مرض ألزهايمر يعايش سراب علاجات واعدة ومبتكرة
لا شيء أصعب من أن تخونك الذاكرة. نحن لا نتحدث عن نسيان لحظة معينة أو حدث ما، بل عن ذاكرة مثقوبة تتآكل وتُثقل كاهل المصاب وتُشكّل تحدياً كبيراً لمقدمي الرعاية له. هذا الواقع يُقابله ظهور علاجات جديدة للمرض، حيث شهد عام 2024 تطورات مبتكرة لأدوية يلوح في ثناياها الأمل في أن تُحدِث فارقاً وتعطي نتائج واعدة في إبطاء التدهور الإدراكي المرتبط بالمرض.
في السنوات الأخيرة، دخل عقاران جديدان وأثارا جدالاً واسعاً. وربما يستطيع أحدهما أن يبطء تقدم مرض ألزهايمر.
على غرار الكثير من الأدوية التجريبية، حرّك هذان العقاران نقاشات واسعة في عالم الطب. بالنسبة إلى المدافعين عنهما، يمثل عقارا ليكانماب (lecanemab) ودونانماب (donanemab) فرصة حقيقية أولى من نوعها لمواجهة المرض بعد عقود من البحث. في المقابل، يعتبرهما النقّاد خيبة أمل جديدة بعد سلسلة طويلة من الإخفاقات المكلفة.
“لقد تجاوزنا منعطفاً بفضل هذه العلاجات”. هكذا يصف البيولوجي البريطاني جون هاردي الذي يدرس مرض ألزهايمر منذ التسعينات، ما توصّلت إليه العلاجات الحديثة، في حديثه لوكالة “فرانس برس”.
في المقابل، يرى روب هاوارد، أستاذ الطب النفسي للشيخوخة في جامعة كوليدج لندن، “أن هذه الأدوية قد استخدمت لرفع آمال غير واقعية وزائفة لدى الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر وعائلاتهم”.
تُختصر هذه التصريحات المتعارضة المواقف المتجذّرة في شأن الأدوية التي تمّ تقديمها مؤخّرًا لعلاج ألزهايمر، وهو الشكل الأكثر شيوعًا للخرف الذي يعاني منه ملايين الأشخاص حول العالم.
مسار الأدوية في بعض الدول
في المقال المنشور على موقع “ميديكال إكسبرس” Medical Xpress ، نغوص أكثر في هذين العقارين. نبدأ أولاً مع عقار “لكانيماب” المعروف تجارياً باسم “ليكيمبي” (Leqembi) الذي طورته شركتان أميركيتان للأدوية هما “بايودن” و”إيساي”. بينما تمّ تطوير “دونانيماب”، الذي يُباع تحت اسم “كيسونلا” (Kisunla)، بواسطة عملاق الأدوية إيللي ليلي.
وقد أدى الجدال حولهما إلى اتخاذ دول عدّة مواقف مختلفة في شأن الموافقة عليهما. ومثلاً، أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لـ”لكانيماب” في عام 2023، ثمّ لـ”دونانيماب” في وقت مبكر من هذا العام. في حين رفض الاتحاد الأوروبي عقار “ليكانماب” في تموز (يوليو) 2024، ما يعدّ مؤشراً سيئاً للموافقة على عقار “دونانيماب”.
في موازاة ذلك، اتخذت المملكة المتحدة مساراً وسطياً خلال الشهر الماضي، حيث وافقت على استخدام “لكانيماب” لكنّها لم تجعله متاحاً عبر الخدمة الصحية الوطنية.
الحقيقة التي لا يمكن انكارها أنّ العقارين هما أكثر العلاجات فعالية لمرض ألزهايمر على الإطلاق، ولكنّ فعاليتيهما محدودتان. يبدو أن العقارين كليهما يقللان من التدهور الإدراكي لدى المرضى في مراحل بداية المرض بنسبة 30 في المئة.
ورغم أنّ هذه النسبة تعتبر جيدة إلى حدّ ما، إلّا أنّ هاوارد يجد أنّ “الفوائد صغيرة جدًا لدرجة أنّها تكاد تكون غير مرئية في أيّ مريض فرديّ”.
تكاليف باهظة
في رأي منتقدي الدواءين، لا تكفي الفوائد لتبرير المخاطر المرتبطة بهما، التي قد تشمل أحيانًا حدوث تورّم في الدماغ أو النزيف، ما قد يؤدّي في حالات نادرة إلى الوفاة. أضف إلى ذلك، أن كلفتيها باهظتا الثمن. وفقًا للأسعار التي تحددها شركتا “بيجن” و”إيساي” في الولايات المتحدة، فإنّ تكلفة إعطاء “ليكانيماب” لجميع المرضى المؤهلين في الاتحاد الأوروبي ستبلغ 133 مليار يورو (148 مليار دولار) بحسب دراسة أجريت في عام 2023.
ما يعني بطريقة أخرى، أننا سنرى الأثرياء يتوجهون إلى الولايات المتحدة للحصول على هذه الأدوية في حين سيترك الفقراء لحالهم.
في المقابل، يعتقد مؤيدو تلك الأدوية، بمن في ذلك العديد من علماء الأعصاب، بأنّها يمكن أن تقدّم للمرضى بضعة أشهر إضافية من الاستقلالية القيّمة. إلى جانب فعالية الأدوية التي يمكن أن تتضاعف في حال بدأ المرضى في تناولها في وقت مبكر من تقدم المرض. وقد يصبح ذلك ممكنًا قريبًا، حيث تحقّق الأبحاث في تشخيص مرض ألزهايمر تقدمًا ملحوظًا.
الجدال مستمرّ
يمكن إرجاع النقاش جزئيًا إلى مقال رائد نُشر عام 1992 بواسطة هاردي يتناول فيه كيفية عمل المرض فعليًا. يظهر المقال أن كتل البروتين المعروفة باسم لويحات “الأميلويد”، التي تُعتبر عنصرًا ثابتًا في أدمغة مرضى ألزهايمر، ليست مجرّد عنصر من بين عناصر أخرى، بل هي العامل الرئيسي الذي يحفز المرض.
على مدار العقود، جرى تطوير عدد من الأدوية التي تستهدف لويحات “الأميلويد”، وجميعها فشلت، إلى أن ظهر عقارا “ليكانماب” و”دونانماب”.
يمكن أن يكون الشك لدى بعض الأوساط في شأن الأدوية الجديدة ناتجًا عن دفاع البعض عنها والإشادة بها، رغم عدم فعاليتها. وحتى داخل صناعة الأدوية، يعترف البعض بأنّ الإخفاقات السابقة لم تساعد في بناء الثقة. ويستذكر طبيب يعمل لصالح إيلي ليلي، وفضّل عدم الكشف عن هويته، إنّ منافستها “بيودجين” قد بالغت في الحديث عن فوائد علاج سابق اسمه “أدوهيلم” (Aduhelm). وقد تمّت الموافقة على هذا الدواء بشكل مثير للجدل في الولايات المتحدة عام 2021 قبل أن يجري سحبه.
ومع ذلك دافع الطبيب هاردي عن العلاجات الجديدة، وحثّ الناس على النظر إلى المستقبل، وليس إلى الماضي.
وعلى غرار غيره من المتخصصين، رأى أن عوامل أخرى إلى جانب “الأميلويد”، قد تكون وراء مرض ألزهايمر وتحتاج إلى استكشافها.
وكذلك كتب مجموعة من الخبراء في “مجلة الوقاية من مرض ألزهايمر” الشهر الماضي، أنّه نظراً إلى تعقيدات المرض، فمن غير المحتمل أن تحقق “علاجات تستهدف عنصرًا واحدًا تأثيرات أكبر بكثير” من تلك التي تحققها “ليكانيماب” و”دونانيماب”. ومع ذلك، تعتبر الأدوية الجديدة “خطوة حاسمة” في علاج مرض ألزهايمر، هل ينجح العلم في اكتشاف أدوية قادرة أن تقلب الموازين في هذا المرض؟
مواضيع ذات صلة :
تحديد رابط بين ألزهايمر والسرطان! | اختبار دم دقيق يكشف مرض ألزهايمر في وقت مبكر | إدارة الغذاء والدواء الأميركية تقرّ عقارًا جديدًا للألزهايمر |