إلى تبديل اتجاهه بسرعة إذا اقترب منه لاعب من الفريق المنافس.
وتمتد المهارات المعرفية اللازمة لتبديل الانتباه أيضاً إلى المهام في الحياة اليومية، مثل الاستماع إلى بودكاست أثناء تنظيف المنزل. وقد قدمت دراسة أجريت عام 2022 في “المجلة الدولية لعلم نفس الرياضة والتمارين الرياضية”، أدلة على أن الرياضيين أفضل بكثير في مسألة تركيز الانتباه ثم تبديله، بالمقارنة مع سواهم.
والجدير بالذكر أن الذين تدربوا على الرياضات الجماعية التي تتطلب تدريبات حركية متسلسلة ومنسقة أو تدريبات متقطعة مكثفة، قد عززوا مهاراتهم في هذا المجال بشكل خاص. وكذك وجد الباحثون أنهم تميزوا بمرونتهم الإدراكية وقدرتهم على تركيز الانتباه ومناقلته بشكل مناسب.
مقاومة شيخوخة الدماغ؟
قد تمتد الفوائد المعرفية للتدريب الرياضي أيضًا طوال الحياة. ربما لا يوجد من يجسد ذلك أفضل من لاعبة سباقات المضمار والميدان الكندية الراحلة أولغا كوتيلكو، التي حققت أكثر من 30 رقمًا قياسياً عالمياً. وقبل وفاتها في عام 2014 عن عمر يناهز 95 عامًا، عمد كرامر وزملاؤه إلى دراسة دماغها في المختبر.
فمع تقدمنا في العمر، تتدهور “المادة البيضاء”، التي تربط بين الخلايا العصبية للمناطق المختلفة من الدماغ. ومع ذلك، وجد الفريق أنه لدى أولغا، على الرغم من أنها كانت في منتصف التسعينيات من عمرها في ذلك الوقت، كانت المادة البيضاء سليمة بشكل ملفت بالمقارنة مع المادة البيضاء لدى النساء الأقل نشاطاً اللواتي كن أصغر سناً منها بأكثر من ثلاثة عقود.
وكذلك وجد الفريق أن أولغا كانت أسرع في الاستجابة للمهام الإدراكية من غيرها من النساء غير البالغات اللواتي جرى اختبارهن في دراسة منفصلة ومستقلة، وكانت ذاكرتها أفضل منهن.
بالطبع، لا يمكن استخلاص استنتاجات عامة من رياضي واحد. ومع ذلك، وكما قال الفريق، هناك “أولغا واحدة لا غير”. ولهذا السبب، قدمت تلك الرياضية للعلماء لمحة فريدة من نوعها عن التأثيرات الطويلة المدى التي يخلّفها التدريب الرياضي على الدماغ.
في المقابل، من المهم ملاحظة أنه ليس كل رياضة على مستوى النخبة مرتبطة ببقاء الأشخاص على قيد الحياة حتى سن الشيخوخة، أو البقاء على قيد الحياة حتى التسعينيات من العمر، على غرار أولغا. ولا يزال العلماء يكتشفون أي الرياضات تحقق مثل هذه الفوائد وأيها لا يحقق ذلك.
مواضيع ذات صلة :
“الكائن الذهبي” في أولمبياد باريس يثير الجدل | “5 ذهبيات”.. حصاد تاريخي للعرب في أولمبياد باريس 2024 | أحمد تاج الدين يحرز ثاني ذهبية للبحرين في أولمبياد باريس |